الجملة السابقة وسط أحداث The Matrix كانت مثالية في الإعلانات، كدافع تشويقي للجماهير لمشاهدة الفيلم، ومعرفة إجابة السؤال الذي لعبت عليه شركة وارنر تسويقيًا بنجاح:
ما هو الماتركس؟
الإجابة تتطلب العودة لعام 1994، مع الأخوين الشابين لاري وآندي واتشووسكي، وهما يطرقان أبواب هوليوود، بـ 3 سيناريوهات ومشاريع سينمائية، بعد سنوات عملا فيها في تأليف قصص كومكس متواضعة النجاح.
أفلام تحدت الزمن | كيف أصبح “المهمة: مستحيلة” من علامات أفلام الأكشن؟ | حاتم منصور
سيناريو القتلة راق جدًا لمسؤولي وارنر. وبفضله قررت الشركة شراء السيناريوهات الثلاثة بصفقة واحدة، عملًا بنظرية (ربما).
تحول القتلة لفيلم أكشن ناجح في 1995 من بطولة سلفستر ستالون وإخراج ريتشارد دونر. وبفضله أمكن للأخوين واتشووسكي التفاوض على إخراج السيناريو الثاني Bound.
ومن جديد، عاد الأخوان للتفاوض على إخراج المشروع الثالث والأضخم (الماتريكس).
10 أفلام وتجارب سينمائية يصعب نسيانها في العقد المنتهي | حاتم منصور
لكن الموافقة هذه المرة ستصبح أصعب. الماتريكس سيتعثر فترة بحكم تصنيفه كمشروع عالي التكلفة، وأغرب وأعقد من أن يتحول لفيلم ناجح على نطاق واسع في شباك التذاكر.
رغم ذلك، سينال المشروع مساندة المنتج المعروف جول سيلفر، الذي سيستوعب سريعًا فرص الماتريكس تجاريًا؛ بحكم خبراته وتاريخه الذي يتضمن سلاسل أكشن مهمة.
رسومات الكومكس لخصت ما حاول الأخوان واتشووسكي شرحه للمنتجين: صناعة فيلم يمزج بصريًا جينات أفلام الخيال العلمي الأنيمي اليابانية، مع جينات مشاهد الأكشن ومبارزات المسدسات التي اشتهر بها المخرج الآسيوي جون وو، مع جينات أفلام الخيال العلمي المصبوغة بالنيو نوار، على خلفية قصة متعلقة بمصير البشر الغامض في عصر مستقبلي، ستصبح فيه الآلات هي الأذكى.
الفيلم نوار | 6 أفلام تدخل بك إلى عالم سينما الجنس والجريمة والظلام | أمجد جمال
الفقرة السابقة صداع غالبًا للقارئ الذي لم يشاهد فيلم الماتريكس بعد. لكن عشاق الفيلم سيمكنهم ربطها بالمشاهد والأفلام التالية، كأمثلة بصرية لمصادر إلهام صناع الماتريكس.
وللمزيد من مذاق الأكشن الآسيوي للفيلم، اختار الأخوان واتشووسكي الاستعانة بالمخرج وخبير المعارك الأسطوري يوين وو بينج الذي أشرف على تنفيذ عشرات معارك القتال اليدوي والكونج فو، في أفلام جاكي شان وجيت لي.
في هذه الجزئية تحديدًا، يمكن القول أننا كنا محظوظين بحصول كيانو ريفز على الدور؛ لأن خبراته السابقة في الأكشن، وهوسه بممارسة الرياضة، ورغبته في التفوق على منافسيه من النجوم، عوامل حسمت قراره بالموافقة على مدة التدريب.
5 أسباب جعلت “جون ويك” علامة في تاريخ الأكشن | حاتم منصور
هل كان من الممكن الحصول على نفس الموافقة من ويل سميث وبراد بيت؟ يصعب حسم الإجابة. لكن لنقل أن أغلب النجوم لا تُرحب بشروط من هذا النوع. وتزداد الصعوبة عندما يأتي الطلب من مُخرجين شابين، لا يملكان رصيدًا فنيًا مبهرًا كافيًا لإغراء نجم بمنحهما كل هذا الجهد والوقت من عمره.
إلى أي مدى استفاد فيلم الماتريكس من هذه التدريبات والاستعداد؟ وما حجم بصمة يوين وو بينج ورفاقه من خبراء أفلام الأكشن الآسيوية؟ شاهد هذا الفيديو الذي يتضمن مقارنات، واحكم بنفسك.
كل الأيقونات السينمائية تحتاج لبصمة ما فريدة وثورية. لمشاهد يُقال عندها: لم أشاهد أبدًا شيئًا مماثلًا.
التقنية التي وظفها الأخوان واتشووسكي لهذا الغرض، تعتمد على عرض شيء ما يحدث خلال كسور من الثانية بالسرعة البطيئة. شيئًا مثل تفادي البطل لرصاصة، أو ركلة توجهها البطلة لخصومها. والمصطلح الذي أطلقوه على اللعبة هو: زمن الطلقة Bullet time.
هذه المشاهد الثورية وقتها، تعتمد على حيلة عتيقة في السينما، وهى ترصيص مجموعة من الكاميرات على مسافات متساوية، وخلق فاصل زمني قصير جدًا بين لحظة التقاط كل كاميرا فيهم للصورة، ثم دمج الصور الناتجة بالتتابع.
المقطع التالي يوضح الحيلة بشكل أفضل. الثقوب السوداء التي تراها في الجدران الخضراء، هى فتحات الكاميرات. والمشهد النهائي الذي تراه في الفيلم، كما لو كانت توجد كاميرا تتحرك بشكل دائري وسرعة جنونية حول البطلين، هو نتيجة دمج الصورة التي التقطتها كل كاميرا ثابتة تراها في الجدران.
قد لا تكون النتيجة مبهرة للغاية بمعايير اليوم، بعد حلب واستنزاف هذه التقنية في مئات الأفلام والكليبات الغنائية والإعلانات، لكن عام 1999 كان لها شأن آخر.
نحن الأن في أوائل 1999. المنافسة بين شركات الرأسمالية متعددة الجنسيات واصلت مفعولها المفيد، وجعلت الكمبيوتر المنزلي يغزو منازل الطبقة المتوسطة عالميًا، ونقلت أيضًا الهاتف المحمول من مرحلة (للأثرياء فقط) إلى مرحلة (للجميع).
وصول هذه التكنولوجيات لقطاع أكبر من البشر، عجل بانتشار أشروحات مصطلحات لم تكن تهم سوى المتخصصين مثل (فيروس الكمبيوتر – مخترق الأنظمة – الإنترنت – هارد وير – سوفت وير).
الثورة الصناعية الرابعة.. هل يرث الذكاء الاصطناعي وظائف البشر كليًا؟ | س/ج في دقائق
مصطلح الألفية الثالثة يطاردك ليل نهار في عناوين الصحافة، وتطلعات البشر لعام 2000 تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم. وفي الحالتين يسيطر على الكل شعور نفسي ملخصه أنه حان الوقت لتغيير كل شيء، وأي شيء!
المجلات والصحف الفنية تتابع بحماس أخبار فيلم حرب النجوم الجديد المنتظر عرضه في مايو 1999 بعد توقف طويل للسلسلة منذ 1983.
النقاشات الفلسفية الماتركسية عن العالم والواقع البديل والذكاء الاصطناعي وخلافه، تغزو جلسات المراهقين وتتحول لموضة، ومعها الملابس والمعاطف السوداء والنظارات الشمسية. الكل يريد أن يصبح نيو وترينتي. الكل يريد أن ينتمي لعالم ماتركس وروعته.
الواقع الافتراضي يفضل الرجال على النساء | فيديو في دقائق
آلاف وآلاف القراءات والتحليلات تتوالى عن الفيلم، وتفسيرات وتأويلات لا تنتهي لدلالاته.
وفي ليلة الأوسكار التالية، سيخرج ماتركس فائزًا بالفروع الأربعة التي ترشح لها كلها (مؤثرات بصرية – مونتاج – صوت – مؤثرات صوتية).
عشرات الأفلام ستحاول استنساخ تجربة الماتريكس دون جدوى. الأجزاء التالية نفسها منه، التي صنعها الأخوان واتشووسكي، لن تترك نفس البصمة.
طموحات واتشووسكي في تقديم سينما ذكية، تمزج الفلسفة والميثولوجيا بالأكشن والابهار، ستتواصل في أفلام أخرى، لكن دون تكرار نفس النجاح مثل V for Vendetta – Cloud Atlas.
في الحقيقة سحابة أطلس Cloud Atlas بالأخص، سيلاقي المصير الذي خاف منه منتجو الماتريكس في البداية، وسيصبح فيلم الخيال العلمي الفلسفي المعقد للغاية عالي التكلفة، الذي لن يقبل عليه الجمهور.
وكيانو ريفز سيقدم عشرات الأفلام المتواضعة بعد ثلاثية ماتركس، قبل أن يصل لمعادلة ناجحة جديدة في سلسلة جون ويك، التي استفادت من خبراته في تنفيذ مشاهد الأكشن والقتال اليدوي.
في انتظارنا قريبًا جزء رابع من سلسلة الماتريكس.. من تأليف واخراج لانا واتشووسكي. لا أخطاء في كتابة الاسم. هى نفسها التي عرفناها في الفقرات السابقة باعتبارها لاري واتشووسكي، قبل أن يقرر تغيير جنسه لأنثى.
والسؤال: هل يمكن أن ينتقل سحر الأصل، للفيلم الرابع المنتظر صحوة الماتريكس The Matrix Resurrections؟
#نتفرج_بعدها_نحكم؟ لسكورسيزي وسبيلبرج وبيكسار رأى آخر | حاتم منصور
القاعدة تقول أن الأيقونات السينمائية يصعب تكرارها، لكن بإمكان ماتركس 4 أن يصبح، على الأقل، عملًا طموحًا يحمل بعض جينات وشجاعة الأصل، يحاول أن يدمج أعقد الأسئلة والقضايا الفلسفية وأغربها، مع توابل جديدة من الأكشن والإبهار البصري.
شخصيًا وكملايين البشر، يمكنني الاستمتاع بفيلم من عالم مارفل السينمائي، وبآخر من عالم دي سي كومكس، لكن يحتاج العالم من وقت لآخر لفيلم دسم بطموحات أكبر.
أو ربما ما ينقص هوليوود اليوم أكثر وتحتاجه، هو إعادة تحميل برنامج ماتركس، لا بصناعة جزء جديد و‘عادة استنساخ الماضي واللعب على وتر النوسالجيا، لكن بالاستفادة من الدرس نفسه.
تحتاج إلى العودة إلى تلك المرحلة، التي أمكن فيها لشابين بصفر تاريخ سينمائي، أن يشقا طريقهما خلال 5 سنوات، إلى قمة هوليوود بمساندة منتج متحمس، ودعم من نجم مغامر، و600 صفحة كومكس تسيل اللعاب.
تحتاج إلى تذكر النصيحة الأهم من ماتريكس والحكيم مورفيوس:
يمكنني أن أرشدك الى الباب فقط، لكن عليك أنت أن تعبر خلاله.