التفكر في المعتقد | كلام السيسي منقول من كتب يدرسها الأزهر.. لكن أين الإشكال؟ | هاني عمارة

التفكر في المعتقد | كلام السيسي منقول من كتب يدرسها الأزهر.. لكن أين الإشكال؟ | هاني عمارة

26 Aug 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أثار الرئيس عبدالفتاح السيسي الجدل، مجددًا، في المسألة الدينية بسبب مداخلته الهاتفية لبرنامج “صالة التحرير” مع الإعلامية عزة مصطفى خلال حديثه مع ضيف البرنامج عبدالرحيم كمال، مؤلف مسلسل “القاهرة كابول”، عن مسألة تجديد الخطاب الديني.

تحدث الرئيس عن كون الدين بالوراثة، وعدم استعداد المسلمين لإعادة صياغة فهمهم للمعتقد الديني والبحث عن الحقيقة.

هذا الكلام هو الأقوى والأكثر صراحة في كلام الرئيس المصري في أزمة الخطاب الديني، ولذلك تباينت ردود الأفعال في تفسيره،

وعن ادعاء وجود خلاف بين الرئاسة والمؤسسة الدينية المتمثلة في الأزهر. أيضًا، بالغت بعض الأصوات العلمانية والتنويرية في تحميل الكلام أكثر مما يحتمل، وحشرته في الجدل الوجودي للدين ذاته وعلاقته بالدولة على الطريقة الأوربية الفرنسية.

سياق الكلام عن تجديد الخطاب الديني ينفى هذا التصور، حيث قال الرئيس في الخطاب إنه تكلم في هذه المسألة سابقًا، مشيرًا إلى حديثه الشهير، منذ عدة سنوات، في مناسبة ليلة القدر عن أزمة النصوص الدينية، وعدم تقبل المسلمين لغيرهم من أبناء ديانات أخرى.

وحديث مماثل في إحدى حفلات تكريم أسر الشهداء، عن عدم تصدي مسؤولي الدولة للخطاب المتطرف، متعهدا بتحمله مسألة الخطاب الديني “إلى أن يلقى الله”، على حدِّ وصفه.

لهذا لا يمكن حمل الكلام على أكثر من مسألة أزمة الخطاب الديني السائد مع قضايا الإرهاب والمواطنة والحريات والحقوق، لكن الجديد في كلام الرئيس هو حديثه عن ضرورة البحث في المعتقد الديني وعدم الاكتفاء بكون الدين بالوراثة.

لواء فاطميون| عصا إيران التي أعدتها في أفغانستان .. هل تغض طالبان الطرف عنها؟ | بروفايل في دقائق

السيسي والأزهر

قد يتصور البعض أن هذا الكلام يتصادم مع الأزهر، لكن الحقيقة أن كلام السيسي يتوافق نظريًا مع أصول وأدبيات الأزهر الكلامية الأشعرية والصوفية العرفانية من ناحيتين:

الأولى: قاعدة الشك لطلب الحقيقة

يُعتبر الإمام أبو حامد الغزالي (المتوفي 505 هجري)، من أهم الشخصيات المركزية في التراث الإسلامي، ولقد خاض في أواخر عُمره سياحة روحية، مكث فيها عشر سنوات تنقل فيها بين البلدان، ثم عاد بعدها ليُلخِّص هذه التجربة في كتابه “المنقذ من الضلال”.

قال أبو حامد في مقدمة كتابه “تحرك باطني إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها”، ثم قال بعدها (فأقبلت بجد بليغ، أتأمل المحسوسات والضروريات، وأنظر هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهى بي طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضًا).

قارِن هذا الكلام بكلام السيسي السالف:

“عندك إستعداد تمشي مسيرة بحث في المسار ده حتى تصل للحقيقة؟”

المفارقة هنا أن كتاب “المنقذ من الضلال” من الكتب المركزية في التصوف الأزهري، حققه وشرحه شيخ الأزهر السابق والمعروف بنزعته الصوفية عبدالحليم محمود، والذي أشاد به، وكتب في مُقدِّمته فصلاً بعنوان “الصوفية والشك”، اعتبر فيه الشك أحدى أسس التصوف الرئيسية.

ويعتبر كثير من مثقفي المسلمين كلام الغزالي سبقًا معرفيًّا إسلاميًا لفلسفة الشك عند ديكارت أساس نهضة المعرفة الغربية، ويذهب البعض إلى أن ديكارت اطّلع على كتاب الغزالي، قبل أن يكتب فلسفته (وهي دعوى تحتاج لتحقيق حيادي).

الثانية: إيمان المقلد عند الأشاعرة

كلام السيسي يتوافق من وجه آخر مع نهج الأزهر، في مسألة “ايمان المقلد”؛ بمعني هل الإيمان يجوز بالتقليد (بالوراثة مثلاً)، أم يجب أن يكون عن معرفة ونظر.

يقول جمهور الأشاعرة بوجوب النظر والمعرفة على المكلف، ويُنقل عن بعضهم، لا سيما المتقدمين، القول بعدم صحة إيمان المقلد، ونسبوه لأبي الحسن الأشعري، وبعضهم أنكر نسبته إليه.

جوهر الخلاف في صحة إيمان المقلد الذي يأخد “مسالة الدين تقليدا بلا بحث ولا نظر” انقسم إلى 3 آراء رئيسية، هي:

الأول: عدم صحة إيمان المقلد ونُسب للأشعري –كما ذكرنا سابقًا- وقال به الإمام السنوسي في عقيدته الكبرى.

الثاني: صحة إيمانه مع تأثيمه بترك النظر – إن كان أهلاً له – فهو بمنزلة “المؤمن العاصي”، هو قول جمهور الأشاعرة، كما حققه ابن السبكي في “جمع الجوامع”، وهو مذهب الماتريدية كذلك، كما ذكره الإمام أبو بركات النسفي.

الثالث: صحة إيمانه مطلقًا: ولقد أشار إبراهيم اللقّاني، ناظم جوهرة التوحيدـ وهو من متون العقيدة المعتمدة في للدراسة في الأزهر إلى هذا الخلاف، قائلا “إِذْ كُلُّ مَنْ قَلَّدَ فِـي التَوْحِيـدِ …. إِيمَانُـهُ لَـمْ يَخْـلُ مِـنْ تَـرْدِيـدِ”.

الطريف أن مسالة إيمان المقلد على ما تنطوي به من دعوى للبحث والنظر، يُشنَّع بها على الأشاعرة من قبل السلفية المعاصرة باعتباره تكفيرا للعوام الذين يأخذون الدين بالتقليد.

ما سر انحياز شيخ الأزهر للتجديد الديني الآن؟ وهل ناقض موقفه السابق؟| عبد السميع جميل

محل الإشكال

إذن، إذا كانت دعوة الرئيس تتفق نظريًّا مع مع مقررات الأزهر الاصولية .. فمن أين ياتي الإشكال؟

الذي أراه، أن ذلك حدث بسبب الانفصال الحادث في المنظومة الفقهية بين الأصول والفروع.

فأغلب الأمور محلِّ الإشكال التي يطرحها الرئيس هي في فرعيات الدين من فقه وأحكام، مثل: التكفير، والتشدد، والنظرة السلبية لغير المسلمين، ومُصادَرة الحريات، والإفراط في التحريم، خاصةً في الفنون والإبداع.

وفروع الدين منفصلة عن الأصول عكس ما يتصور البعض؛ فالتدوين بدأ في فروع الدين أولا (مسائل الفقه والاعتقاد)، ونقل أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء،

ثم لاحقا دُوِّنت الأصول (أصول الكلام والفقه)، فتحولت الأصول تابعة للفروع وليس العكس. أصبحث الأصول بدلاُ من أن تكون أداة تقويم ومراجعة للفروع، تحولت لوسيلة استدلال لفروع المذاهب.. فالمستقر هو الفروع، وأقوال الفقهاء والأصول للاستدلال لها ونصرتها.

هذه الإشكالية عبّر عنها بوضوح الأئمة الذين كتبوا مصنفات في  تخريج الفروع على الأصول مثل الامام الزنجاني والإمام الاسنوي

هذا الإشكال نلمسه عندما نتكلم مع الأصولي، فيُحدثك عن الاجتهاد والقياس والمصالح المرسلة، فلا تكاد تشعر معه بخلاف، ثم إذا نزلت للفروع تجد العكس؛ يتسع الخلاف وتتحوّل الاصول لوسيلة تأييد لا تقويم.

تتجلى هذه المفارقة، عبر اتهام بعض المثقفين المعاصرين للغزالي صاحب فلسفة الشك والتعليم الازهري الاشعري بأنه سبب تاخر المسلمين وتشددهم.

وهو ما نلمسه أيضًا في كون الشيخ عبد الحليم محمود الذي احتفى بكتاب الغزالي، هو نفسه الشيخ الذي يعزى عليه بداية تراجع الأزهر عن الفكر التجديدي وتوغل الحركات الإسلامية المتشددة داخله.

أيضًا، نجد لهذا الإشكال مثيلاً لدى الإسلامي المعاصر، الذي يدّعي تقبُّل الديمقراطية والحرية والمساواة، وإذا نزلت للتفاصيل تجد خلافة وحجاب وتمييز ديني لا يجدها تتعارض مع ما ادعى تقبله سابقا. ثم ياتي المنظرون منهم يجمعون بين هذه المتناقضات في شيء واحد اسمه “المشروع الإسلامي”.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك