دولة موازية لصناعة الإرهاب: يد تحاربه.. ويد تبقيه على قيد الحياة| عمرو عبد الرزاق

دولة موازية لصناعة الإرهاب: يد تحاربه.. ويد تبقيه على قيد الحياة| عمرو عبد الرزاق

25 Apr 2021
عمرو عبد الرازق
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

«نحن على الحق المبين» – الفريق أول عبد الفتاح السيسي – القائد العام للقوات المسلحة المسلحة المصرية – 26 ديسمبر 2013

خطاب السيسي بلهجته الحاسمة في ذلك التوقيت، لم يكن خطابا سياسيًا من قائد الجيش؛ فمفاهيم الحق والباطل لا مكان لهما تحت المظلة السياسية. لكنهما معبران عن موقف خطير.

فحينما يصل حال وطن ما، إلى درجة أن يصرح قائد جيشه بهذا التصريح، فهناك على الجانب الآخر عدو خطير يجابه الشعب وجيشه بقوة هائلة، تدعو القائد العام إلى تذكير قواته وشعبه بموقعهم وقضيتهم وتحفيزهم من أجل الثبات والمقاومة.

فإذا لم يكن هذا العدو خارجيًا، فثمة وقفة للتدبر. فهنالك من يستوطن الأرض ويحمل جنسية ذات الوطن، ويحمل له كراهية العدو!

صناعة المسار الموازي

هل كان الإرهاب المسلح هو المقصود بهذا التصريح؟!

كان للإرهاب المسلح بالطبع حضور بارز ومؤثر في الأحداث حينها، كعمل يحمل طبيعة عسكرية في سيناء والمحافظات، وفعل يحمل الصدمة للجميع!

لكن ظهور مجموعات مسلحة ليس بكافٍ على الإطلاق لتشكيك جماهير الشعب في ذاتهم، وفي جيشهم وقادته، أو لتحييدهم أثناء قتال عدائي.

الوصول لهذه المرحلة استغرق زمنًا طويلًا. ولم يكن ليتم هكذا، لولا أن هناك صناعة ممنهجة للمسار الموازي.. مسار يمكن بسهولة أن يجعل المواطن يتذبذب بين طريقين، أحدهما تحدده الدولة وأولوياتها، والآخر تقدمه الدولة المنتظرة ودعاتها.

يمكن للمواطن أن ينتقد أية أيدلوجية سياسية بسهولة، خاصة إذا ما رأى فيها توجيهًا بالتخريب أو الخروج على الدولة أو تهديد الأمن. لكنه يفكر كثيرًا إذا ما كانت نفس الدعوة قادمة من مصدر ديني دعوي، هنا ينتابه الشك: ماذا لو كانوا على حق؟! فهم على دراية عميقة بالدين!

فتصديه لهم هنا، مرهون بارتيابه هو ذاته في عقيدته، لصالح شخوص بارزة يتناول منهم عقيدته يوميًا!

لم يكن الأمر أكثر من وجود قرارات للدولة، يعقبها انتظار تأشيرة دعوية بإباحتها أو التشكيك في نوايا صدورها. وغالبًا فإن ما يحدث هو التمرير بصيغة القبول على مضض، حيث عبارة “يجوز كذا” تحمل تأشيرة السماح بالفعل من السلطة الدينية الموازية، ليمكن للمواطن أن يتنفس الصعداء بعد الإذن والتصديق على قرار دولته!

تحت سمع الدولة وبصرها

جرى هذا تحت سمع وبصر الدولة لعقود، تشكيك فى الاقتصاد وشرعيته باتهام البنوك بالربا، تشكيك فى القوات المسلحة باعتبارها جندا تقاتل لغير الله، وعملا خارج الجهاد الشرعي المأمول، تشكيك فى القوانين والمحاكم باعتبارها تحكم بغير ما أنزل الله، تشكيك فى الدستور وشرعيته باعتبار لا دستور بغير القرآن!

طال الأمر كل أركان الدولة.. فماذا تبقى للمواطن؟!

أفرز الأمر ظاهرتين، المواطن المتشكك المتردد، وهو المعني بالعبارة بمفتتح المقال، والثاني الداعية المتغول، صاحب أكبر ظاهرة صوتية معاصرة.

المواطن اعتاد على أن من يقرر له ما يحقق طمأنته هم أفراد دعوة، والداعية انتظر المواطن أن يحمله إلى قمة ما منتظرة.

لا يمكن للأمور أن تستمر هكذا، وكان على الجميع انتظار وتنسيق لحظة الصدام؛ لأن التعايش في ظل التشكيك السابق لا يمكن أن يكون أبديًا!

والنهاية الطبيعية لهذا التحفز هو الصدام المسلح. الذي طلب وزير الدفاع حينها تفويضا لمواجهته فى 24 يوليو 2013.

لم ينقطع التشكيك هذا حتى تاريخه

الحق أن المنحى الديني منذ تشرسه، يقوم على تخريب السائد ببطء، والتشكيك في شرعية كل ما هو قائم، أيًا كان قدر هذا التشكيك، فسيؤتي ثماره يوما. ولم يهتم هذا المنحى على الإطلاق بأي جانب روحي يفيد الإنسان.. الشواهد تدل على زيادة الانحدار المجتمعي كلما توحشت الدعوة!

هرب كثير من القائمين بهذا الدور خارج البلاد، بعد يونيو 2013، لكن الفكرة بقيت قائمة، وبقى لها من يستكمل مسيرتها بالداخل.

لا بد أن يكون هناك من الأشخاص من تلجأ له الناس، ليفتيهم ويوجههم نحو قبول أمر ما أو رفضه والتذمر ضده.

ففكرة التشكيك لن تهدأ ولن تنتهي طالما ظل هناك حلم بالمجتمع المنشود البديل، ولن تنتهي إلا بدحر أصحابها بغير رجعة، ربما تتغير الأقنعة أو درجات التطرف، لكن المحاولات تبقى.

إعادة إحياء الخطاب المهزوم

وجوه غربت، ووجوه تصعد تحت غطاء شفاف من تأييد للدولة صدقًا أو تقية.

يظهر على فيسبوك الشاب الأزهري. يعمل دون كلل وبعقيدة راسخة على استمرارية نفس الدور، الذي قام به أسلافه وقد انطفأت جذوتهم.. ويتبع أسلوبًا يبدو وكأنه يناضل بتلميح دون تصريح أحيانًا، وبتصريح فيما يمكن مروره أحيانًا أخرى.

كلما طال بقاؤه دون مواجهة، كلما اكتسب مساحة جديدة، وزاد حوله المتشككون!

ليس من الحكمة تربية ضبع جديد، ثم محاربته حين توحشه.. هكذا تخبرنا تجاربنا السابقة!

فالدولة قد تتخذ قرارًا فى أمر، وسرعان ما تجده يكتب ملمحًا بمخالفة شرعية ما، كما حدث بعد قرار الدولة بتشديد عقوبات ختان الإناث مقترنا بعلة الضرر، تجده يكتب مسرعًا ومستهجناً، بأن للصيام أضرارا أثبتها العلم، فهل نحرمه أيضا؟!

تجابه الدولة التدخل التركي المعاصر بالأثر العثماني في شؤونها، فتجده يعظم ما يسميه سادته العثمانيين.

تقوم الدولة فى خطابها الرسمي بالتأكيد على المساواة بين المواطنين، فتجد منه إصرارًا على استخدام لغة الآخر الكافر، واستخدامها كواجهة تعامل وتمييز!

تحتفي مصر بموكب المومياوات الملكية، فتجده تعقيبه الفوري على الحدث، رفع سيف الهوية الدينية الإسلامية للمجتمع، ورفضا مبطنا للحفل وأثره.

تجد استهدافا إرهابيًا بالقتل لمواطن بشمال سيناء يدين بالمسيحية، فيصدر تعليقه الفوري بصيغة تعال مليئة بالصفاقة “بلغنا أن حدث كذا لخادم نصراني” ثم ينتقل بمنشوره لترويج صيغة عزاء جافة باردة تلائم ديانة المقتول، يمن على أهله بعبارات منفرة، وبإِشارات يلتقطها متابعوه الذين سرعان ما يتبادلون نقاشات، تدور حول مصطلحات الذميين والمستأمنين والنصارى، وجواز الترحم عليهم من عدمه..

وهو الهدف المنشود بهذا البوست..

رغم أنه سبق واستجلب الرحمات إلى روح زعيم جماعة إرهابية مات بمحبسه..

هذا غيض من فيض خطاب ديني داخلي مبتذل، دافع إلى الوضاعة، يُقدم بأمان في ظل حرب تدور ضد الإرهاب الديني..

الحقيقة أن ما أوصل الرئيس السيسي لصك عبارته التاريخية الفاصلة حينها، لا زال مستمرًا، وإن هدأت وتيرة المعركة نسبيًا، وقد هرب السفهاء ولكنهم دفنوا خطيئتهم بيننا.

«الخطاب الديني في العالم الإسلامي بالكامل أفقد الإسلام إنسانيته» – المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسى 5 مايو 2014


للمزيد من مقالات عمرو عبد الرازق:


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك