مع تعثر الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حد كبير، ظهرت تحليلات بين قلة من مراقبي الكرملين مفادها أن أيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة باتت معدودة!
السويدي أندرس أصلوند، المستشار الاقتصادي السابق لحكومات قيرغيزستان وروسيا وأوكرانيا مثلًا كتب أن بوتين لن يستطيع البقاء في السلطة طويلًا أيًا كان ما يفعله؛ باعتبار أن ما يعتقد أنه “صراع حقيق على السلطة بدأ داخل الكرملين”.
آخرون ممن يحبون المجازفة مضوا إلى ما هو أبعد بالقول إن “بوتين يترنح”، خصوصًا مع معارضة نائب رئيس الوزراء الروسي السابق أركادي دفوركوفيتش العلنية للحرب على أوكرانيا، في مقال اختتمه بالقول إن “الحروب لا تقتل فقط أرواحًا لا تقدر بثمن، بل تقتل الآمال والتطلعات”،
بخلاف دعوة الملياردير ميخائيل فريدمان، مؤسس أكبر بنك خاص في البلاد Alfa Bank، إلى إنهاء المأساة، واعتبار قطب المعادن أوليج ديريباسكا، وملياردير مصرفي آخر أن الصراع “غير مقبول ويجب أن يتوقف سريعًا”.
فهل هناك معسكر يتشكل ضد بوتين فعلًا؟
مراقبو الكرملين المخضرمون ليسوا مقتنعين بأن بوتين معرض لخطر مباشر.
هذا الرأي مبني على أن معارضة بوتين الحالية تأتي بشكل أساسي من طبقة “الإكس أوليجاركية”؛ كبار رجال المال في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين، والذين لا يتمتعون بنفوذ سياسي كبير حاليًا.
هل يشكل هؤلاء مصدر قوة؟!
ليس بالحد المتصور.
مصدر القوة الأساسي في روسيا هم مجموعة “سيلوفيكي، وهم كبار رجال السياسة والمال المحيطين ببوتين، والذين أتوا من الأجهزة الأمنية والعسكرية.
هؤلاء يشتركون مع بوتين في هدفه الأساسي، المتمثل في عكس الخسائر الإقليمية التي تكبدتها روسيا عندما تفكك الاتحاد السوفيتي.
تقول تاتيانا ستانوفايا، محللة مستقلة في مركز كارنيجي موسكو، إن هناك شعورا عاما، من الناحية الموضوعية، بحدوث انقسام بالفعل بين النخب: الأوليجاركيون السابقون الذين عملوا مع يلتسين مقابل النخب المحافظة الذين يعملون مع بوتين.
هذه ليست مواجهة أو صراعًا سياسيًا. إنها ببساطة حالة من معسكرين يعرضان وجهات نظر متعارضة حول استكمال الوضع الحالي.. الأول يمتلك الاقتصاد، والثاني يسيطر على السياسة.
هل بدأت الأوليجاركية الروسية الخروج عن خط بوتين؟ وهل هذا مهم؟ | س/ج في دقائق
في هذه المواجهة، يمكن القول إن دفوركوفيتش كان الوحيد من المستوى السياسي الأعلى الذي عارض بوتين في حرب أوكرانيا.. وأتى العقاب فوريًا: صنفه المشرعون الروس كخائن.
ثم، بعد أيام قليلة من مقاله المعارض، استقال دفوركوفيتش من منصبه كرئيس لمؤسسة سكولكوفو، صندوق التكنولوجيا الفائقة المختص ببناء منافس روسي لوادي السيليكون خارج موسكو.
المؤسسة نشرت لاحقًا بيانًا لدفوركوفيتش، أدان فيه العقوبات الغربية على روسيا واستهزأ بالنظام العالمي الذي يساعد النازية، وهيمنة أمة واحدة على العالم، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن دفوركوفيتش، الذي تراجع فورًا، لم تخرج أي شخصية رفيعة المستوى مرتبطة بالكرملين عن الخط.
على العكس، كان ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الذي شغل منصب الرئيس من 2008 إلى 2012، ورئيس وزراء بوتين من 2012 إلى 2020.
قدم ميدفيديف نفسه في أوقات مختلفة على أنه حداثي وتكنوقراط. وربما كان يُنظر إليه على أنه الشخص الذي من المحتمل أن يكون لديه تحفظات بشأن الغزو.
الآن، أصبح، أكثر عدوانية بشكل ملحوظ، وأطلق تهديدات مبطنة ضد بولندا في مقال وصف القادة البولنديين “الحمقى” بأنهم “تابعون” للولايات المتحدة،
ووصف بولندا بأنها “أشد منتقدي روسيا شرًا، وابتذالاً”،
وكرر شكاوى بوتين المتكررة ضد الغرب بسبب ما يراه الزعيم الروسي بمثابة تقليل من قبل السياسيين الغربيين لدور روسيا في هزيمة ألمانيا النازية،
واتهم ميدفيديف وارسو بمحاولة إخراج المحررين السوفييت من التاريخ.
ما سبق ربما يكشف حقيقة الوضع على الأرض.
ننتقل الآن إلى توقعات الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، التي كانت أول من أثار التكهنات حول احتمالات الإطاحة ببوتين نتيجة انقلاب في الكرملين.
قالت إن معلوماتها تفيد بأن مجموعة من المؤثرين المعارضين لفلاديمير بوتين تتشكل بين الأوليجاركية الروسية؛ وأنها تخطط لإزاحة بوتين من السلطة في أسرع وقت ممكن؛ بسبب الخسائر المالية، والعقوبات، وعدم إحراز تقدم على الأرض.
الوكالة كانت دقيقة بدرجة تحديد ألكسندر بورتنيكوف، مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أحد الخمسة الرئيسيين في دائرة بوتين اللصيقة، باعتباره الخليفة المحتمل.
وخلصت الوكالة الأوكرانية إلى أن خروج بوتين قد يجري من خلال التسمم، أو المرض المفاجئ، أو غير ذلك من الحوادث.
لماذا لا يريد الغرب إسقاط بوتين؟ ولماذا لا يريده منتصرًا في حرب أوكرانيا؟ | س/ج في دقائق
معلومة وحيدة لكنها مهمة سقطت هنا: أن بورتنيكوف في ورطة داخل الكرملين؛ لأنه الملام الأول على عدم إحراز تقدم عسكري على الأرض، باعتبار أن خطط المعركة صيغت بناء على معلومات استخباراتية قدمها قبل الحرب.
وبحسب مسؤول أمني غربي: “هذا قد يؤدي بالتأكيد إلى استبعاده كخليفة محتمل لأي من النخبة الذين يريدون حقًا خروج بوتين”.
وأضاف المسؤول الغربي أنه لا يستطيع التوقع بأن أيًا من رجال الأمن المحيطين ببوتين، رجال مثل بورتنيكوف أو نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، الذين عملوا مع بوتين عن كثب لسنوات في المخابرات السوفيتية، قد ينقلبون عليه.
مصادر الاستخبارات الغربية عمومًا متشككة في ادعاء الانقلاب الأوكراني.
أحد المسؤولين الغربيين قال: لقد كان بورتنيكوف من الصقور، وهو رجل مخابرات مخلص، وينتمي لنفس مدرسة بوتين، وقد بدأ باستمتاع بقمع المعارضة، بل إنه برر التطهير العظيم الذي قام به ستالين.
السيناريو الأكثر احتمالًا أن ترويج هذه الرواية سببه الرئيسي إثارة الشكوك داخل المستويات العليا في الكرملين حول الولاء. ثم يبدأ المسلسل.
الخطة ب | أكسيوس: خريطة بوتين لتسريع الانسحاب “منتصرًا” من حرب أوكرانيا | ترجمة في دقائق