فيلم موسى | بهفوات “مبلوعة”.. ماذا لو شاهد سكورسيزي “سوبر هيروز بيتر ميمي” ؟ | أمجد جمال

فيلم موسى | بهفوات “مبلوعة”.. ماذا لو شاهد سكورسيزي “سوبر هيروز بيتر ميمي” ؟ | أمجد جمال

12 Aug 2021

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أكثر ما لفت انتباهي في حملة فيلم “موسى” الدعائية أنهم يبيعون فيلمًا باسم مخرجه بيتر ميمي!

.. إخراج بيتر ميمي بوستر-فيلم-موسى
فيلم موسى – البوستر الدعائي

عبارة “إخراج بيتر ميمي” تتصدر التريلر، دون إشارة لأسماء الممثلين، وكأن هذا عادي في صناعة سينما كانت تعتمد أساسًا ودائمًا على النجوم!

لا أتذكر حوادث مشابهة في تاريخنا. ربما باستثناء بعض الأفلام الفنية القائمة على الدعم والصدقات الإنتاجية وغير الهادفة للربح بالأساس، فقط لإرضاء إيجو المخرجين.

أما أن يحدث ذلك مع فيلم “جماهيري” مثل “موسى” بمبدأ العرض والطلب، فهذا جديد، وأراه شديد الإيجابية.

بيتر ميمي ينجو من تحليل سكورسيزي

المفارقة الثانية في “موسى” أننا بصدد فيلم عن الأبطال الخارقين وعوالم سينمائية بالمفهوم المتطور على غرار مارفل ودي سي وإكس من X-Men.

من المفترض أنها تجربة جديدة على السينما المصرية تمثل طموحًا وتمردًا. لكنها في الوقت نفسه تعتبر استيرادًا لقالب هوليوودي، يمثل كل ما هو استهلاكي ومكرر وضد التمرد والطموح، وسبب مباشر في تردّي السينما العالمية، أو كما يلخصها مارتن سكورسيزي بعبارته الشهيرة: “ساحات ترفيهية” Theme parks.

The UnderDogs

لكن لماذا سمّاها سكورسيزي هكذا في المقام الأول؟

وكيف يختلف ذلك عن تجربة بيتر ميمي الجديدة؟

جزء من الإجابة في المقال الذي نشره سكورسيزي بالنيويورك تايمز نهايات ٢٠١٩، حيث يقول عن تلك الأفلام إنها:

مصنوعة بمعرفة فرق تجمع أفرادًا محترفين. وكلها سواء، تفتقد عنصرًا ضروريًا بالأفلام، وهو الرؤية الفردية للفنان. والسبب بالطبع أن فردية الفنان هي أكثر عوامل المجازفة (..) نعم، هناك بعض العناصر السينمائية بأفلام مارفل. لكن ما ليس هناك هو الإلهام، الالتباس، وأحاسيس التهديد الأصيلة. ليس ثمّة مخاطرة“.

المؤكد أن تحليل سكورسيزي هنا لا ينطبق على فيلم موسى”.

فمن ناحية الفردية: نحن أمام تجربة صارخة الفردية، بدأت وتطورت وبثت فيها الحياة بمسؤولية مباشرة من شخص واحد، لدرجة تجعلها تستحق تصنيف سينما المخرج المؤلف.

ومن ناحية المجازفة: فحدث ولا حرج؛ دخول أرض سينمائية جديدة، تحتاج لبذخ إنتاجي، في ظل سوق سينمائي محلي ومحافظ ومحدود ويعاني من أزمة بالأساس، ودون اعتماد على نجوم صف أول.

كل تلك المعطيات تجعلك تتعاطف لا إراديًا مع تجربة فيلم “موسى”، وتدقق بعدساتك في محاسنها ومميزاتها وما يمكن أن تبني عليه في القادم، لو كُتب لها الاستمرار.

تجميع لمحات.. حصيلة جديدة

قصة بيتر ميمي تدور حول شخصية “يحيى” طالب الهندسة العبقري والمنطوي، الذي يتعرض للتنمر والظلم، فينفجر في وجه المجتمع، ويقرر الانتقام باختراع روبوت مسلح عملاق، يستطيع حسم أية معركة لصالحه. ومن ثم يصبح محل طمع المستغلين، وهدفًا لأجهزة الأمن.

الفكرة والطابع أخذا لمحات من هنا وهناك Robocop، Real Steel، Chappie، Iron Man. لا توجد مشكلة، تلك الأفلام نفسها تأثرت ببعضها. وإن كانت الحصيلة قصة جديدة.

سيناريو صلب مع بعض الارتباك

سيناريو فيلم موسى جاء شديد الصلابة في الساعة الأولى تحديدًا من الأحداث، ملتزمًا بكل الوصايا والفورميولات النظرية عن كتابة القصص: فصل أول من العالم الطبيعي، نقطة لا عودة، فصل ثان ينقلب فيه كل شيء، حدث تحفيزي، فصل ثالث بحثًا عن الحل. تعريف الشخصيات في إطار مواقف، هدف واحتياج وجرح غائر في نفس البطل، رحلة يخوضها، قوى معادية وشخصيات مساندة، شخص ملهم وشخص متحول.. إلخ.

يحسب للسيناريو أيضًا توظيفه الجيد للفلاش باك في سرد تفاصيل قديمة، بطريقة أضافت للأحداث دينامية أكبر.

الارتباك في سيناريو موسى لم يظهر إلا مع الفصل الثالث والأخير، في آخر ربع ساعة من الفيلم بدت الأحداث والأفعال وردود الأفعال ملتوية ومحيرة دون حاجة لذلك. خيارات البطل وأعداؤه محل تساؤل.

خفف من آثار هذه العيوب أن شخصية البطل تتطور مع النهاية ولو بقدر بسيط. فنفس الشخص الذي كان يعاني من السلبية والجبن والهروب، وكلفته تلك السمات ثمنًا باهظًا، صار مع النهاية قادرًا على المواجهة المباشرة دون مساعدة قواه الخارقة، مهما كلفه الأمر.

حوار مميز.. جرافيكس معقول

المفاجأة بالنسبة لي كانت التميز في عنصر الحوار: اقتصاديته، وبلاغته، وكشفه عن طبائع الشخصيات.

حتى الجملة الرنانة الحكيمة التي تجعلك غير مرتاح في مقعدك، جاءت مقبولة.

الاستثناء الوحيد مشهد في الفصل الأخير يحكي فيه البطل تاريخه والظلم الذي تعرض له، وهو أمر رأيناه بالفعل ولم نكن بحاجة لسماعه في خطبة جديدة.

قاد بيتر ميمي في فيلم موسى طواقم الإخراج الفني والتصوير والممثلين والمونتاج لنتيجة مشرفة تضاهي الأفلام العالمية، وتجعل تجربة المشاهدة بها من المتع الجمالية ما يوازي جماليات الدراما.

أما الجرافيكس، فيكفي أنه كان مقبولًا ومعقولًا. لم يكن على “موسى” التحرك والقتال بانسيابية رائعة وفائقة، لأنه ليس Iron Man. هو مجرد مشروع طموح في عقل طالب هندسة مصري، والفيلم نفسه يظهر الكثير من نقاط ضعفه، ويمكن لبلطجي درجة رابعة أن يمزقه بمنشار كهربائي!

لذا لا أتمنى أن يتعرض هذا العنصر لقسوة نقدية لمجرد أن المراجعين يقارنونه بروبوتات سينمائية أكثر تطورًا بمنطق الأفلام نفسها.

أفلام تحدت الزمن | كيف أسس “ترمينتور 2” لمستقبل هوليوود في الخدع السينمائية؟ | حاتم منصور

فريق التمثيل

يقدم كريم محمود العزيز أداءً جيدًا لشخصية الشاب النيرد nerd المصاب برهاب اجتماعي، وهي شخصية ليس لها مراجع وافرة في السينما المصرية.

نعم، كان بالإمكان ما هو أفضل، لكن ما أثار إعجابي أنه لم يستعر طريقة محيي اسماعيل مثلًا، باعتبار أن كل مصاب بخلل نفسي يتصرف بنفس الطريقة.

الظهور الخاص بأسماء أبو اليزيد كان الأكثر طزاجة من حيث الأداء والشكل.

أما إياد نصار فبرغم أداءه الممتع، أخشى أن يكون حبس نفسه في قفص هذا النوع من الأدوار.

موسيقى خالد الكمار

الموسيقى التصويرية لخالد الكمار كانت طاغية في تأثيرها، وأتصور أن رؤية بيتر ميمي كانت موجهة لها بدرجة كبيرة، إذ اختار فيلم موى تيمة غير أصلية لتصاحب مشاهده، وهي مجازفة في حد ذاتها. إنه لحن “كانوا يا حبيبي” للأخوان رحباني، الذي هو بالأصل لحن polyshko pole نشيد الجيش الأحمر الروسي في ثلاثينيات القرن الماضي وبات أقرب للفولكلور.

في أحد أفضل مشاهد فيلم موسى في الربع ساعة الأولى، يوظف خالد الكمار أغنية فيروز بطريقة مدهشة مع الحدث، ويتطور التوظيف حين يعلق عليها بنغمات محاكية للتيمة الأصلية بطريقته الأوركسترالية.

وفي ما بعد، نسمع عددًا من التنويعات، فنكتشف أبعادًا ملحمية وحزينة وفرحة وحماسية للحن كنا نظنه رومانسيًا وحسب. إحدى التنويعات قامت على صفارات على طريقة مقطوعات هاني شنودة في الثمانينيات.

ختامًا: فيلم موسى يستحق رحلة السينما للمشاهدة كفيلم، وبغض النظر عن مسألة تشجيع السينما المصرية والتجارب المغايرة.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك