مسلسل الجسر | أين تفوق على مسلسل “النهاية” وأين خيب التوقعات؟ | أمجد جمال

مسلسل الجسر | أين تفوق على مسلسل “النهاية” وأين خيب التوقعات؟ | أمجد جمال

3 Feb 2022

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

رغم الانتقادات والسخرية اللاذعة التي واجهها مسلسل النهاية لدى صدوره منذ عامين، وجدت مجموعة أخرى من الفنانين في نفسها الشجاعة لخوض تجربة درامية مشابهة، عبر مسلسل الجسر الجديد، الذي ينتمي لنوعية الخيال العلمي فئة ما بعد نهاية العالم post apocalypse.

إلى أي مدى تعلموا من أخطاء التجربة السابقة؟ وهل أضافوا جديدًا؟

مسروق من “الأجانب”؟

مسلسل الجسر قصة وإخراج بيتر ميمي. والسيناريو والحوار لمحمد سليمان عبد المالك، وهو مكون من ٦ حلقات، عُرضت بنظام حلقتين أسبوعيًا على منصة شاهد المدفوعة.

يحكي المسلسل قصة أب يصارع للنجاة بابنه الصغير وسط عالم كابوسي فوضوي، نتيجة لآثار حرب عالمية كبرى أتت على الأخضر واليابس، وتركت من تبقى من البشر على قيد الحياة في صراع دائم على الموارد وأساسيات الحياة،

تزامن مع هذا شائعات عن وجود منطقة قريبة يسودها النظام والرخاء وتسمى “الجسر”، ليكون ذلك الجسر وجهة لبعض الحالمين، لكن الطريق إليه محفوف بالأهوال، ووجوده نفسه غير مؤكد.

عمرو سعد الجسر

كعادة الأعمال من تلك النوعية، وأعمال بيتر ميمي خصوصًا، تقابل باتهامات الاقتباس والسرقة الفنية منذ طرح إعلانها، وقبل أن يشاهدها أحد.

الطريف في الاتهامات في حالة مسلسل الجسر أنها متنوعة؛ حيث تفرقت دماء المسلسل على عدد من الأصول الأجنبية،

وهي مفارقة تجعلنا في حد ذاتها نستبعد فكرة السرقة، فلا يُعقل أن تسرق قصة واحدة من عشر قصص مختلفة.

وإن كان الطبيعي أن يتأثر مسلسل الجسر بأعمال عالمية من نفس النوعية، وهو تأثر مشروع؛ لأن الأعمال العالمية نفسها تتأثر وتأخذ من بعضها.

وفي حالة الجسر أخص بالذكر ثلاثة أعمال أظنها مرت بخيال المخرج والكاتب وهي The Road وElysium وMad Max.

تفوق على “نهاية يوسف الشريف”

أهم ما تعلمه صناع هذا مسلسل الجسر من خطايا “النهاية” هو أن نوعية دراما الديستوبيا المستقبلية تقوم على مبدأ الاستعارة، وتكتفي به ذاتيًا. وليس من المستحب أن تستحضر أي إشارات مباشرة عن تفاصيل واقعنا السياسي والجغرافي والأيديولوجي. وإلا فما حاجة اللجوء لعنصر الخيال من البداية؟

النهاية يوسف الشريف

هذا الأمر متحقق في مسلسل الجسر بشكل جيد، لم يتورط المسلسل بذكر أسماء دول معاصرة بعينها، أو مجموعات دينية وعرقية وسياسية من التي نعرفها.

لم يخبرنا المسلسل في أي عام تقع أحداثه، ولا عن تفاصيل الحرب العالمية التي سبقته، والأطراف المتورطة بها. ترك كل ذلك للخيال والتأويل.

كما ظهر الحرص على استخدام لغة حوار محايدة تقع بين العامية المنضبطة وقليل من الفصحى. وكلها أمور إيجابية ومخلصة لمبادئ  الاستعارة والتحييد وإنسانية الحدث.

لكن، لم ينسوا أن الهدف الأسمى من الجنوح إلى الخيال ليس الخيال لذاته، بل التعليق على الواقع بشكل غير مباشر.

مسلسل الجسر يستخدم الاستعارة لطرح سؤال أو فرضية مهمة وشائعة: ماذا لو كانت تصوراتنا عن الخلاص مزيفة، وكان ذلك الخلاص هو الكابوس نفسه؟

هي نفس المعضلة المتداولة شعبيًا بكلمات أخرى: ماذا لو كان “اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش؟”

ولو أن شكل الديستوبيا المستخدمة في المسلسل يميل لأسلوب “الخواجة”، فالمورال من وراء قصة الجسر يصلح جدًا للمحلية.

فهو يقوم على فرضية تضرب في صميم هواجسنا السياسية في الثلاثين عامًا الأخيرة! والمسلسل يطرحها دون إلحاح إيديولوجي لموقف بعينه. بل يمكن للفرضية أن تشمل الهواجس الاجتماعية والعملية والعاطفية كذلك.

ما سبق نقطة تفوق أخرى لصالح مسلسل الجسر على مسلسل النهاية، حيث إن الأخير لم يملك بوصلة فلسفية متماسكة بهذا الشكل، وبدا مشتتًا وعشوائيًا في أفكاره.

لكن العيوب قائمة.. أولها “التيمة”

تظل عيوب مسلسل الجسر أكثر من مميزاته، وتتركز بشكل أكبر في جوانب التنفيذ، الأسلوب، العناصر الدرامية والشكلية.

أولًا:

اللجوء لتيمة نهاية العالم مجددًا، مع توقع أنها تيمة مرغوبة أو مثيرة لدى الجمهور المصري الذي يخاطبه المسلسل.

وكأن بيتر ميمي تخلى عن أكبر ميزة فيه كمخرج، كونه قريبا لنبض الجمهور ويعرف ما يستهويهم فعلًا، ويميّز ما يناسب الاستيراد من الخارج أو الداخل.

فالواضح من التجارب الدرامية السابقة أو حتى الواقع الذي نعيشه أن المجتمع غير ميّال لهذه التيمة.

بأبسط المعطيات ركز في سلوكيات من حولك على جائحة كورونا، أو سلوكيات قيادة السيارات في الشوارع المصرية مثلًا، ستدرك أننا شعب ليس لديه قدسية كبيرة للحياة، مسألة الموت أو الموت الجماعي ليست فكرة مفزعة حقًا.

والجدير بالذكر أن أدب وسينما ما بعد نهاية العالم لم يزدهرا وينتشرا بقوة في الغرب إلا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما مرت هذه المجتمعات بتجارب مفزعة وجوديًا بشكل مفصلي، كالهولوكوست، والقنبلة النووية وحصيلة مصرع ٨٠ مليون إنسان.

بينما نحن، فلعل أفزع تجربة مررنا بها كانت حكم جماعة دينية وبعض حروب الشوارع التي لم تتجاوز مدتها بعض الأشهر.

الطريف أن أنجح تجربة سينمائية مصرية من فئة الديستوبيا، كانت النوم في العسل لشريف عرفة ووحيد حامد.

هنا تبدو فكرة فقدان الخصوبة الجماعية مثيرة لمجتمعنا أكثر من فكرة الحرب النووية أو سقوط النيزك!

فمع كامل تأييدي للانفتاح على ثقافة الآخر، وتجربة نوعيات درامية جديدة، وتقديري لطموح صناع العمل. أميل إنه كان عليهم التفكير بخيال أكثر مصرية.

لا إقناع بصريًا.. لا إقناع صوتيًا!

ثانيًا:

حتى لو نجحت الفكرة، فتنفيذ مسلسل الجسر يعاني من مشاكل واضحة، خاصة في الديكورات والتصميم الإنتاجي لمواقع التصوير وتصميم الملابس، والذي لم يكن مقنعًا بصريًا، ويشعرك بأن المسؤولين عن ذلك ليسوا متأكدين إن كان المسلسل تاريخيًا أم مستقبليًا؟ منطقيًا أم أسطوريًا؟ واقعيًا أم سرياليًا؟

أسماء أبو اليزيد الجسر

وكان على عنصر الموسيقى أن يضيف لخلق هذا العالم.

لكن للأسف، جاءت موسيقى مصطفى الحلواني باهتة وفي أحيان مناقضة لأجواء المسلسل.

جمله الموسيقية وأصوات الآلات وخاصة التيمة الافتتاحية للتتر بدت أقرب لموسيقى أفلام الكاوبوي القديمة، جيتارات معدنية وهارمونيكا!

العنصر التنفيذي الأضعف كان المعارك وتصميمها.

فباستثناء مطاردة سيارات في الحلقة السادسة، جاءت أفكار معظم المعارك مكررة، وتنفيذها متواضعا، وتفتقد أبسط سمات الملحمية، بأعداد قليلة من المجاميع. في عمل يحتاج بشدة لمعارك مبهرة تعطي لموضوعه بعض المصداقية.

وهي صدمة من مخرج مثل بيتر ميمي، الذي قدم معارك أشد إتقانًا في الاختيار وحرب كرموز وموسى وكازابلانكا وكلبش.

أشرار الجسر “كيوت جدًا”

ثالثًا:

السيناريو. وأبرز عيوبه هو خلل موازين القوى التي تحكم العلاقات والصراع بين الشخصيات. هناك نظرية ثابتة تقول أن الصراع الدرامي يكون قويًا كلما كان الشرير قويًا، سواء كان الشرير شخصًا أو أي قوى معادية للبطل كالظروف مثلًا.

الشرير الأول في القصة مكان اسمه المستعمرة تحكمه امرأة تدعى دليلة (نيللي كريم).

هذا المكان يفترض أن يكون مصدر فزع لسكانه، وعقبة في طريق البطل، لكنه ظهر أشبه بالوكالة بدون بواب، يمكن لأي قوى اقتحامه وتصفية قادته بسهولة وفي أي وقت!

نيلي كريم مسلسل الجسر

هنا لم يكن الأشرار مقنعين كأشرار. بل أحيانًا تدخلك الأحداث في حيرة متعمدة لتحديد إذا كانوا أشرارًا فعلًا.

أعلم أن تلك واحدة من أهداف القصة شرحتها سلفًا، لكن الطريقة التي كُتبت بها تنال من جاذبية الدراما، من عنصر التشويق والترقب والتماهي مع بطل القصة في مغامراته.

مع كل موقف يظهر أن التحدي أسهل مما يحاول أن يصوره لنا الكاتب.

هناك لقطة تكررت أكثر من مرة: شخصية ترفع مسدسًا وتطلق النار على رأس أحدهم ليسقط صريعًا.

كان مفترضا أن تشعرك تلك اللقطات بفرط كابوسية هذا العالم، وفُجر شخصياته.

لكن على العكس، فإن المبالغة والتكرار جاءا بنتيجة عكسية، أحيانًا كوميدية، القتل بات مسألة عادية جدًا. غير مؤثرة.

شخصيات العمل صاروا مثل الدجاج. لا مشكلة لو كان البطل نفسه ضحية طلقة في الرأس منهم. أنت اعتدت على ذلك.

عمرو سعد الجسر

ختامًا:

خطوة محلك سر لأبطال مسلسل الجسر نيللي كريم وعمرو سعد. وكنا ننتظر شيئا أفضل من كاتب موهوب مثل محمد سليمان عبد الملك.

أما عن بيتر ميمي فبقدر ما عليه أن يفخر بنفسه كمخرج مصري قدم أربعة أعمال كبيرة في أقل من سنة (الاختيار، موسى، من أجل زيكو، الجسر) وفي ظروف إنتاجية غير مثالية، بقدر ما عليه أن يحذر من المبالغة في استهلاك طاقته الفنية بهذا المعدل.

جزء مهم من العملية الإبداعية هو الوقت المخصص لالتقاط الأنفاس بين عمل وآخر.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك