أستاذ مشارك في اقتصادات الشرق الأوسط - جامعة هانكوك
يتردد في الإعلام بشكل متزايد فكرة أن سبب الإرهاب والتطرف الأهم هو الفقر والأحوال الاقتصادية الصعبة.
الفكرة لا تقتصر على الطرح الشعبي، بل أقنعت مسؤولين رفيعي المستوى في دول كبرى بالدرجة التي طرحوا معها إمكانية مكافحة الإرهاب والتطرف عن طريق توفير الإعانات الاجتماعية للمحتاجين، ورفع مستوى دخل الأفراد المنهكين اقتصاديًا.
الملفت في هذا الطرح أنه تجاهل حقيقة أن الدول المتقدمة التي تملك برامج دعم ومساعدات اجتماعية كانت من أكثر الدول التي خرج من بينها جهاديون سافروا إلى سوريا والعراق من أجل الانضمام لداعش، الذي نجح بالفعل في ضم مقاتلين أجانب وصل عددهم إلى 40 ألف شخص.
جرب أن ترتب الدول الأكثر تصديرًا لهؤلاء المقاتلين الأجانب كنسبة من عدد المسلمين المقيمين فيها.
ستفاجأ أن الدول ذات الغالبية المسلمة لا تظهر في أعلى القائمة التي تتصدرها الدنمارك! بعدها تأتي دول مثل بلجيكا وألمانيا وفرنسا، في مراكز متقدمة عن السعودية،
تليها هولندا والنرويج والسويد!
كل هذه الدول تملك برامج إعانات اجتماعية ضخمة جدًا. فكيف ظهر فيها التطرف بهذا الشكل الملموس؟ هل هناك علاقة بين برامج التضامن الاجتماعي والتطرف.. خاصة بين الأقليات المسلمة؟
من التحرش إلى قضايا ازدراء الأديان .. التطرف لا يفنى ولا يستحدث من عدم | خالد البري
شغلني السؤال في مناقشة مع صديقي أستاذ الاقتصاد البروفيسور ماركوس ماركتانر، وبحثنا في الموضوع، لنصل إلى النتائج التي نشرتها المجلة الأوروبية للسياسات والأبحاث الجنائية مؤخرًا.
خلال البحث، اكتشفنا أن عددًا لا بأس به من الذين تورطوا في ارتكاب عمليات إرهابية كانوا يعتمدون بالأساس على برامج الإعانات الاجتماعية التي تقدمها دول “دار الكفر” التي يعيشون فيها.
على سبيل المثال، عدد من منفذي هجوم باريس 2015 وعملية بلجيكا 2016 حصلوا على مساعدات اجتماعية من بلجيكا وصلت إلى 50 ألف يورو!
الأخوة تسارنييف الذين دبروا ونفذوا تفجيرات بوسطن 2013 حصلوا على مساعدات حكومية وصلت 100 الف دولار في الفترة ما بين 2002 و2012.
حتى منفذا عملية برلين التي حدثت في ديسمبر 2016 وعملية ويستمنستر في لندن 2017 كانوا يعيشون على الإعانات الاجتماعية الحكومية!
حصول الإرهابيين على الإعانات الاجتماعية الحكومية بهذا الشكل الفج أثار ضجة كبيرة مؤخرًا عندما اكتشفت عدة دول أوروبية أن بعض المقيمين فيها ممن انضموا إلى داعش في سوريا وعاشوا بين صفوف التنظيم لسنوات، كانوا في نفس توقيت وجودهم مع داعش لا يزالون يحصلون على أموال الإعانات الاجتماعية من حكوماتهم!
مثلًا، اكتشفت حكومة الدنمارك أنها صرفت 95 ألف دولار لـ 29 مواطنًا دنماركيًا بينما كانوا يحاربون مع داعش في سوريا. فرنسا اكتشفت أنها دفعت 500,000 يورو لـ 100 مواطن في نفس الظروف.
مع وجود تلك القرائن على العلاقة بين الإعانات الاجتماعية الحكومية والتطرف، لم تظهر أدلة إحصائية وقياسية حقيقية تثبت العلاقة رقميًا.
ما قدمناه في الورقة البحثية هو هذا الدليل الإحصائي الذي يثبت العلاقة رقميا.
جمعنا بيانات عن أعداد المنضمين لداعش، وربطناها ببيانات أخرى لـ 150 دولة مثل حجم الإعانات الاجتماعية الحكومية، وحجم البطالة الخاص بين الشباب المسلمين في كل دولة، و إجمالي الناتج المحلي للفرد، ودرجة الديموقراطية.
بعدها، بنينا نموذجًا إحصائيًا لندرس أي متغير يؤثر على زيادة أعداد المنضمين لداعش.
والنتيجة أننا توصلنا إلى أدلة إحصائية قياسية تثبت أن الدول التي تقدم الإعانات الاجتماعية أكثر تعاني من احتمالات أكبر لانضمام مسلميها إلى داعش. أو بشكل أكثر دقة: لو افترضنا وجود 10 آلاف مقاتل منضم لداعش من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “وكلها دول متقدمة”، نجد أنه إذا زاد الإنفاق على برامج الدعم والمساعدات الاجتماعية الحكومية نقطة مئوية واحدة فقط، يزيد عدد المجاهدين الأجانب المنضمين من بينهم إلى داعش بنسبة 6%؛ أي حوالي 700 مقاتل!
كانت هذه النتيجة الأولى التي تعارض النظرية الرائجة بأن التطرف والإرهاب سببه الفقر والعوز.
بالإضافة، أثبتت الأدلة الإحصائية فروقًا بين نوعية الإعانات الاجتماعية الحكومية المقدمة؛ بمعني أن المساعدات الاجتماعية السلبية “التي تقدم للعاطلين عن العمل” تزيد فرص الانضمام لداعش عن المساعدات الاجتماعية الإيجابية (التي تقدم لأصحاب العمل لدعم تشغيل عمال جدد”.
اندماج الهوية | من الزمالك إلى الإخوان.. لماذا ينضم البشر إلى جماعات الاستضعاف؟ | ترجمة في دقائق
كيف يتطرف الفرد المسلم في البلاد التي يحصل منها على معونات من الدولة؟
الحقيقة أن أغلب الاقتصاديين كانوا يتعاملون مع الإرهاب باعتباره سلعة رديئة. والسلعة الرديئة هي السلعة التي يقلل الناس استهلاكها بمجرد أن تزيد دخولهم.
ومن هنا اعتقد الاقتصاديون وصناع القرار في الدول المتقدمة أن العمل على زيادة دخل المسلمين سيقلل استهلاكهم للإرهاب، وسيقلل ظاهرة التطرف بشكل عام.
لكن الدراسة أكدت أن الارهاب سلعة عادية؛ بمعنى أن زيادة دخل الفرد المسلم قد يعني زيادة استهلاك السلعة. ولذلك تزيد المعونات الاجتماعية الحكومة أعداد المتطرفين الدواعش.