بدأ المشوار حين رفضت "ناسا" استضافة الراغبين في سياحة الفضاء. في الوقت الذي عانت وكالة الفضاء الروسية من ضعف الدعم الحكومي، فقرّرت البحث عن مصادر تمويل جديدة لبرامجها الفضائية.
اختارت فتح أبوابها أمام الأثرياء الذين يتوقون لخوض "مغامرات سياحة الفضاء" وإن كلّفتهم ملايين الدولارات.
معادلة مفيدة للطرفين؛ الملايين تتدفق على الوكالة الروسية، والأثرياء ينالون تجربة فريدة.
السؤال المطروح هنا: طالما أن هذه الرحلات لا تقوم بمهام معقدة أو تستهدف أماكن مجهولة أو بعيدة، فلماذا تتكلف هذه الملايين؟
الإجابة البسيطة، هي أن الصاروخ الذي يحمل المركبة يجب أن يحرق الكثير من الوقود المكلف جدًا، حتى ينطلق بسرعة عالية بما يكفي ليدخل إلى مدار الأرض.
التكاليف الكبيرة لعملية الإطلاق أدت إلى احتكار وكالات الفضاء الحكومية (التابعة للدول) لعمليات استكشاف الفضاء.
لكن الأمر تغيّر في أوائل الألفية، مع زيادة اهتمام عددٍ من كبار رجال الأعمال بالاستثمار في الفضاء، وتمويل عمليات البحث عن "وسائل إطلاق" أرخص، مثل: عمليات الإطلاق شبه المدارية، والصواريخ التي يمكن إعادة استخدامها أكثر من مرة.
بداية رحلة سياحة الفضاء كانت عند الملياردير إيلون ماسك الذي يمتلك شركة السيارات الكهربائية تسلا.
يخشى إيلون ماسك من تعرّض الأرض لكارثة تجعله كوكبًا غير صالح للحياة. ويعتبر أن البشر لم يُحرزوا أي تقدمٍ في البحث عن موطنٍ آخر بين الكواكب المجاورة.
في 2002م، أسّس إيلون شركة "SpaceX"، بهدف تطوير تقنية إطلاق الصواريخ التي يمكن إعادة استخدامها، ما يُقلل تكلفة الصعود للفضاء.
حققت SpaceX نجاحًا مبهرًا مع صاروخ Falcon 9، وهو أول صاروخ قابل لإعادة الاستخدام، بالإضافة إلى مركبة Dragon الفضائية التي أصبحت أول مركبة فضائية تابعة لشركة خاصة تحمل الرواد إلى محطة الفضاء الدولية.
الهدف الرئيسي للشركة نقل البشر للمريخ، لكن كافة جهودها تصبُّ في صالح تسهيل مبدأ "سياحة الفضاء" وهو خيار قد تلجأ إليه الشركة مستقبلًا لتوفير مصدر أموالٍ يُعينها على تحقيق هدفها الأسمى بالصعود إلى المريخ.
أما ريتشارد برانسون فهو ملياردير بريطاني عاشق للمغامرات، يؤمن بضرورة فتح أبواب الفضاء للسياح.
في 2004، أسّس شركته Virgin Galactic، التي وضعت خططًا لتصميم وإطلاق سفن فضاء يمكنها أن تحمل ما يصل إلى ستة ركاب في رحلة شبه مدارية.
توقّع برانسون، أن تبدأ شركته في تقديم خدماتها بـ2009، إلا أن الأمر لم يكن بهذه السهولة.
واجهت الشركة العديد من الصعوبات الفنية، منها تحطم مركبة ووفاة قائدها خلال إحدى التجارب.
بعد الحادث، وجد المهندسون مشاكل ضخمة في تصميم المركبة، تحتاج إلى تعديلات كثيرة لعلاجها.
في النهاية، وبعد تجاوز العديد من العقبات قاد ريتشارد برانسون الرحلة التجريبية الأولى إلى الفضاء، لتصل مركبته V. S. S. Unity إلى أكثر من 85 كيلومترًا في السماء.
وعندما أكملت المركبة رحلة صعودها ولمدة دقائق شعر الجالسون بداخلها بحالة انعدام الوزن التي يشعر بها رواد الفضاء، وألقوا نظرة على كوكبنا من هناك.
بعدها، أعادت المركبة تدوير ذراعيها، وبدأت في رحلة العودة إلى الأرض، محققةً أول رحلة شبه مدارية تجريبية على حدود الفضاء خارج الكوكب.
على نفس الطريق تقريبًا، يسير الملياردير جيف بيزوس صاحب إمبراطورية أمازون للتجارة الإلكترونية، الذي أسّس شركته الخاصة Blue Origin في 2004، والتي عملت، أيضًا، في تطوير الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام.
ووفقًا للمخطط، فإن صاروخها New Shepard سيوفر للسياح رحلة شبه مدارية إلى حدود الفضاء، بالضبط مثل رحلات شركة Virgin Galactic.
وبعد استيفاء العديد من التجارب، يخوض جيف بيزوس أخيرًا أولى الرحلات التجريبية الفضائية لشركته.
تخيل أنك في ملعب كرة قدم واسع، وتسدد الكرة لأعلى بقوة.
كلما ارتفعت الكرة، فإن سرعتها تقل، وفي النهاية ستصل الكرة إلى أقصى ارتفاع لها، ثم تتوقف وتسقط عائدة للأرض مُجددًا.
الآن، تخيل أنه يمكنك تسديد الكرة بسرعة كافية للوصول إلى ارتفاع 80 كم (حدود الفضاء بتعريف ناسا). في هذا الارتفاع، يُمكننا القول إن الكرة وصلت إلى الفضاء.
المختلف أن الكرة على هذا الارتفاع لن تسقط مُجددًا وتعود إلى الأرض، وإنما ستخضع لقوانين أخرى فور دخولها مدار الأرض، وستُرغم على الدوران حولها مثل الصخور الفضائية الصغيرة والقمر والأقمار الصناعية.
وصف الرحلة بـ"شبه المدارية" لا يعني أنك لن تصل إلى حدود الفضاء. لكنه يتعلّق بالمسار الذي تتخذه المركبة الفضائية.
فلكي نطلق على جسم أنه في مدار الأرض، يجب أن يدور حول الكوكب باستمرار، ويتحرك بسرعة كافية بحيث يستمر في الدوران إلى الأبد، وهي ما تُعرف بالسرعة المدارية.
هذه الرحلات لا تستهدف السرعة المدارية، كيلا تدور مركباتها للأبد حول الأرض، وإنما تتعمّد الانطلاق بسرعة أقل قليلًا، كي تحظى بتجربة فضائية لا تسجنها في فخِّ "الدوران الأبَدي".
وبناءً على هذا، تنطلق المركبة الفضائية في مسار على شكل قوس ضخم، تقترب فيه من مدار الأرض إلى أقرب ما يُمكن، دون أن تدخله، ثم تعود مُجددًا إلى الأرض، وهي ما يُمكننا تسميته "رحلة شبه مدارية".
لنقرّب المفهوم إلى الذهن أكثر، لنفترض أننا أطلقنا صاروخًا من الأرض، يحمل مركبة فضائية، إذا وصلت تلك المركبة إلى سرعة مدارية تساوي 17,500 ميل في الساعة (28 ألف كم تقريبًا) أو أكثر، فإنها لن تسقط مُجددًا. لكنها ستستمر في الدوران حول الأرض، بسبب قوة ما تملكه من سرعة مدارية، وهي السرعة المطلوبة ليستمر الجسم في الدوران حول جرم سماوي في هذه الحالة هو كوكب الأرض.
هذا الدوران المستمر هو ما نسمعه في الميديا حين نعرف أن مركبة الفضاء تسير في "المدار الأرضي"، وهذا ما يُبقي الأقمار الاصطناعية والقمر في مدار ثابت ودائم حول الأرض.
أما حين نُطلق الصاروخ بقوة أقل من السُرعة المطلوبة، فإنه سيُلامس حدود الفضاء لفترة وجيزة ثم يعود مُجددًا.
هذا هو المبدأ الذي تعتمد عليه الشركات الفضائية في إطلاق رحلات سياحة الفضاء "شبه المدارية"، بتكلفة أقل بكثير من رحلات الإطلاق التقليدية التي توفرها وكالة الفضاء الروسية، وتشمل إقامة في محطة الفضاء الدولية.
وقد يتراوح سعر الرحلات شبه المدارية بين 200 - 250 ألف دولار؛ أقل بـ 100 مرة عمّا دفعه دينيس تيتو للتجول في الفضاء عام 2001، ما يفتح الباب مستقبلًا لمزيد من التخفيض لتكلفة "سياحة الفضاء.
ومن يدري، ربما يأتي يومٌ يكون فيه السفر إلى الفضاء أرخص من ارتياد المصيف.
أول سائح فضاء: كيف اشترى مليونير أمريكي تذكرة إلى مدار الأرض؟ (سبيس)
الموقع الرسمي لشركة “فيرجن جالاكتيك”
حادث تحطم قاتل يقودي بحاية طيار مركبة فضائية (سبيس)
كيف تتنافس الشركات في سوق السياحة الفضائية المتنامي؟ (سي إن بي سي)
جيف بيزوس يطير إلى الفضاء. إليك كل ما تحتاج إلى معرفته عن هذه الرحلة (بي بي سي)