الخوف أداة يمكن توظيفها

العبارة السابقة يرددها باتمان في فيلمه الجديد The Batman واعلاناته، وإلى حد كبير تلخص منهج مؤلفه ومخرجه مات ريفز، في التمايز عن أفلام باتمان السابقة.

هذا فيلم يميل إلى مدرسة النوار أسلوبيًا، ويضفي رهبة على الشخصية والأجواء، ويلامس الخوف والشد العصبي بالأساس في المتفرج. والنجاح في ذلك على مدار 3 ساعات كاملة، أمر صعب يستحق وحده الإشادة.

الفيلم نوار | 6 أفلام تدخل بك إلى عالم سينما الجنس والجريمة والظلام | أمجد جمال

لكن يبقى السؤال: هل يكفي هذا؟

إعلان The Batman

منذ ظهور أول اعلانات الفيلم، خمن كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور، أن باتمان هذه المرة سيلامس دراميًا وبصريًا أفلام المخرج ديفيد فينشر.

تحقق هذا بالفعل. الطابع البصري هنا أقرب لأفلام Se7en – The Game – Zodiac بطابعها الكابوسي، منه إلى أفلام باتمان السابقة، بنزعتها السيريالية والقوطية في أفلام المخرج تيم بيرتون مطلع التسعينيات، أو بنزعتها الواقعية في ثلاثية كريستوفر نولان.

وشرير الفيلم الرئيسي (ريدلر)، مصاغ دراميًا هذه المرة، ليصبح أقرب للقاتل الشهير زودياك الذي أرعب المجتمع الأمريكي على مدار عقدين، وكان محورًا لفيلم من أفلام فينشر وهو Zodiac.

اختار ريفز أيضًا واحدة من أقوى صفات وقدرات باتمان التي لم تتناولها السينما بشكل كاف بعد، وهي قدراته كمحقق فذ واستثنائي.

سبايدرمان في عوالم سينمائية موازية | دي كابريو و3 أفلام أخرى رفضتها هوليوود | حاتم منصور

تركيبة ممتازة نظريًا كاختيارات، لكن التنفيذ جاء أقل من المنتظر.

طوال الأحداث وحتى النهاية، لا يبدو باتمان محققًا بارعًا أو فذًا للدرجة، وأغلب الوقت يلتقط فقط طرف خيط واضح يكشفه أحدهم.

والطابع البصري الكابوسي المتوارث من أفلام فينشر وغيرها، تحول هنا بعدسات مدير التصوير جريج فريزر، الخارج للتو من تجربة مثيرة للاهتمام في فيلم Dune قد تكفل له بالفوز بالأوسكار، لظلام مبالغ فيه هذه المرة، يعوق المتفرج في كثير من الوقت، عن متابعة التفاصيل.

فقط عندما يفلت الفيلم من هذه المشكلة، يصبح في أفضل حالاته بصريًا، وتظهر مقاطع راقت جدًا للجمهور، مثل مطاردة السيارات.

Dune | صحراء “فرانك هربرت” تواصل افتراس أباطرة هوليوود | حاتم منصور

يمكن القول، إن إصرار ريفز على تمايز The Batman أسلوبيًا في كل عنصر بشكل واضح، انتهى بإفراط وتخمة ونهج مصطنع، خسر بفضله الفيلم الكثير والكثير، رغم مزاياه العديدة.

هذه التخمة تظهر في أعلى حالاتها، في ديكورات منزل بروس وين ومخبأ باتمان. في كل لقطة لا يوجد مللي واحد تقريبًا دون تفصيلة ما، وفي كل مرة لا يضيف المشهد ككل شيئًا مهمًا للقصة.

منزل بروس وين

على ذكر المزايا، أخص بالذكر موسيقى مايكل جاكينو، التي حققت المطلوب وأكثر، وشحنت الفيلم في عشرات المقاطع، بمزيد من الرهبة والغموض والطابع الكابوسي الموتر.

إينيو موريكوني.. بتهوفن السينما أم موسيقار الفرص الضائعة؟ | حاتم منصور

أما على صعيد التمثيل، فقد نجح روبرت باتينسون أكثر في المشاهد التي يظهر فيها بالقناع كباتمان، مقارنة بمشاهد بروس وين التي يظهر فيها بوجهه كاملًا.

معادلة غريبة للغاية، أن تنجح أكثر كممثل بمساحات تعبير أقل!

لكن نظرًا لأن مساحة باتمان أكبر زمنيًا بكثير هذه المرة، حتى في مشاهد الدراما، يمكن تفهم فوائد اختيار باتينسون.

روبرت باتينسون

على صعيد آخر، يظهر بروس وين أغلب الوقت حائرًا، وهي جزئية مفهومة لفيلم تدور أحداثه في مراحل بدايات باتمان، وعدم ثقته في نفسه، وتمتد أيضًا لمشاهد حركة نرى فيها مثلًا باتمان مترددًا في قفزة.

لكن تكرار باتينسون لهذه التعبيرات الباهتة وردود الأفعال، في مشاهد بروس وين، دون تطور درامي أو داعٍ، انتهى بشخصية مملة أكثر منها مثيرة للفضول.

أسوأ 10 أدوار في أفلام الأبطال الخارقين | حاتم منصور

أهم مزايا باتينسون كممثل، أن حضوره على الشاشة يترك دومًا انطباعًا غير مريح، ولهذا ربما ينجح أكثر مع شخصيات وعوالم مؤلفين ومخرجين مثل ديفيد كروننبرج (مخرج مشهور بأفلام الرعب والغرائب والتعقيد النفسي).

عدم التوفيق امتد أيضًا لأداء الممثلة زوي كرافيتز، التي تلعب دور المرأة القطة.

زوي كرافيتز

يمنحها السيناريو فرصًا عديدة ممتازة دراميًا، ومساحة لتطور الشخصية، لكنها لا تنتهزها كممثلة، ويظهر ضعفها بشكل أوضح، لأنها تقف في أغلب هذه المشاهد أمام ممثلين أفضل من نوعية جون تورتورو.

الأشرار أفضل حالًا هنا كعادة أفلام باتمان.

ديدبول ينعي نفسه ويصلح هوليوود في Deadpool 2

كولين فاريل يظهر تحت ماكياج مكثف يغير ملامحه بالكامل، لكنه يمنح لشخصية البطريق رونقًا عبثيا مميزًا، ويتألق في مشهد يقتبس فيه الكثير من روبرت دي نيرو، وطريقته المميزة في الحديث في أفلام المافيا.

وبول دانو أفضل وأفضل في دور ريدلر. في النصف الأول من الفيلم يكفي صوته لتحقيق الرهبة المطلوبة، وفي النصف الثاني يتضاعف تأثيره المرعب، عندما يتداخل في الأحداث بشكل أوضح.

كولين فاريل كما يظهر تحت الماكياج

نجاح دانو في دور ريدلر يذكرنا أن عالم باتمان، يحتاج لأشرار وممثلين من هذا النوع، مقارنة بوحوش الجرافيك وأجواء الهراء الباهت، التي قدمها المخرج زاك سنايدر في آخر أفلام ظهر فيها باتمان.

قد يكون ريدلر هنا، هو أفضل شرير سينمائي واجهه باتمان منذ جوكر هيث ليدجر في The Dark Knight.

ريدلر

على ذكر الجوكر، الخصم اللدود لباتمان، يمكن القول أن The Batman تضرر بشدة، من عرضه بعد فيلم الجوكر الأخير (2019) الذي أخرجه تود فيليبس وقام ببطولته واكين فينكس.

كلاهما فيلم يسحب بطله من عالم الكومكس والخيال إلى عالم الواقع، ويلامس أسلوبيًا مدارس سينمائية وكلاسيكيات لمخرجين كبار.

واكين فينيكس يقطع تذكرة الأوسكار الثانية للجوكر | حاتم منصور

لكن الجوكر فاز بقصة أكثر ترابطا، وبأداء فذ من واكين فينكس ضمن الأفضل تمثيليًا هذا القرن، ولم يسقط مخرجه في فخ التصنع والإفراط، لتأكيد نزعة الفيلم أسلوبيًا.

هذه واحدة من أكبر مشكلات باتمان سينمائيًا اليوم؛ لعنة المقارنات الإجبارية، التي لا تواجهها شخصيات من نوعية ثور وهالك.

رصيد باتمان السينمائي وخصومه، يتضمن روائع، بفضل مبدعين مثل تيم بيرتون وكريستوفر نولان وتود فيليبس وهيث ليدجر وواكين فينكس، ومع كل فيلم جديد تصبح المقارنة إجبارية.

فيلم The Batman جيد جدًا بمعايير أفلام شخصيات الكومكس، وأفضل بمراحل من أغلب أفلام مارفل.

ستان لي وأفنجرز.. رحلة التحديات من الورق إلى السينما |حاتم منصور

لكن في الوقت الذي يمكن فيه لمارفل، أن تمطر دون مشاكل أفلاما متوسطة أو رديئة من نوعية Shang Chi – Eternals بسبب غياب المرجعيات والمقارنات، يصعب على الجمهور قبول فيلم جيد لباتمان، بعد أن تذوق الجيد جدًا والممتاز في عالم جوثام.

هل يمكن لصناع فيلم The Batman تقديم ما هو أفضل في المحاولة التالية؟ الزمن وحده سيخبرنا.

باختصار:

عناصر عديدة عظيمة هنا، على رأسها الرهبة المتواصلة والفعالة على مدار 3 ساعات، والأداء الجيد جدًا لأغلب الأشرار ومنهم بول دانو. لكن تظل المقارنات الإجبارية مع الأعمال السابقة هي الشرير والخصم الأكبر لباتمان. تجاهلها – إن استطعت – وستستمتع.