سأعود I’ll be back .. عندما نطق النجم أرنولد شوارزينجر هذه العبارة، وهو يؤدي دور الروبوت الشرير القادم من المستقبل، في فيلم المبيد “ترمينتور” عام 1984، لم يكن أحد يعرف بعد إلى أى مدى سينجح الفيلم، وإلى أى مدى ستصبح تذكرة العودة أيقونية أكثر وأكثر بعد 7 سنوات في الجزء الثاني المبيد 2: يوم الحساب Terminator 2: Judgment Day.
في الفيلم الأول، كان طموح المؤلف والمخرج الكندي المجهول وقتها جيمس كاميرون هو صناعة فيلم يمزج سينما الرعب مع الخيال العلمي والأكشن، في إطار مبهر بصريًا إلى حد ما، على ضوء تواضع الميزانية المعتمدة للفيلم.
وقتها كان أرنولد شوارزينجر ممثل أكشن صاعدًا ضخم البنية، قادمًا من عالم رياضة كمال الأجسام، ضمن عشرات ينتهي بهم الحال عادة في هوليوود للأدوار المساعدة الهامشية.
أفلام تحدت الزمن | كيف أصبح “المهمة: مستحيلة” من علامات أفلام الأكشن؟ | حاتم منصور
مع نهاية الثمانينيات، تغيرت المعادلة تمامًا لكليهما. أرنولد شوارزينجر أصبح ضمن أهم نجوم العالم بفضل نجاحات أفلام مثل Commando – Predator – Total Recall.
بينما انضم جيمس كاميرون لقائمة كبار مخرجي الأكشن والخدع السينمائية، بعد أن واصل نجاحه في Aliens – The Abyss وكليهما حصل على أوسكار أفضل مؤثرات بصرية.
المعادلة أثناء تحضير الجزء الثاني كانت: أثقل نجم أكشن في هوليوود مع أهم مخرج واعد في سينما الإبهار، بميزانية متاحة تقترب من 100 مليون دولار، وهو رقم جنوني للغاية بمعايير أواخر الثمانينيات.
الطموح البصري هذه المرة كان مهولًا. جيمس كاميرون قرر أن يبدأ من حيث توقف عام 1989 في فيلمه السابق الهاوية The Abyss.
في البدء كانت العدوى.. 10 أفلام رسمت نهاية البشرية بالفيروسات | حاتم منصور
في أكثر مشاهد The Abyss أيقونية وثورية بمعايير الخدع البصرية، نجح جيمس كاميرون في توظيف تكنولوجيات وبرمجيات الكمبيوتر المتواضعة المتاحة وقتها، لصناعة مشهد تتشكل فيه المياه على هيئة وجه إنسان.
في عقل جيمس كاميرون.. وبفضل نجاحه مع دينيس مورين خبير الخدع البصرية في هذا المشهد، عادت فكرة تخلى عنها مجبرًا في الجزء الأول من Terminator بسبب استحالة التنفيذ بصريًا.
فكرة ملخصها: ماذا لو استطاع الروبوت الشرير التشكل كسائل الزئبق قبل أن يستعيد حالته الصلبة؟
الروبوت في سوق العمل .. هل يسرق الذكاء الصناعي وظيفتك؟ | إنفوجرافيك في دقائق
لم يكن Terminator 2 أول الأفلام التي وظفت برامج الجرافيك للإبهار؛ لأن أوائل الثمانينيات شهدت محاولات بدائية كان أشهرها فيلم Tron.
لكنه كان أول فيلم تقريبًا يستثمر في هذا المجال لهذه الدرجة، وينجح في ابتكار شخصية سينمائية تليق بعالم الديجتال، وهي الروبوت تي 1000.
البرمجيات والقدرات الحاسوبية لم تكن تسمح بعد بخلق كيان معقد من حيث عدد الألوان وتداخلها؛ لذا كان اختيار الشكل المعدني اللامع فكرة عبقرية.
أفكار ثورية مثل تغذية الكمبيوتر بتسجيلات لحركة الممثل وأبعاد جسمه تفصيليًا، ثم إعادة توظيف ذلك في خلق مشاهد كاملة بالجرافيك، أصبحت موضع ثقة بعد Terminator 2 فقط.
صعوبة تنفيذ هذا النوع من المشاهد وقتها، واحتياجها لتكاليف مهولة من المال والوقت، أصبحا أداة الضغط التي جعلت جيمس كاميرون يبدع أكثر وأكثر كمؤلف ومخرج.
إجمالي عدد المشاهد التي وظفت الجرافيك لا يتجاوز الـ 50، وهو رقم هزيل جدًا بمعايير أفلام اليوم، التي أصبح فيها العدد بالألاف. لكن لكل ثانية جرافيك في المبيد 2 ثقلها من حيث التأثير، بسبب التمهيد الذي سبقها، أو ما سيحدث بعدها.
في عيده الـ 20.. كيف احتفظ “الحاسة السادسة” بعنفوانه كل هذه السنوات؟ | حاتم منصور
اليوم، أصبح الإفراط هو المنهج في هوليوود؛ لأن ثانية الجرافيك لم تعد موجعة من حيث تكاليف الإنتاج ماديًا وزمنيًا. أصبحت سهلة وروتينية.
كمثال: في مشهد مثل التالي عندما يمر الروبوت الزئبقي الشرير عبر الحواجز، نتحدث عن ثانية جرافيك فعليًا.
لكن ما يجعل لهذه الثانية وزنها – بعيدًا عن إبهارها البصري بمعايير 1991 – هو الآتي:
1- تأتي بعد أجواء موترة أثناء محاولة إنقاذ البطل جون كونر لوالدته من سجنها.
2- تأتي بعد أن شاهدنا كفاحًا مريرًا من البطلة، لفتح نفس هذا الباب الذي لم يحجز الشرير إلا لثانية.
3- تخبرنا أن صراعًا رهيبًا آخر على وشك البدء حالًا.
4- تنتهي بلمسة مرحة، تذكرنا أن هذا الروبوت أكثر رعبًا حتى من الأداة القاتلة التي يحملها (المسدس).
5- ما يحدث في الدقيقة التالية لا يقل إثارة.
6- هناك شخص على الشاشة يشاركنا نفس الذهول بالضبط كمتفرجين (الطبيب النفسي الذي تسقط سيجارته من فمه).
بسبب كل ما سبق وعوامل أخرى، عندما تشاهد هذه الثانية من الجرافيك مدمجة وسط المشهد، لم تعد مجرد ثانية. بل أصبحت جوهرة سينمائية في فيلم يحتوي على عشرات الجواهر والمقاطع المماثلة.
المشهد كاملًا في Terminator 2:
بعيدًا عن عالم الجرافيك، استفاد جيمس كاميرون أيضًا من ألاعيب صناعة الدُمى والماكياج في عشرات المشاهد، بالتعاون مع العبقري الراحل ستان ونستون، ليحمل الفيلم أجمل ما في مدرستين مختلفتين (ما يمكن أن تضعه أمام كاميراتك – ما يمكن أن تضيفه لاحقًا بالكمبيوتر).
كعاشق لقدرات هوليوود في استدعاء الدهشة لدى المتفرج، ويحترم هذه القيمة سينمائيًا جدًا، لم يوجد قبل Terminator 2 فيلم أثار دهشتي بنفس القدر. وللأسف لم ينجح فيلم آخر واحد بعده وعلى مدار 30 عامًا في فعلها.
الدهشة تمتد أيضًا لجوانب غير بصرية، ومنها التغيير الشامل الذي استحدثه جيمس كاميرون بخصوص الشخصيات وطبيعة السرد مقارنة بالجزء الأول (1984).
كيف أصبح رامبو أيقونة لليمين الأمريكي على مدار 40 سنة؟ | حاتم منصور
إيقاع الجزء الثاني مثلًا أقرب لعالم الأكشن، منه للطابع المرعب في الفيلم الأول.
أرنولد شوارزينجر الروبوت الشرير في الفيلم الأول، أصبح البطل الطيب في الفيلم الثاني، الذي سيتفهم قيمة الحياة البشرية أكثر من البشر أنفسهم.
البطلة سارة كونر، التي شاهدناها في الفيلم الأول بالأساس كفتاة عادية، أصبحت شخصية متقبلة لقدرها ولضرورة ممارسة العنف، لتحمي ابنها ومستقبل البشرية.
ومنحت ليندا هاملتون كممثلة للفيلم دور عمرها، وضخت فيه واحدة من أهم الشخصيات النسائية في تاريخ سينما الأكشن.
طريقة اختيار الخصم الشرير كانت أكثر دهشة. المعتاد في هذا الزمان، وفي فيلم يقوم ببطولته شوارزنجر، هو اختيار ثور بشري عملاق آخر في نفس الحجم أو أضخم. لنقل مثلًا شخصًا في قوام الممثل دولف لاندجرين.
مستقبل الترفيه: كيف تحققت نبوءة مخرج تيتانك في لعبة العروش وأفنجرز؟ | حاتم منصور
في Terminator 2 أدهشنا جيمس كاميرون باختياره الموفق جدًا للمثل روبرت باتريك. جسمه أصغر وعضلاته أقل، لكن ملامح وجهه الحادة وطريقة حركته، كانت مثالية لشخصية تبدو كإنسان عادي، لكنها مريبة وتتركنا في كل ثانية بإحساس أن هذا الكيان غير بشري بالمرة.
الدهشة كانت شعار الفيلم وشعار هذه التجربة السينمائية الثرية الفريدة في كل العناصر. وهى نقطة سيفهمها أكثر من شاهد Terminator 2 وقت عرضه، وهو يتوقع امتدادًا عاديًا وتقليديًا للفيلم الأول.
مجهودات جيمس كاميرون وفريق العمل، انتهت بتحقيق Terminator 2 لأكثر من 520 مليون دولار عالميًا، وهو رقم سمح له وقتها بالانضمام لقائمة أنجح 10 أفلام في التاريخ، وبالطبع أنجح أفلام 1991.
أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور
انحنت الأوسكار أيضًا للفيلم، ومنحته 4 جوائز كأفضل (خدع بصرية – ماكياج – صوت – مؤثرات صوتية)، بالاضافة إلى ترشحين إضافيين كأفضل (تصوير – مونتاج).
لكن للأسف لم يترشح Terminator 2 للأوسكار كأفضل فيلم، رغم شجاعة وانحياز الأوسكار في نفس العام ولأول مرة، لفيلم آخر عنيف ومدهش وهو صمت الحملان The Silence of the Lambs.
بعد عامين، سيقرر ستيفن سبيلبرج استدعاء نفس الثنائي الرئيسي في فريق الخدع البصرية لفيلم المبيد 2 وهما دينيس مورين خبير الجرافيك، وستان ونستون خبير الدمي والماكياج، ليبهرنا بديناصوراته في فيلم الحديقة الجوراسية Jurassic Park.
يشتهر فيلم Terminator 2 اليوم باعتباره فجر الجرافيك والخدع الحاسوبية المكثفة في هوليوود. رغم هذا يمكن اعتباره أيضا…
Posted by دقائق on Sunday, July 11, 2021
جيمس كاميرون سيدهش العالم أكثر وأكثر عام 1997 بملحمته السينمائية تيتانك وسيحظى بلقب مخرج أنجح فيلم في التاريخ. وهو اللقب الذي سيعيد تجديده 2009 بفيلمه المدهش المتحيز للجرافيك آفاتار Avatar.
كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ | حاتم منصور
أفلام أخرى مدهشة، ستقتبس الكثير من سلسلة المبيد ومن مدرسة جيمس كاميرون للأكشن والابهار، لعل أهمها ثلاثية ماتركس The Matrix.
لكن أثناء مشاهدتي لكل تجربة سينمائية مدهشة مما سبق، ظلت الحقيقة البسيطة واضحة: على مدار 30 عامًا من الخدع البصرية بعد فيلم Terminator 2 لم يستحق فيلم آخر بنفس الجدارة أن نقسم تاريخ هوليوود في الخدع البصرية إلى (ما قبل – ما بعد) بسببه.
وربما لن يوجد أبدًا.