ناقد فني
في السنة الأخيرة، افتتح أكثر من مجمع سينمائي ضخم، بينها سينما سيارات، وأخرى حديثة لأول مرة منذ زمن في مدن الأقاليم، مع إعادة إحياء سينما عريقة في القاهرة بعد تجهيزها بأحدث التقنيات.
ما يجمع السينمات التي صمدت، أو المفتتحة حديثًا، أنها “سينما مولات”؛ مصممة بطريقة لا تسمح لها أن تكون إلا سينما. بالتالي، فهي قادرة على الصمود في فترات التوقف.
أضف السوق السعودي الحديث المتعطش للسينما، ويمتلك قوة شرائية وعدد شاشات تفوق نظيره المصري، ومرشحا للتضاعف، بعدما حقق في عام كورونا 115 مليون دولار (1.8 مليار جنيه): 4 أضعاف السوق المصري في 2019.
هذا السوق السعودي بات يستقبل الإنتاجات المصرية، بل ومستعد للمساهمة في إنتاجها.
إذًا، الطريق ممهد أمام الفيلم المصري.. لا لاسترجاع انتعاشة ما قبل كورونا وحسب، بل لتطويرها.
السينما السعودية | 15 شخصًا يبحثون عن صوت صناعة بلا أرث سينمائي يكبلها | محمد سيد عبد الرحيم
فيلم “ديدو” يعيد كريم فهمي ككاتب وبطل لمستوى يضاهي “هاتولي راجل” (2013) المصنف كأفضل أعماله.
يلجأ كريم فهمي في فيلم “ديدو” لفكرة فانتازية مجددًا: عصابة تخطط لسرقة اختراع علمي. يحولهم خطأ ما لأجساد في حجم عقلة الإصبع، لتبدأ رحلة للنجاة بالعودة لحجمهم الأصلي.
ويشير الفيلم في تتر الافتتاح بعبارات فكاهية إلى اقتباسه أسطورة عقلة الإصبع.
فيلم ديدو من إخراج عمرو صلاح وبطولة محمد ثروت وبيومي فؤاد وحمدي الميرغني وهدى المفتي، وينتمي لنوعية كوميديا البارودي “الأفلام التي لا تأخذ نفسها على محمل الجد فتسخر من نفسها ومن الأفلام الأخرى”.
يحوي الفيلم قدرًا كبيرًا من الإحالات لأفلام مصرية شهيرة، وكذلك يسخر من الأبطال الخارقين فى السينما الأمريكية، فيقدمهم في سياقات هزلية تفجر الضحك، مستعينًا بأداءات جيدة من الممثلين، وبخاصة محمد ثروت.
نوعية الكوميديا تلك سيطرت في العقد الأخير منذ “سمير وشهير وبهير” مرورًا بـ “الحرب العالمية التالتة” و”بنات العم” و”كلب بلدي”، وصولًا لـ “قلب أمه”، الذي قدمه أيضًا المخرج عمرو صلاح الذي يواصل تألقه في فيلمه الثاني على التوالي، ويؤكد موهبته كمخرج يفهم لغة الضحك. ومن يفهم تلك اللغة قلائل.
في فيلم ديدو كان أمامه تحدٍ أكبر، فيما يخص تقنيات الجرافيكس والصورة الغرائبية، التي خرجت بشكل معقول، حتى وإن غاب عنها الإبهار.
مشكلة فيلم ديدو الوحيدة، والتي ظلمته في الإيرادات، أنه لا يقدم نجوم شباك.
“قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها
تامر حسني لا يزال مهووسًا بفكرة “الفنان الشامل”، الذي يغني ويمثل ويلحن ويؤلف ويخرج ويكتب. فبعدما حملت بعض أفلامه السابقة عبارة “قصة تامر حسني”، تتطور في فيلم “مش أنا” لـ “قصة وسيناريو وحوار تامر حسني”.
لا يفهم تامر حسني أن العبرة ليست بكم المهن التي يمارسها، لكن بالناتج النهائي. وهو في العادة يتدرج من متوسط إلى رديء.
وفي فيلم “مش أنا” تظهر مشكلات في الكتابة لا تمر على سيناريست بحق، أكان محترفًا أو مبتدئًا.
يبدأ فيلم مش أنا حين تمرض والدة البطل حسن، ويعلم الأخير أن عليه تحمل تكاليف علاجها الباهظة، التي لا يملكها كرسام غير متحقق فشل في عدة وظائف.
بعدها، يتناسى الفيلم عقدة الأم دراميًا تمامًا، وكذلك موهبة الرسم المعطلة لدى البطل، ويذهب لعقدة أخرى بمرض البطل نفسه بمتلازمة اليد الغريبة، أي تتحرك يداه لا إراديًا وتضعه في مواقف محرجة يحاول السيطرة عليها.
أولًا: العشوائية في تتبع صراعات وخطوط الفيلم وربطها بتتابع وتواصل متماسك. وهذا ينعكس على الشخصيات؛ فشخصية كالتي لعبها ماجد الكدواني يسهل حذفها دون أي تأثير.
ثانيًا: تكرار الكاتب لأدواته، وكأنه كلما عجز عن إيجاد شعلة درامية، يذهب بأحد شخصياته للطبيب ليُسمعه خبر سيء.
يتخلل الأحداث قصة حب باهتة ومكررة مع جميلة (حلا شيحة) الفتاة الغنية التي تتعاطف مع حسن.
ويستثمر فيلم مش أنا متلازمة اليد بشكل جيد في صنع مواقف كوميدية مضحكة في مشاهد قليلة. لكنه يتكاسل في استثمارها دراميًا، ويكتفي بتوظيفها كمجرد عائق جسدي في رحلة تحقق البطل.
لكن، لماذا اختار الكاتب هذا المرض تحديدًا ليعيق بطله؟
ما العبرة في انتصاره على هذا العائق تحديدًا؟
وماذا لو كان مرضًا آخر كالشلل أو فقدان الذاكرة مثلًا.. هل كانت لتتغير رسالة الفيلم؟
الإجابة لا، ولا يبدو أن هناك سببًا لانجذاب تامر حسني لفكرة هذا المرض تحديدًا، ربما تأثر غير ناضج ببعض الأفلام الأجنبية. هناك مثلًا فيلم هندي لبطل لديه نفس المرض ويعمل رسامًا كذلك، فهل تأثر به؟!
على أي حال، تامر حسني كسيناريست لا يعترف بأن الرسائل من وراء القصص تحتاج للتدليل عليها بالقصص نفسها، لذا يصيغ رسالته كجملة مباشرة على لسان البطل في المشهد الأخير.
البواب في السينما | أخلاق القرية في أرقى أحياء العاصمة.. الحياة تحت وصاية عبد السميع! | أمجد جمال
يحمل فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” لكريم عبد العزيز والكاتب أيمن وتار، نفس جينات فيلمهما الأسبق “نادي الرجال السري” بمميزاته وعيوبه، مع تغيير المخرج من خالد الحلفاوي لأحمد الجندي، وتغير البطلة من غادة عادل لدينا الشربيني.
لأعطي أيمن وتار حقه، فهو يجيد الإتيان بأفكار جديدة وتأسيس عوالم كوميدية مختلفة ينتج عنها بعض الاسكتشات الطريفة.
لكن لديه مشكلات واضحة في تنفيذ الأفكار وصياغتها قصصيًا بشكل متماسك.
الفيلم يقدم عالم الأزواج بشكل فكاهي، بتخيل حدث غرائبي جعل كل الأزواج في مصر ينفصلون، بما فيهم بطلا الفيلم.
يقدم هذا الانفصال بشكل مزيّن، حيث ينهي أعوامًا من الغمّ، متسائلًا: هل يعودون للزواج مرة أخرى بإرادتهم بعدما ذاقوا طعم الحرية؟
لم يقدم الفيلم دوافع أو أسبابًا لرغبة بطليه الدفينة بالانفصال، واكتفى بعرض خلافات شديدة البراءة، دون تقديم ما يبرر تحول صورة الزواج السلبية تلك لمفهوم مجتمعي شامل.
كذلك لم يقدم سببًا مقنعًا للعودة، كحالة خاصة مقتصرة على بطليه، أو كحالة عامة، بتحليل به حد أدنى من التعمق الاجتماعي والفلسفي في مسألة الزواج.
بعد “الفيل الأزرق 2” و”الاختيار 2″، يعود فيلم البعض لا يذهب للمأذون مرتين بكريم خطوة للوراء.
لكنني وضعته في سياق الخطوة للأمام بعدما سمعته يتحدث في أحد حواراته عن خذلانه نفسه بسبب قلة عدد أفلامه كونه تعوّد على تقديم فيلم وحيد كل عام، وبالتالي فعدد أعماله بنفس عدد سنوات نشاطه، وتلك مسيرة محبطة جدًا مقارنة بمسيرة نجوم سينما جيل الوسط مثلًا.
كريم كان يقصد بهذا الفيلم التخلي عن نمكيته في الاختيارات، وخطط لطرحه بعد ستة أشهر من “الفيل الأزرق 2″، لولا كورونا.
كريم عبد العزيز كان يقدمه برغبة الانتشار وتعظيم الفيلموغرافيا الخاصة به عدديًا، وتنويع حالاتها بتقديم العمل الجاد والعمل “اللايت” بالتوازي، وهي سياسة ينبغي تشجيعه على مواصلتها، حتى لو لم تكن النتيجة دائمًا على مستوى أعماله السابقة. النصيحة الوحيدة لكريم: ابحث عن كاتب آخر.
الاختيار ٢ | كيف تفوق على مسلسلات موسم رمضان وعلى جزئه الأول؟ | أمجد جمال
يقف وراء تنفيذ فيلم العارف الرباعي الفني المسؤول عن الجودة الفائقة بأفلام مروان حامد الأخيرة. هذه المرة دون مروان حامد.
لا يزال لدينا موسيقى هشام نزيه، تصوير أحمد المرسي، ديكور محمد عطية، مونتاج أحمد حافظ، وكل منهم أيقونة في تخصصه.
يقودهم المخرج أحمد علاء الديب، الغائب عن السينما منذ فيلمه “الحفلة” (2013).
والواضح أن الغياب لم يؤثر على لياقته الإخراجية كثيرًا، خاصة مع دعم إنتاجي سخي من شركة سينرجي التي لا تكف عن تزويد السينما المصرية بالأفلام الأكثر ضخامة والأكثر ربحًا في السنوات الثلاث الأخيرة.
يقدم فيلم العارف قصة من عوالم الجاسوسية شديدة المعاصرة، حول يونس (أحمد عز)، الضابط المصري البارع في الحروب السيبرانية، والذي تتحول إحدى صراعاته في صد منظمات الإرهاب الدولي لثأر شخصي يسعى لتحقيقه من خلال مظلته المهنية.
السيناريست محمد سيد بشير يقدم نصًا سينمائيًا أكثر نضجًا مما قدمه في “هروب اضطراري” (2017)، بحبكة متماسكة، وبناء محكم، وشخصيات يسهل قراءة أبعادها وتفهم دوافعها، وقراءة ذكية للجغرافيا السياسية، والاهتمام بتفاصيل تكشف عن الجهد المبذول، وخاصة في الأمور التقنية الخاصة بحروب القرصنة الإلكترونية وغيرها.
المعارك والمطاردات ظهرت بصورة تليق بفيلم أكشن ينتمي لهذا العصر، حتى وإن شابها تأثر كبير بأفلام جيمس بوند شكلًا وموضوعًا، وهذا أمر يُحسب للفيلم، كما يحسب لبطله النجم أحمد عز الذي لا يتخلى عن حد أدنى لمستوى أفلامه.
معضلة إفساد الأخلاق | من أفلاطون إلى عادل إمام.. هل نقلد الفن أم يقلدنا؟ | أمجد جمال