عالم الجزر المنعزلة | 3 فقاعات تدفعك إليها منصات المشاهدة الإلكترونية | أمجد جمال

عالم الجزر المنعزلة | 3 فقاعات تدفعك إليها منصات المشاهدة الإلكترونية | أمجد جمال

2 Sep 2020

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عالمية سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الجدل قُتل بحثًا عما إذا كانت المنصات تهدد صالات العرض، أو تبشر بموت السينما بالمفهوم التقليدي. فكل هجوم واعتراض على صعود منصات المشاهدة الإلكترونية في السنوات الأخيرة وفق هذا الزعم يقابله رد منطقي، ويكذبه الواقع، إذ استطاعت صالات العرض الصمود جنبًا إلى جنب مع منصات المشاهدة الإلكترونية يكمل كل منهما الآخر، حتى مع جائحة كورونا وتبعاتها التي أثرت بشكل كبير على صالات السينما، وهو حدث قهري لا يمكن الاستدلال به في جدل كهذا، لكن فور العودة بفيلم كبير مثل Tenet لمسنا تحسنًا ملحوظًا في الدخل السينمائي رغم المحاذير المفروضة على نسب إشغال القاعات.

أثبت الواقع أن منصات المشاهدة الإلكترونية ليست إلا متنفسًا جديدًا للسينمائيين، أنقذت نوعيات فيلمية بعينها لم يعد عرضها في الصالات مجزيًا، مثل الأفلام الكوميدية والرومانسية الخفيفة.

منصات المشاهدة الإلكترونية كذلك أعطت قبلة الحياة لمخرجين كبار كانوا على وشك التلاشي، بسبب تخلي شركات السينما الكبرى عن مشروعاتهم الفنية.

وحتى الحجة الكلاسيكية بأن جودة العرض تتأثر بحجم الشاشة ونقاء الصوت سقطت، مع التقدم الكبير في آليات وتقنيات العروض المنزلية وثورة “الدولبي” و”الهاي ديفينشن”.

قاعات السينما أم المشاهدة المنزلية؟ 5 فروق رئيسية قد تحدد مستقبل قاعات العرض | حاتم منصور

رغم ذلك، تحمل بعض التهديدات والحجج المضادة لصعود منصات المشاهدة الإلكترونية وجاهة. تهديدات لم تكن ظاهرة في البداية؛ لأن جميعنا ظن أن ظاهرة منصات المشاهدة الإلكترونية ستقتصر على منصة واحدة أواثنتين، فانشغلنا في جدلية “السينما ضد المنصة” ونسينا جدلية “المنصة ضد المنصة”، قبل أن تتزايد أعداد منصات المشاهدة الإلكترونية، وبضخامة رأسمالية أصبحت تفوق الرواد القدامى نتفليكس وأمازون، بدخول عمالقة من عيار HBO MAX وDisney وApple، ناهيك عن المنصات الأصغر. في الولايات المتحدة وحدها هناك 300 منصة، بعضهم يوجه خدماته بشكل دولي. نضيف إليهم منصات المشاهدة الإلكترونية المحلية التي تتنافس في منطقتنا العربية وأبرزهم Osn وشاهد وwatchit. هذا الازدياد في عدد المنصات صنع مشكلات لم تكن في الحسبان وقت الجدل والمناظرات القديمة؛ لأن الاختيار لم يعد بسيطًا.

نولان ضد مولان | تفاصيل حرب ستحسم مستقبل السينما | حاتم منصور

الفقاعة الذوقية

المشكلة هنا ليست في منصة تنافس الصالة، بل بتحول المنصة إلى منصات.

إن كنا نتحدث عن متوسط 10 دولارات شهريًا كسعر اشتراك في منصة، فهذا يعني أن أغلبية من الأسر لن تملك الرفاهية المادية للاشتراك الشهري إلا في منصة واحدة أو اثنتين، مع الحسبان أن هناك مبلغًا شهريًا موازيًا ستقتطعه كل أسرة للذهاب للسينما أو المسارح، ولا ننسى الاشتراكات في منصات الموسيقى (Deezer وAnghami وSpotify وYoutube.. إلخ)، ناهيك عن باقات الإنترنت المكملة لعمل خدمة المنصات. تلك إذن ميزانية الترفيه الإلكتروني للفرد أو الأسرة في الشهر الواحد، ومن الواضح أنها تفوق بكثير الـ 10 دولارات (سعر الخدمة المعلن للمنصة الواحدة).

دراسة أجرتها مؤسسة YouGov الأمريكية، كشفت أن 37% من السكان غير مستعدين لدفع أكثر من 1$ إلى 20$ شهريًا في خدمات المنصات المختلفة. 23% قالوا إنهم غير مستعدين للاشتراك في أي منصة. 22% قالوا أنهم لن يدفعوا أكثر من 40$ شهريا لخدمات منصات المشاهدة الإلكترونية.

الدراسة خرجت بأن الفئة المستعدة للاشتراك في أكثر من ثلاث منصات قررت في المقابل الاستغناء عن قنوات الكيبول.

إحصائية كتلك طُبقت في واحدة من الدول العشر الأوائل في متوسط دخل الفرد، ولو طبقت في الشرق الأوسط لانكمشت الأرقام للنصف على الأقل، باستثناء بعض دول الخليج.

هنا لا يهم المعايير التي ستنتهجها الأسرة في “المفاضلة” بين منصات المشاهدة الإلكترونية وبعضها للاستقرار على منصة أو اثنتين، المشكلة أن المفاضلة ستقود بديهيًا إلى قدر من “الاستكفاء”. ستكون مكتبة المحتوى التي تتيحها كل منصة هي الفقاعة الترفيهية والذوقية الوحيدة المتاحة للمتفرج، والخطورة هنا أنك حين تختار مكتبة Disney تتخلى ضمنيًا عن مكتبة HBO، وحين تختار مكتبة نتفليكس فأنت تتخلى عن مكتبة أمازون.

ظاهرة لم نعرفها في عصر السينما التقليدية حتى مع احتكار الشركات الكبرى للإنتاج؛ فالعبرة بشيوع التوزيع. كنا نذهب للفيلم لا للشركة المنتجة، وكذلك في عصر التلفزيون والقنوات، لم تكن المكتبة التي تملكها القناة فقاعة لأذواقنا؛ لأننا ببساطة كنا نملك الريموت كنترول.

قراءة في قائمة أنجح 10 أفلام من إنتاج نتفليكس | حاتم منصور

الفقاعة التسويقية

تقديم الخدمة عن طريق الديجيتال يساعد منصات المشاهدة الإلكترونية في عمليات التحليل ودراسة السوق؛ لأنه يمد القائمين على الخدمة ببيانات تفصيلية للمستهلكين؛ أعمارهم، أجناسهم، جنسياتهم، أوقات الفرجة المفضلة، والنوعيات الفيلمية المفضلة… إلخ. هذا لم يكن متاحًا بنفس الدقة مع سوق التذاكر التقليدي. لكن هل البيانات التي تجمعها المنصات مفيدة حقًا؟

ليس إذا لم يكن معبرًا بشكل حقيقي عن الإقبال. فحين تقول أن الفيلم “س” حقق 50 مليون مشاهدة، ما الذي يعنيه هذا الرقم؟ هل هو دليل على حجم الإقبال الحقيقي أم الإقبال بالإتاحة؟ بكلمات أخرى هل شاهد الـ 50 مليون مستخدم الفيلم بإرادة كاملة واختيار حر؟ أم شاهدوه لأنه الفيلم المتاح؟ أو الفيلم الذي يتصدر الصفحة الأولى من المنصة؟ أو الفيلم الذي تخبرهم المنصة بأنه الأكثر رواجًا؟ أو لأن الفيلم الذي كانوا يرغبون في مشاهدته حقًا موجود على منصة أخرى؟ هناك احتمالات عديدة تفسر الرقم.

هذا يصعب عملية دراسة السوق وإجراء التحليلات الدقيقة لرفع وتحسين مستوى الإنتاج، رغم وفرة وتفصيل البيانات تبقى غير معبرة كي تستنتج المنصة أن الفيلم “س” أو “ص” ساهم فعلًا في زيادة عدد الاشتراكات، وهو الهدف الأساسي. غياب الدراسات التحليلية الدقيقة لن يساهم إلا في مزيد من القرارات الإنتاجية الخاطئة، ما يعني مزيدًا من الأعمال السيئة أو المتوسطة.

من نتفليكس إلى أبل وحتى ديزني ..صراع خدمات البث | إنفوجرافيك في دقائق

الفقاعة الثقافية والإعلامية

إن كنا لن نشترك في جميع منصات المشاهدة الإلكترونية كما ترجح الإحصاءات والاستطلاعات، وقبلهم المنطق والحالة الاقتصادية، فهذا يعني أننا أخذنا الخطوات الأولى بالفعل في طريق ثقافة الجزر المنعزلة. لم نعد نشاهد نفس البرامج والأغاني والأفلام والمسلسلات. وعلى أثر ذلك فمفهوم الثقافة نفسه يتبدد.

يمكن فهم هذه المعادلة بشكل أوضح من خلال سلوك الإعلام والصحافة الفنية، فبشكل أو بآخر المنصات هي ظهير ترفيهي لكيانات اقتصادية كبرى تملك ظهيرها الإعلامي بالتوازي. الآن هناك نغمة تتردد في كواليس الإعلام بأن التناول الإعلامي أو النقدي لفيلم تابع لمنصة ما هو بمثابة دعاية تجارية لهذه المنصة وليس للعمل الفني وحده. هذه النغمة لم تتوسع بعد ليلاحظها الجميع، لكنها في الطريق للشيوع. والخطورة هنا أن الأعمال الفنية لم تعد مجرد منتجات ثقافية قائمة بذاتها، بل إعلانًا دعائيًا مفخخًا لجهة ما.

فكّر فيها عزيزي القارئ، أنت تشترك في المنصة الفلانية لمشاهدة المسلسل “س”، يترتب على هذا الاشتراك أن تحصل على باقة متنوعة من مسلسلات وأفلام لم تكن تستهدفها بالأساس. إذًا، فالمسلسل “س” هنا تجاوز وظيفة المنتج الفني، وصار خطافًا دعائيًا لمنصة كاملة. هذا هو أبسط تعريف الدعاية: “اجتذابك لشراء سلعة لم تكن تحتاجها”.

لا أتوقع أن تستمر تلك الحالة طويلًا؛ لأن تطلعات الفرجة مصيرها أن تتجاوز مفهوم المكتبة (الفقاعة)، حتى لو عن طريق القرصنة، ونكون بذلك عدنا للمربع الأول. وإما أن تراجع تلك المنصات أسعارها أو شكل الخدمة، قد يكون الحل حالمًا أكثر من اللازم، لكن لن تستقيم الأمور إلا بأن يعود المستهلك للحالة الطبيعية فيقصد العمل الفني لا للمنصة، حين يرفض مفهوم “الباقة” في سبيل الاختيار الحر.

ريفيو Tenet | رصاصة في اتجاهين بين عقيدة بوند وتعقيد نولان | حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك