شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب: قراءة موثقة في تناقضاته ومراوغاته ودوافعها | هاني عمارة

شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب: قراءة موثقة في تناقضاته ومراوغاته ودوافعها | هاني عمارة

17 Jun 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

الدين مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عندما طالعت خبر قرار ضبط وإحضار الشيخ محمد حسين يعقوب وزميله محمد حسان للشهادة في قضية داعش إمبابة، استحضرت فورًا الشهادة الشهيرة للشيخ محمد الغزالي بعد اغتيال فرج فودة.

الحالتان متطابقتان: شباب اتجهوا للعنف. ألقي القبض عليهم، فنسبوا فعلهم إلى ما تعلموا على أيدي شيوخ يعلمون تحت سمع وبصر الدولة فلا تقترب منهم!

شهادة الغزالي في محاكمة قتلة فرج فودة

شهادة الغزالي في محاكمة قتلة فرج فودة

موقف محمد الغزالي كان مثيرًا للاحتقار والإعجاب في وقت واحد؛ ذهب بثقة للمحكمة كقاضٍ لا متهم. حولها من محاكمة القاتل إلى محاكمة القتيل، إلى مسار: هل فرج فودة مرتد يستحق القتل أم لا؟

كان جواب محمد الغزالي: نعم يستحق. لكن سلطة التنفيذ هي الدولة، وجريمة المنفذين هي الافتئات على سلطة الدولة لا القتل نفسه، بما ساهم في تخفيف الأحكام، وهذا سبب الاحتقار.

محمد الغزالي اعترف لاحقًا لبعض خواصه، برواية الشيخ طه جابر العلواني، أنه لا يقر قتل المرتد أصلًا. لكنه اضطر لهذا المسلك لإنقاذ الشباب من الإعدام.

 

وهنا مكمن الإعجاب؛ إذ لم يخذل محمد الغزالي أتباعه بعدما أضلهم، ففعل ما بوسعه لإنقاذهم من الإعدام.

من هذه النقطة، ترقبت شهادة محمد حسين يعقوب تحديدًا؛ ففوجئت بصورته على كرسي متحرك، يحمل تقارير طبية لتبرير تخلفه السابق عن الحضور. ثم طلب من القاضي منع تصوير الجلسة. لكن القاضي رفض.

الشيخ محمد حسين يعقوب أمام المحكمة

الشيخ محمد حسين يعقوب أمام المحكمة

طريقة الدخول كانت كاشفة، وإجابات الشيخ محمد حسين يعقوب كانت كاشفة أكثر؛ فالرجل أتى المحكمة متيقنًا أنه متهم لا شاهد، فكان همه الشاغل تبرئة نفسه، مع “محاولة” ألا يخسر جمهوره. ومن هنا، خرجت محاولة المراوغة.

وبعكس محمد الغزالي الذي كان أكثر “مروءة مع القتلة” في قضية فرج فودة، خذل يعقوب اتباعه  المقبوض عليهم فتبرأ منهم، ووصف أحدهم بـ “مضلل”.

كانت المقدمة ضرورية قبل الخوض في تفاصيل شهادة محمد حسين يعقوب وتناقضاتها ومرواغاتها في إطار المحاور التالية:

1- لست عالمًا بل داعية

أول إجابة من الشيخ محمد حسين يعقوب كانت ادعاءه أنه عابد لا عالم، وأنه لم يفت أبدًا، بل نصح تلامذته بسؤال العلماء. وهذا كذب من وجوه:

الأول: يعقوب مدمن للفتاوى في أتفه الأمور. يوتيوب يحمل المئات منها. بعضها ينشر على سبيل السخرية لشدة تفاهتها أو تشددها.

الثاني: الشيخ محمد حسين يعقوب يملك دروسًا مسجلة في العلوم الشرعية في غير تزكية القلوب:

في العقيدة شرح الطحاوية،

وفي الحديث شرح البخاري.

وله كتاب “ابن الإسلام” في مجلدين يحملان منهجًا شرعيًا متكاملًا في العقيدة والحديث والفقه،

بل وكتاب شهير اسمه “منطلقات طلب العلم” يشمل وبرنامجًا متكاملًا للمبتدئين بطلب العلم. ومثل هذه الكتب لا تصدر عن شخص يدعى أنه مختص فقط بتزكية القلوب وليس بعالم.

كتب الشيخ محمد حسين يعقوب ابن الإسلام

ابن الإسلام.. من كتب الشيخ محمد حسين يعقوب

الثالث: شارك بعد يناير 2011 في تأسيس ما يسمى “مجلس شورى العلماء” يضم أشهر شيوخ السلفية محمد حسان وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي لتوحيد الموقف السلفي والتأثير في الأحداث.

 

الدوافع: دوافع إجابة الشيخ محمد حسين يعقوب قانونية ربما بمشورة محاميه لعدم تحميله مسؤولية ما صدر منه من فتاوى، وآراء تكفيرية تدينه بالصوت والصورة.

ربما  توقع أن يواجه بها في المحكمة، خصوصًا أنه ناقض نفسه فذكر أن ما يصدر عنه اجتهادات. فكيف يمارس الاجتهاد وهو ليس بعالم دين؟

2 – لا دخل لي بالسياسة

يتشارك الشيخ محمد حسين يعقوب مع الإخوان في الفكر السياسي والحركي حتى قبل 25 يناير، مع اختلاف الآليات والوسائل. ويستخدم في كتبه مصطلحات مثل التمكين والاستخلاف وهي مصطلحات سياسية المغزى.

كتب الشيخ محمد حسين يعقوب

التمكين في كتب الشيخ محمد حسين يعقوب

بعد 2011 شارك في المشهد السياسي بقوة، فدعم مرشحين وأحزابا في الانتخابات، ودعا للتصويت لصالح تعديلات مرسي الدستورية.

وبعد الإطاحة بمرسي شارك في تحريض المعتصمين مدعيًا أنها حرب على الإسلام، وقاد مظاهرة في مصطفى محمود خطب فيها خطبة تحريضية قبل أن يهرب منها لاحقًا.

الدوافع: استباق توجيه أسئلة سياسية ستحرجه أمام أتباعه أو تورطه في القضية كمتهم لا شاهد.

3- جهاد الكلمة وتكثير الصالحين:

عند سؤال الشيخ محمد حسين يعقوب عن رأيه في الجهاد قال: “كنت أقول لهم كلمة الجهاد ولنا جهاد الكلمة. وجهادنا أن نكثر الصالحين حتى لا تهلك الأمة. وهذا معنى الجهاد”.

الدوافع: تجنب إصدار فتوى مباشرة تنفي وجوب الجهاد وجوبًا عينيًا، أو ربط سلطته بولي الأمر.

فلم ينف أصل الجهاد الذي يقره ويوجبه، بل نقل الحديث إلى منهجه الآمن: التمكين عبر الانتشار من القواعد واختراق المجتمع، واختار له اسمًا لطيفًا: “تكثير الصالح”، وهو ما عبر عنه بصراحة في كتابه “الجدية في الالتزام”: “إقامة النموذج وتوسيع القاعدة”.

ويتضح هذا من فيديو انتقد فيه سلوك تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن “الذي ادعى في الشهادة أنه لا يعرفهم” انتقد فيه سلوكهم في التفجيرات لعدم جدواها وليس لحرمة الدماء.

3 – العنف ضد أجهزة الدولة وتكفير الحاكم:

تهرب محمد حسين يعقوب من الحسم في مسألة تكفير الحاكم متذرعًا بأنها مسألة كبيرة. وعند الكلام عن قتال الجيش والشرطة تكلم بالعموم عن حرمة قتال “المسلم” وتهرب من الإجابة عن غير المسلم.

وعندما سئل عن هدم المساجد والكنائس والاضرحة. قال: “لا أدري” حتى لا يقال أنه لا يقر الأضرحة والكنائس، ولا أن يفهم أتباعه العكس.

لكن يعقوب لا يمانع من الخروج على الحاكم مستخدمًا العنف حال القدرة والمصلحة. قال ذلك في قصة سعيد بن جبير والحجاج:

كما أن له تهديدًا باستخدام العنف ضد المتظاهرين على خطبة الشيخ المحلاوي التحريضية في أحداث مسجد القائد إبراهيم:

هنا، كان تهديد الشيخ محمد حسين يعقوب نابعًا من قاعدة مظنة القدرة والاستطاعة؛ حيث كان السلفيين الأكثر انتشارًا.

4 – الطائفة الممتنعة:

عند سؤاله عن الطائفة الممتنعة، قال لا اسمع بها.

وهو أغرب ردود الشيخ محمد حسين يعقوب، ظاهره الكذب، باعتبار جدل قتال الطائفة الممتنعة حاضرا في الأوساط السلفية، ونقطة خلاف فاصلة بين السلفية الجهادية والسلفيات الأخرى، بشكل يستحيل لشيخ يعمل في الدعوة السلفية منذ 40 عامًا أن لا يعرف مصطلح الطائفة الممتنعة

كما أنه في كتابه “منطلقات طلب العلم” ذكر في قائمته كتبًا ناقشت مسألة قتال الطائفة الممتنعة، مثل كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وكتب ابن تيمية عمومًا.

الدوافع: ادعاء عدم المعرفة هنا هروب من الشيخ محمد حسين يعقوب من الإجابة على حكمها، حتى لا يتورط علنًا في تكفير الدولة وإباحة العنف.

5 – لا أعرف السلفية الجهادية التكفيرية:

بسؤال الشيخ محمد حسين يعقوب عن جماعات التكفير مثل القاعدة وداعش ادعى عدم معرفته إلا ما يقال في الإعلام، وهو ادعاء غير صحيح؛ دوافعه التهرب من مزيد من التفاصيل حتى لا يتورط في تأييدهم أو إدانتهم، لأن أغلب مريديه يتعاطفون معهم.

والشيخ يعرف جيدًا تاريخ تلك الجماعات وله خطبة من جزئين ضمن سلسلة شرح الطحاوية تكلم فيها عن تاريخ جماعات التكفير:

حقيقة منهج الشيخ محمد حسين يعقوب 

منهج يعقوب، شأن الاتجاه العام للسلفيين (باستثناء الجامية) في مصر، هو القطبية السرورية؛ وهو اتجاه يجمع بين الحركية الإخوانية والسلفية النجدية. حيث تغلب على مناهجهم النظرية قضايا التكفير، ومنها تكفير الدولة.

1 – أشاد بأحد أخطر منظري السلفية الجهادية رفاعي سرور واعتبره شيخه، وأثنى على كتابيه “أصحاب الأخدود” و”قدر الدعوة” وقال إنه تأثر بهما.

والكتاب الأول قراءة حركية جهادية لقصة أصحاب الأخدود، والثاني تكفيري صريح يصرح فيه بكفر الدولة التي لا تطبق الشريعة.

2 – ليس سلفيًا صافيًا، حيث يستخدم في خطبه وكتاباته مفاهيم حركية وسياسية من اختراع جماعات الإسلام السياسي والسلفية الجهادية، مثل الدعوة والتمكين والاستخلاف وفقه الواقع وفقه الأولويات.

3 – في قضايا التكفير لا يختلف كثيرًا عن السلفية الجهادية. وفي محاضرته عن أنواع التكفير في سلسلة شرح الطحاوية، يتوسع في مفهوم التكفير ليشمل الدولة التي تطبق القوانين الوضعية.

4 – صرح أنه لا يعترف بغير القرآن دستورًا، وأن الدستور المصري “طاغوت” فيه شرك وكفر.

وهو في ذلك يتفق مع القاعدة وداعش؛ يستخدم مفهوم “الحاكمية” الذي ابتدعه أبو الأعلى المودودي ومن بعده سيد قطب، خلافًا للسلفية التقليدية التي لا تستخدم المصطلح.

5 – الشيخ محمد حسين يعقوب صرح في أحد تسريباته  أنه كان يرى مبارك كافرًا، وأن ما كان يمنعه من إعلان ذلك هو المصلحة.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك