فيلم الزوجة الثانية | هل كان إسقاطًا على الفتنة الكبرى في خلافة عثمان؟ | هاني عمارة

فيلم الزوجة الثانية | هل كان إسقاطًا على الفتنة الكبرى في خلافة عثمان؟ | هاني عمارة

2 Oct 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عندما كتب الأديب نجيب محفوظ، رواية أولاد حارتنا، منعها الأزهر لما تضمنته من إسقاط ورمزية دينية للإله والأنبياء.

روايات نجيب محفوظ عمومًا لم تكن تخلو من الرمزيات الدينية أو التاريخية أو حتى المعاصرة. فعلها في رواية الرجل الثاني والتي تحولت لفيلم سينمائي باسم “الشيطان يعظ” عبر فيه عن قصة عصيان آدم وخروجه من الجنة من خلال شخصية شطا الحجري، وكذلك في رواية قلب الليل، وغيرها من الأعمال التي احتوت على رمزيات بصورة متفاوتة في الوضوح.

لكن الإسقاط في أولاد حارتنا كان صريحًا في أسماء الأبطال بشكل ملفت.

الرمزية والإسقاط عمومًا سارا في السينما والأدب المصريين بطريقين:

الأول: أن يأتي برواية تاريخية ليسقطها على الواقع المعاصر، مثل فيلم الناصر صلاح الدين الذي كان إسقاطًا على عصر جمال عبد الناصر وصراعه مع الغرب، أو مسرحية الفتى مهران التي كتبها عبد الرحمن الشرقاوي كنقد مبطن لسياسة عبد الناصر

والثاني: أن يأتي بقصة معاصرة ويحملها رموز دينية تعبر عن رؤيته لقضايا وأحداث دينية، كما فعل نجيب محفوظ في أولاد حارتنا والرجل الثاني مثلًا.

الزوجة الثانية

أحد الأفلام التي اعتمدت على الإسقاطات كان “الزوجة الثانية”، من إنتاج 1967، بطولة سعاد حسني وشكري سرحان وصلاح منصور وسناء جميل، وإخراج صلاح أبو سيف، والمصنف في المركز 12 ضمن أفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين.

قصة الفيلم تبدو نمطية وعظية تقليدية، وتيمة متكررة لعدد من أفلام تلك الفترة. لكن تميزه الحقيقي الذي وضعه في هذه المكانة كان عبقرية مخرجه رائد الواقعية السينمائية صلاح أبو سيف، التي شملت رسم الشخصيات والأماكن، وضبط لهجة الفلاحين، بالإضافة للاختيار الموفق لطاقم التمثيل.

لكن الجدل تركز حول حقيقة رمزية القصة، خصوصًا أن الفيلم أنتج عام 1967، فالبعض رأى الفيلم إسقاطًا على الفترة الملكية الإقطاعية، في حين رأى آخرون أنه حمل نقدًا لعبد الناصر، واعتبر أن سيطرة العمدة على أراضي أهل القرية هو التأميم.

رموز دينية لمؤلف يساري!

لكن مما يلفت النظر في الفيلم اشتماله على قضايا دينية جدلية حساسة، مثل وجوب طاعة ولي الأمر على لسان شيخ القرية، وعدم وقوع طلاق المكره، وارتباطهما بمسألة السلطة، مما يدل على ثقافة كاتب القصة الدينية والتاريخية.

بحثت في سيرة مؤلف الرواية فوجدته الصحفي الأديب والشاعر أحمد رشدي صالح، صاحب كتاب “فنون الأدب الشعبي”. وله كتب اخرى في الفلكور الشعبي، بالإضافة إلى ديوان شعر، وعدد قليل من الكتابة القصصية أشهرها “مجموعة قصصية باسم “الزوجة الثانية”، والتي أخذ منها الفيلم.

ما لفت نظري كانت خلفيته الماركسية. في الأربعينيات، أسس مجلة الفجر الجديد، وكانت تضم عددًا من شبان اليسار الماركسي الذين سيتولون لاحقًا إلى أعلام أدبية في مصر، قبل أن تغلق حكومة إسماعيل صدقي المجلة ضمن توجه مكافحة الشيوعية.

كما تتضح نزعة رشدي صالح اليسارية في قراءة التاريخ في كتبه، بينها كتاب “اللورد كرومر في مصر” ومقدمة كتابه “فنون الأدب الشعبي”.

تيار القراءة اليسارية للتاريخ

القراءة اليسارية للتاريخ كانت سمة لهذا التيار. أثرت بصورة كبيرة على الأعمال الفنية التاريخية لهذه الفترة. وكانت القضية الأكثر جدلًا وإشكالًا في هذه القراءة هي إعادة قراءة التاريخ الإسلامي برؤية يسارية وتفسير ماركسي يقوم على صراع الطبقات.

والحدث المحوري في هذه الرؤية كان الفتنة الكبرى بين الصحابة، وما تلاها، حيث تراها ثورة الفقراء والمحرومين على الأرستقراطية الأموية التي احتكرت السلطة والثروة زمن الخليفة عثمان بن عفان. ثم على هذا المنوال كانت حرب الجمل وصفين، ثم ثورة الحسين ثم باقي الثورات ضد الأمويين.

 ترى تلك الرؤية أن معسكر علي بن أبي طالب هو المعبر عن الفقراء والمهمشين، في مقابل معسكر الجمل وصفين البرجوازي. كما تحتفي بشخصيات مثل أبي ذر الغفاري باعتباره محاميًا للفقراء في مقابل ظلم الحكام الأثرياء.

الأديب عبد الرحمن الشرقاوي، صديق رشدي صالح وسكرتير تحرير مجلته الفجر الجديد، كان الاسم البارز في هذا الاتجاه، من خلال أعماله “محمد رسول الحرية” و”علي إمام المتقين” و”الحسين ثائرًا وشهيدًا” حيث خاض في السبعينيات مع انقلاب السادات على اليسار معركة مع المثقفين والأزهر بخصوص تلك الكتب التي رأوا فيها تبشيرًا بالشيوعية وتزييفًا للتاريخ الإسلامي وتشويهًا لسيرة الصحابة.

وممن كتبوا ردا عليه في هذا الإطار من رجال الدين، شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، والشيخ محمد الغزالي، ومن المثقفين الدكتور مصطفى محمود في كتابه أكذوبة اليسار الإسلامي، والكاتب ثروت أباظة.

 رمزيات الزوجة الثانية

نعود لفيلم الزوجة الثانية. هل كان يحمل شيئا من إسقاطات اليسار الإسلامي؟

لم أجد في ما بحثت ذكرًا لهذا النوع من الإسقاط. لكن ما لفت نظري من هذه الزاوية كان أسماء الأبطال، وتحويرها على طريقة نجيب محفوظ في أولاد حارتنا.

فالعمدة “عتمان” تحوير لاسم الخليفة عثمان بن عفان، وله نفس الوظيفة، حيث السلطة من خلال منصب العمدة، والثورة عليه من خلال أراضي الفلاحين التي اغتصبها.

والزوجان فاطمة وأبو العلا يمثلان فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب، حيث يعبر عن صوت الشعب.

ورغبة العمدة في الزواج من فاطمة من أجل الولد هو الشرعية الدينية؛ حيث أن فاطمة تمثل ميراث النبوة، ومن خلال ذريتها تكون شرعية الحكم.

وإكراهها على الطلاق يمثل ملك الغصب وبيعة الإكراه، وهو دليل دراية الكاتب بالتاريخ الإسلامي، حيث أن طلاق المكره دار حوله جدل تاريخي بسبب إسقاطه على بيعة المكره، وهي المعروفة تاريخيا بمحنة الإمام مالك.

ويتضح هذا في المشهد الذي تسأل فاطمة فيه الشيخ، فيفتيها بأن طلاق المكره باطل، وأن زواجها من عتمان غير صحيح، وأنها لا تزال زوجة أبو العلا. وبموجب هذه الفتوى، تمنع نفسها عن العمدة، في حين يتواصل لقاؤها السري مع زوجها أبو العلا حتى تحمل منه.

وأما الفتنة الكبرى، فقد لاحظت أن الرواية الاصلية تنهي بأن يضرب القرية وباء الكوليرا، فيموت فيها العمدة عتمان وكثير من أهل القرية، بعكس الفيلم الذي اختزل النهاية، حيث يكون الوباء رمز الفتنة الكبرى التي عصفت بالمسلمين وأدت لمقتل الخليفة عثمان.

تنتهي الأحداث بوفاة عتمان، ومعه فشل مخططه لجمع الملك والوراثة الشرعية في شخص وريثه “الطفل الذي تزوج فاطمة لتنجبه”.

بينما تلد فاطمة ابنًا شرعيًا من أبي العلا، وتعيد الأراضي المغتصبة للفلاحين كرمزية لانتقال السلطة لعلي وذريته كوريث شرعي للخلافة، تماشيًا مع رؤية اليسار المتبنية للرواية الشيعية، مع فارق جوهري، هو أن التصور الشيعي مبنى على نص وحق إلهي ثيوقراطي. أما اليسار كفلسفة مادية، فيراها شرعية شعبية ناتجة عن المطالبة بحقوق الفقراء والمحرومين.

وفي هذا الإطار، يكون مفهوم الزوجة الثانية هو الجمع بين الملك والخلافة (الوريث)، حيث يمثل الملك الزوجة الاولى حفيظة صاحبة الأطيان والثروة التي يتزوجها العمدة لضم أملاكها، أما الزوجة الثانية “فاطمة” فكان يريد منها أن تمنحه وريثًا يجمع بين الملك والوراثة الشرعية.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك