الفيلم نوار | 6 أفلام تدخل بك إلى عالم سينما الجنس والجريمة والظلام | أمجد جمال

الفيلم نوار | 6 أفلام تدخل بك إلى عالم سينما الجنس والجريمة والظلام | أمجد جمال

23 Jun 2021

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

العالم فقد صوابه، القانون بات قابلًا للتلاعب لتحقيق القوة والثروة، الشوارع مظلمة بفعل شيء أكبر من الليل

هكذا وصف الكاتب رايموند تشاندلر نوعية الفيلم الأسود “الفيلم نوار – Film Noir”: المصطلح أطلقه نقاد فرنسيون لوصف نوعية مميزة من أفلام الجريمة ازدهرت في هوليوود الأربعينيات حتى منتصف الخمسينيات، بالصورة الأبيض والأسود، وبدرجة تمايز واضحة بين اللونين متوافقة مع صراع الخير والشر.

الفكرة المنتشرة عن الفيلم نوار تظهر من اسمها: أفلام مظلمة، تستخدم الإضاءة بطرق مبتكرة في تطويع الظلال والخيال والمرايا، وتدور في شقق صغيرة، دهاليز وأسطح وشرفات المباني، حواري وشوارع صامتة، خاوية، مبللة بالأمطار.

الفيلم نوار: جونرا أم أسلوب؟

هناك خلاف.

الأقرب أن الفيلم نوار حالة سينمائية تاريخية، ترتكز على مفهوم الخطيئة والذنب داخل المدينة الحديثة، وتتراوح شخصياتها بين فاتنات لعوبات، ورجال سلموا أنفسهم للطمع والشهوة أو دخلوا في مقامرة مع القدر.

تأثر الفيلم نوار بالحالة السياسية والنفسية حينها: توابع فترة الكساد الكبير – صدمة الحرب – الإحباط العام من مستقبل الفرد والجماعة.

استعار روايات الجريمة الرخيصة المنشورة في الثلاثينيات. لكنه استمد شكله النهائي بدمج القصص مع تقنيات الصورة في سينما العشرينيات التعبيرية الألمانية، خاصة وأن معظم مخرجي الفيلم نوار ليسوا أمريكيين، بل ألمان غزوا هوليوود هربًا من الحرب، فجلبوا الفيلم التعبيري، بعدما أضافوا له موسيقى الجاز وعقدة الذنب، وفق روجر إيبرت.

1- Detour .. سقوط الحلم الأمريكي

Detour (إنتاج 1945) ليس الأول زمنيًا. لكنه التقط خلاصة روح الفيلم نوار. وأثبت أنه ليس مجرد أسلوب شكلي في التصوير، بل فلسفة لليأس والفناء المُحتم.

detour |1945| #gif #tom neal #movie #night #rain #car #1940s #1945 | Black and white film, Noir, Black and white

عازف بيانو فقير تهجره حبيبته إلى هوليوود لتحقق المجد. يرحل خلفها، فيتعرف على رجل غامض وامرأة جميلة وداهية، فيتورط في جريمتي قتل بالخطأ.

البطل يحكي من وجهة نظره بأسلوب الراوي، وهي من سمات الفيلم نوار الشهيرة.

وبجانب تصنيف الفيلم نوار.. يجوز تصنيف Detour كفيلم طريق؛ معظم أحداثه تدور في سيارة على الطرق السريعة، حيث يتنقل الأبطال بين الولايات والمدن إلى لوس أنجلوس حيث المجد والثروة والحلم الأمريكي الذي ينتهي بنهاية مفجعة، وينقلب لكابوس، فيطرح الأسئلة حول الصدام الدائم بين خطط الإنسان والقدر.

Road Rage: Ann Savage in Edgar Ulmer's Detour (1945) | Nitrate Diva

مخرجه إدجار أولمر ألماني عمل في السينما الألمانية لفترة، ثم هرب من هتلر إلى هوليوود، وهي حجة أخرى عن علاقة التعبيرية الألمانية بالفيلم نوار.

2-Double Indemnity .. مولد الأنثى الخطر

يبدأ Double Indimnity (إنتاج 1945) من لقطة النهاية: البطل على وشك الموت، ويسترجع القصة من بدايتها بأسلوب الراوي.

The Old Video Rental Shop & Other Curiosities - Tumblr Blog Gallery

موظف في شركة تأمين، أقنعته سيدة بقتل زوجها الثري ليفوزا بمبلغ التأمين. لكن المال وحده لم يكن الدافع، بل الجنس كعادة الفيلم نوار.

باربرا ستانويك تقدم أشهر نموذج لشخصية “الأنثى الخطر” (Femme Fatale) وهي من بصمات الفيلم نوار الثابتة: فاتنة، بالغة الشراسة، حادة الذكاء، قوية وغير اعتمادية، سحرها وإغواؤها يدفعان الرجال لأعظم الحماقات.

يُعرّفها الكاتب جاك ناشبار بطريقته: “إذا تحطم الرجال في الفيلم النوار بسبب القدر، فامرأة النوار مبعوث هذا القدر.”

يعبر مخرج الفيلم “بيلي وايلدر” بصريًا عن السطوة الجنسية في أول لقاء بين البطل والبطلة داخل قصرها الفخم: تظهر من الطابق الأعلى بجسد عارٍ إلا من منشفة، بينما ينظر لها من الأسفل بنظرة الخاضع.

نموذج النساء هذا عُرف في القصة والأدب قديمًا، لكنه ازدهر في هوليوود الأربعينيات لأسباب متعلقة بذهاب الرجال إلى الحرب، لتحتاج نساؤهم للتحرر بدافع اقتصادي، فتتركن البيوت لسوق العمل، وتتعلمن الاعتماد على النفس، وربما لم تنتظرن عودة أزواجهن، فتدخلن في علاقات جنسية. ليظهر القلق الذكوري من عقدة تنامي قوة المرأة، التي تجلت في الفيلم نوار تحديدًا.

3-Gun Crazy .. صعود أفلام الفئة (ب)

ظهرت أفلام الفئة (ب) كأفلام تجارية قليلة التكلفة تصاحب الأفلام الكبيرة في برامج دور العرض. صناعها كانوا يستغلون أقل الإمكانيات للخروج بفيلم صلب فنيًا وجاذب جماهيريًا، بما يؤهلهم لإخراج أفلام أكبر بعد كسب ثقة الستوديوهات.

الاتجاه شجع المخرجين على التفنن في تقنيات التصوير والإضاءة والمونتاج، فخرجوا بأفلام بارعة أسلوبيًا من نوعيات الفيلم نوار والرعب والويسترن.

بعضها كان بالغ التأثير في الأجيال التالية من السينمائيين، وخاصة هذا الفيلم نوار Gun Crazy (1950)، الذي يصور رجلًا مهووسا بالبنادق منذ طفولته، رغم كراهيته للقتل! يعشق فتاة استعراض ذات ماضٍ مُظلم، فتحرضه ليبدآن معًا السطو المسلح وسرقة البنوك.

Best Peggy Cummings GIFs | Gfycat

في مطاردة، استخدم المخرج أسلوب اللقطة الواحدة بدون قطع، رغم التصوير في الشارع، ورغم خروج الشخصيات ودخولها للكادر مرارًا، مع تحرك السيارات سريعًا، فكان الأسلوب وقتها نادرًا ومبهرًا وواقعيًا.

الفيلم أثر بوضوح في حركات سينمائية مهمة أبرزها فيلم Bonnie & Clyde (1969)، الذي يعتبر الأب المؤسس لتيار هوليوود الجديدة في السبعينيات. كما تأثر مخرجو الموجة الفرنسية في الستينيات به، خاصة بروحه المتحررة في عرض تيمات الجريمة والجنس.

Top 30 Bonnie And Clyde GIFs | Find the best GIF on Gfycat

4-Gilda الالتفاف على الرقابة

منذ منتصف الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات، سيطر الكود الرقابي على هوليوود، بقواعده المتحفظة في عرض العنف والجنس: العنصران الأساسيان في الفيلم نوار.

لذا كان طبيعيًا أن تبدأ الموجة أولى غارات المقاومة، فاستخدموا التلميح بشكل مبتكر، بما ساعد في تطور لغة السينما.

أحد أشهر المعارك كانت مع الفيلم نوار بعنوان The Big Combo (1955)، في لقطة يقف البطل في ظهر عشيقته مقبلًا رقبتها، ثم هبط لأسفل واختفى من الكادر، مع ظهور علامات النشوة على وجهها.

اعترض الرقيب على ما اعتبره مشهدًا لممارسة جنسية، لكن المخرج لمح بأن خيال الرقيب جنسي منحرف فسر المشهد بطريقة مريضة (ما كان يقصده المخرج فعلًا)، فاضطر الرقيب للموافقة.

كذلك يعتبر فيلم Gilda أحد أبرز أفلام النوار التي استخدمت الإيحاء في كشف العلاقات الجنسية بين الشخصيات. ولعلها العلاقة المثلية الأشهر في الحقبة الكلاسيكية بين شخصيتي المقامر جلين فورد وزعيم العصابة جورج مكريدي، والتي رمز لها الفيلم بالعصا التي يمسكها مكريدي في يده دائما ويلوّح بها أحيانًا في حضور فورد.

شخصية جيلدا التي صنعت أسطورة الممثلة “ريتا هايورث”، فاتنة الأربعينيات الأولى، هي الأخرى تصنف كأنثى خطرة، أقل شرًا من باربرا ستانويك في “تعويض مزدوج”، لكن سحرها وقوتها لا يزالان محركين أساسيين في سير الدراما ودوافع الشخصيات.

5- The Third Man .. النزعة الوثائقية

أثناء الحرب العالمية الثانية، تطوع مخرجون عدة لصناعة أفلام البروباجاندا الحربية، وبعضهم كُلف بها فسافروا لأرض المعارك، أو ذهبوا للثكنات العسكرية في بلادهم لتصوير الاستعداد للحرب.

الخبرات أضافت للحس الواقعي لدى المخرجين؛ صارت أفلامهم الروائية، فيما بعد، أكثر عرضًا للأماكن الحقيقية. تركوا الستوديوهات ونزلوا للتصوير في الشوارع.

الحالة انعكست بشكل كبير في ازدهار الفيلم نوار المهتم بروح الشارع والمدينة الحديثة بنظرة سوداوية.

أحدهم كان البريطاني “كارول ريد” الذي طغى الحس التوثيقي على أسلوب أفلامه الروائية، خاصة فيلمه الأشهر The Third Man (1949). الذي يدور في مدينة فيينا المقسمة إداريًا بعد الحرب، حول كاتب أمريكي يسافر ليقابل صديقه فيعرف أنه قُتل، ويحاول معرفة القاتل، فيكتشف أسرارًا أكثر خطورة مما كان يظن.

gif mine orson welles the third man Joseph Cotten Carol Reed feature film uhohohno •

ركزت عدسة روبرت كراسكر على أطلال العاصمة التراثية للنمسا بصورة واقعية وجمالية، فكانت مسرحًا فاعلًا لأحداث مثيرة، وأضفت على صورة الفيلم حيوية وتميزًا، وكانت من المرات النادرة التي تحتفي بها عدسة الفيلم نوار بمدينة غير لوس أنجلوس.

The White Tiger | النمر الأبيض الهندي يرد على الجوكر. هل استحق تصدر نتفليكس؟ | أمجد جمال

6- Laura .. أسطورة المحقق السري

أفلام المحقق السري حالة فرعية من الفيلم نوار. لكنها حققت شعبية كبيرة بما يكفي ليلخص البعض الفيلم-نوار في تلك التيمة الفرعية.

اشتهر النجم هيمفري بوجارت ببطولة تلك النوعية وأبرزها The Maltese Falcon وThe Big Sleep، وبرز بها أيضًا جلين فورد في The Big Heat.

تلك القصص كانت مقتبسة من كتابات رايموند تشاندلر وداشييت هاميت، حيث جذبت الجمهور من خلال حبكاتها الذكية، وبشخصية المحقق الهادئ الوسيم الذي يرتدي ملابس أنيقة، ويدخن بشراهة، وجاهز بالمقولات البارعة والردود الحذقة.

فيلم Laura (1944) للمخرج أوتو بريمنجر من الأفضل في تلك النوعية، ولعله الوحيد الذي يغوص في الجانب الرومانسي لهذا الفورمات الفني بشكل مشبع، عن الضابط مكفيرسون الذي يحقق في جريمة قتل فتاة، يتتبع حياتها وتفاصيل علاقاتها السابقة، لكنه في منتصف الرحلة يجد نفسه واقعًا في حبها، رغم أنه لم يعرفها إلا بعد موتها، ويتحول المشتبه بهم في الجريمة من متهمين إلى منافسين على حب لورا!

Turner Classic Movies — nitratediva: Gene Tierney in Laura (1944).

بجانب تقديم الفيلم لشخصية المحقق، يقدم شخصية الكاتب التي جسدها كليفتون ويب.

وظيفة الكاتب كانت شائعة في الفيلم نوار، وجدناها في Laura، The Third Man، Sunset Blvd، In a Lonely Place، والسبب أن الفيلم نوار يحتاج في العادة لصوت الراوي، ولا يوجد راوٍ أفضل من الكاتب.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك