اشتهر الروائي المصري نجيب محفوظ بحرصه على عدم دخول أي معارك أدبية، مع أيٍّ من زملائه في الحقل الثقافي.
امتزجت صفاته الشخصية المُسالمة مع عاداته الأدبية في التعبير عن كافة آرائه روائيًا بشكلٍ غير مباشر، والنتيجة مسار مهني ابتعد فيه عن كافة المعارك، إلا ثلاثا.
ماهي؟
الحكاية في دقائق
في 1945م، أصدر العقاد كتابه "في بيتي"، وهاجَم فيه فن الرواية، معتبرًا أن الشعر أنفس منه بكثير، يقول "محصول خمسين صفحة من الشعر الرفيع، أوفر من محصول هذه الصفحات من القصة الرفيعة".
وهو ما أثار غضب نجيب محفوظ، والذي كان أديبًا صغير السن وقتها (34 عامًا) ممتلئًا بالحماس، فكتب مقالاً عنوانه "القصة عند العقاد"، ردّ فيه على آرائه.
اعتبر محفوظ أن العقاد لا يفهم فنّ القصة، فشرح للعقاد أن القصة "لا ترمي لمغزى يُمكن تلخيصه في بيت شعر، ولكنها صورة الحياة".
لم يرد العقاد على نجيب محفوظ، وانتهى السجال سريعًا بمقالٍ ومقالٍ مُضاد.
عندما فاز نجيب محفوظ بنوبل 1988م، كتب نزار مقالاً في الأهرام اعتبر فيه أن هذا الفوز هو "أول فرحة ثقافية في حياة الحرب".
لم يمنع هذا من وقوع خلاف بين الرجلين بسبب إسرائيل.
ففي أكتوبر 1995م، أصدر نزار قباني قصيدته الشهيرة المهرولون، التي انتقد فيها كافة جهود تحقيق السلام مع إسرائيل، وآخرها توقيع اتفاقية أوسلو.
أيّد نجيب محفوظ مساعي الصُلح تلك، لذا وجّه انتقادًا لقصيدة نزار خلال حوارٍ مع جريدة الحياة اللندنية.
وصف محفوظ الأبيات بأنها "قصيدة قوية لموقف ضعيف، وأن الاستماع لرأي نزار سيبقينا في أماكننا دون إحراز أي تقدم.
اعتبر نجيب أن نزار قباني ينتقد فقط ولا يُقدِّم بديلاً، وأننا لن نعيش حالة حربٍ للأبد.
فردّ عليه نزار بمقالٍ آخر يصف محفوظ فيه بـ"السذاجة السياسية"، ويوضّح الفرق بين شخصيتيهما.
سخر نزار من محفوظ واصفًا إياه بأنه "إنسانٌ رقيقٌ كنسمة الصيف، وحريريٌّ في صياغة كلماته، إنه رجل اللا عنف الذي يمسك العصا من منتصفها.. ولا يسمح لنفسه بأن يجرح حمامة"
وأضاف نزار: ربما جرحت عذرية كاتبنا الكبير، وكسرت زجاج نفسه الشفافة، ولكن ماذا أفعل؟ إذا كان قدره أن يكون من "حزب الحمام".. وقدري أن أكون من "حزب الصقور".
هذه المرة اختار نجيب عدم الرد على نزار، مكتفيًا برأيه في التصريح الأول.
عندما أُعلن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب فرحت مصر كلها.. ربما باستثناء يوسف إدريس.
فلقد هيّأ نفسه بأنه الأحقُّ بنوبل من محفوظ، معتبرًا نفسه أكثر موهبة من، خاصة بعدما أخبره صحفيون سويديون بأنه مرشح قوي لها.
قالت نسمة يوسف ابنة يوسف إدريس في حوارٍ لها: بأن والدها أصيب بصدمة وإحباط شديدين فور إعلان فوز محفوظ بالجائزة، واعتبر أن اللجنة خانته، بعدما أرسلت له ما ظنّه وعدًا بالفوز عبر الصحفيين السويديين.
في تصريحات منسوبة إلى إدريس أراد أن يُلبس "خسارته الجائزة" ثوب الوطنية، هاجَم يوسف إدريس نجيب محفوظ مرارًا، معتبرا أنه خسر نوبل بسبب مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية بعكس محفوظ المُناصر للتطبيع مع إسرائيل.
بعدها حصل إدريس على جائزة صدام حسين الثقافية في ذات العام، وأصرّ على تسلمها بالرغم من الخلافات السياسية الحادة بين مصر والعراق حينها، اعتبر في تصريح منسوب إليه أن هذه الجائزة أهم من نوبل.
ويكشف الكاتب محمد سلماوي في مذكراته، أنه كان شاهدًا على عملية الصلح بين الرجلين.
اتّصل إدريس بنجيب محفوظ وقال له "الكلام اللي سمعته دا أنا مقلتوش"، فأجابه نجيب محفوظ ببساطة "وأنا مسمعتوش"!
وبحسب شهادة ابنة إدريس، فإن نجيب عجز بسبب مرضه عن حضور جنازة يوسف إدريس وعزاءه، لكنه أوفد زوجته وابنتيه بدلاً منه.
حكايات من الأرشيف، طاهر عبدالرحمن (كتاب)
وجوه مضيئة في الأدب والفن، عبده الزراع (كتاب)
يومًا أو بعض يوم، محمد سلماوي (كتاب)