قبل أن تغير الطفرة النفطية، السعودية، كان السكان يعيشون عادة في منازل تقليدية من الطين على طول ممرات ضيقة مظللة.
على مدى العقود القليلة التالية، صارت السعودية واحدة من أسرع البلدان انتقالًا إلى أنماط المساكن الحضرية، عبر مخططين دوليين أحضروا خصيصًا لهذا الغرض، وبينهم المهندس اليوناني كونستانتينوس دوكسياديس، الذي تولى مهمة تشكيل العاصمة ومواكبتها للتطور.
زاد عدد سكان الرياض 50 ضعفًا منذ 1950، مما أدى إلى إغلاق شوارعها، واستنفاد إمدادات المياه المحدودة.
اختفت المناظر الطبيعية الخصبة، إلا داخل القصور الملكية والفيلات الخاصة. وفي الشوارع، اختفت الأرصفة تقريبًا، بدرجة بات يحتاج معها سكان العاصمة لاستدعاء سيارة أجرة للعبور إلى الجانب الآخر من الشارع. وبات مستحيلًا أن تعيش في المدينة دون مكيفات الهواء في كل مكان، في المكتب والمنزل، وحتى السيارة.
لذلك حاولت السعودية إعادة تشكيل الرياض لتحقيق أهدافها، وكانت آخر استراتيجية تطوير المدينة قبل 20 عامًا والتي دعت إلى العديد من التغييرات الموجودة في الخطة الجديدة، لكنها فشلت.
الآن، تستهدف السعودية تحويل العاصمة إلى مدينة خضراء بدرجة كافية لخفض درجة الحرارة فيها بدرجتين مئويتين كاملتين؛ لإبقاء المدينة صالحة للمعيشة حتى في ظل ظروف تغير المناخ.
محمد بن سلمان يستهدف من الخطة مضاعفة عدد سكان الرياض في غضون 10 سنوات، وتحويل المدينة، التي كانت محافظة نسبيًا، حتى بالمعايير السعودية التقليدية نفسها، إلى مركز أعمال إقليمي يمكنه المنافسة مع دبي، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بجذب الأجانب المتعلمين تعليمًا عاليًا، وجعل المدينة أكثر ملاءمة للعيش.
فهد الرشيد، رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض، المكلف بتنفيذ الخطة يقول: "الفكرة بسيطة للغاية: "ضمان زيادة الكثافة في المدينة دون المغامرة بفتح الطريق أمام الزحف العشوائي". هذا يتطلب وقف توسع المدينة اللامتناهي شمالًا في الصحراء، والبدء في تطوير بنايات أكثر كثافة وأطول وأكثر اخضرارًا.
تهدف استراتيجية الاستدامة، والمقدرة تكلفتها بـ 92 مليار دولار، إلى خفض انبعاثات الكربون في الرياض إلى النصف، من خلال زراعة 15 مليون شجرة، وزيادة استخدام المياه المعالجة للري من 11٪ إلى 100٪.
يخطط المسؤولون لجعل 30٪ من جميع المركبات في المدينة تعمل بالكهرباء بحلول 2030، ويتزامن ذلك مع اكتمال نظام مترو قادر على تحمل انتقالات 4 ملايين شخص يوميًا.
تهدف الخطة كذلك لتغيير ثقافة السعوديين لقبول العيش في شقة بدلًا من فيلا، وقضاء وقت الفراغ في حديقة عامة بدلًا من الفناء الخلفي.
هذا يشمل تطوير العديد من الحدائق في منتزه الملك سلمان، والذي سيحول قاعدة جوية إلى مساحة خضراء عامة أكبر بأربع مرات من سنترال بارك في نيويورك.
مشاري النعيم، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في الدمام، يقول إن هذا تحول في ثقافة تقدر الخصوصية بشكل كبير سيتطلب عقلية جديدة وطريقة حياة جديدة.
ورغم ضآلة نتائج الخطط السابقة، يأمل بعض المخططين الحضريين السعوديين أن ينجح مشروع الرياض الجديدة هذه المرة؛ لأن السلطة السياسية تلقي بثقلها الكامل وراءها. لكن بعض المخاوف قائمة من أن يلقي التركيز على الرؤية الكبرى بظلاله على الإجراءات الأصغر.
ياسر الششتاوي، الأستاذ معماري المساعد في جامعة كولومبيا، والمتخصص في مدن المنطقة يقول إن المشكلة الرئيسية في مشروع إعادة هندسة الرياض أن مثل هذه المبادرات غالبًا ما تطبق من أعلى إلى أسفل، وهو ما يحول نوعًا ما دون مشاركة المواطنين؛ بما ينذر بانفصال بين السياسات المخططة وما يجري تنفيذه فعلًا، ومن ثم كيف يجري التنفيذ على أرض الواقع.
بخلاف كل ذلك، يقول المتشككون في الداخل والخارج، إن المشروع يواجه صعوبات أخرى، تتعلق بكون السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، ولديها أعلى نصيب للفرد من نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بين دول مجموعة العشرين. ولا تزال ثروة البلاد قابلة للارتفاع والانخفاض يوميًا مع تغير أسعار النفط.
العديد من الدول وضعت خطط مشابهة لحماية المدن التي تصارع للتكيف مع تغيرات المناخ، من ميامي إلى بانكوك.
كوبنهاجن مثلًا تخطط لتصبح أول عاصمة في العالم خالية من انبعاثات الكربون بحلول 2025.
كذلك، تدعو خطة طوكيو الرئيسية البيئية لعام 2016 إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30٪ وإجراءات جديدة لمكافحة موجات الحر في الصيف.
لكن، إذا نجح السعوديون ولو جزئيًا، فستقدم الرياض للعالم دراسة حالة عن كيفية تكيف المناطق الحضرية مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه.
صالح الهذلول، مهندس معماري سعودي ومسؤول سابق في تخطيط المدن يقول: "أشك في وجود بيئة أكثر قسوة مما لدينا هنا، إذا تمكنا من القيام بذلك، فيمكن القيام به في أي مكان".
السعودية تحاول أن تجعل عاصمتها المكان الذي تتمنى العيش فيه (بلومبرج)