في فيلم شاب حر Free Guy تنويعة على فكرة روائية وسينمائية قديمة: ماذا يحدث عندما تتمرد شخصية خيالية على الدور المرسوم لها، وتقرر أن تنال حريتها، وأن تعيش حياة كاملة كباقي البشر؟
الجديد هذه المرة أن بطلنا ليس شخصية خيالية في رواية أدبية، أو في فيلم سينما، بل شخصية هامشية في لعبة فيديو جيم. هذا النوع من الشخصيات الذي تدهسه كلاعب بسيارتك، أو تطلق عليه الرصاص، أو تتجاهله تمامًا، دون أن يُقدم على أي رد فعل غير متوقع.
اللعبة الموجود فيها البطل تلامس ألعاب حقيقية عديدة. لكن الطابع البصري فيها بالأساس سواء للمكان أو للشخصيات، يستند عمدًا إلى ألعاب (جراند ثفت أوتو – فورتنايت – ريد ديد ريدمبشن) كحجر أساس.
في جزئية التلاحم مع عالم الجيمز تحديدًا، يحلق الفيلم إلى مستوى يستحق الإشادة.
أبل ضد فورتنايت.. من يملك السلاح الأقوى في سوق الألعاب؟ | إنفوجرافيك في دقائق
المسألة ليست فقط في زوايا التصوير والتكوينات البصرية والألوان، أو العلاقة المختلة دومًا بين الفيزياء وحركة الأجسام، أو الطريقة غير المنطقية التي تُغير بها الشخصيات الأدوات والأسلحة، بل تمتد لأصغر التفاصيل في السلوكيات، وعلى رأسها بطلنا الذي يكرر بانتظام جملة ثابتة بابتسامة مفتعلة، على طريقة الشخصيات الهامشية في الجيمز.
أفلام مغامرات عديدة زارت عالم الفيديو جيم سابقًا. لكنها زارته بسطحية. ولم تنجح في فك شفرته، وتوظيف مكوناته وتطويعها، لتصبح ضمن أدوات الدراما أو الكوميديا.
فيلم Free Guy ينجح في هذه المهمة ببراعة أكبر، ويمكن اعتباره إجمالًا رسالة حب من هوليوود للفيديو جيمز.
سيناريو الفيلم كتبه الثنائي (مات ليبرمان – زاك بين). الأخير يستحق إشادة من نوع خاص؛ لأن هذه ثاني مرة يزور فيها عالم الفيديو جيم بفهم واستيعاب، بعدما شارك في كتابة سيناريو فيلم Ready Player One الذي أخرجه سبيلبرج.
ولأنه أيضًا زار سابقًا بنجاح فكرة الشخصية الخيالية التي تكتشف أن عالمها مزيف، لكن مع شخصية تعيش داخل فيلم، وأقصد هنا Last Action Hero.
هذا الاستيعاب لعالم الفيديو جيم من حيث السرد والأفكار، تبلور أكثر وأكثر على الشاشة مع مخرج مثل شون ليفي، صاحب أفلام ليلة في المتحف، ومسلسل أشياء غريبة الذي تنتجه نتفلكس.
تمامًا مثلما استنسخ كمخرج الطابع البصري لأفلام الرعب والخيال العلمي في الثمانينيات، في مسلسله أشياء غريبة Stranger Things، نجح هنا في استنساخ الطابع البصري والحركي للجيمز، وهي مهمة أعقد لأننا نتحدث عن وسيط مختلف عن السينما.
أنجح 10 أفلام رعب في التاريخ |حاتم منصور
لكن بعيدًا عن الجانب البصري، تظل روح فيلم Free Guy الحقيقية هي بطله ريان رينولدز. طباعه الطفولية البريئة تفيد الفيلم عندما تتعلق الأمور بمشاهد دراما، بنفس القدر الذي تفيد به عشرات المشاهد الكوميدية.
رينولدز بغرابته وحضوره، يقف على الجسر المطلوب تمامًا، بين السذاجة المطلوبة للشخصية، وبين كونه البطل الذي تحبه وتتمنى له النجاح. ويصعب تخيل أي نجم آخر في دوره.
أهدر رينولدز الكثير من عمره في أدوار لا تبلور مواهبه. لكن يبدو أنه اكتسب الخبرات المطلوبة بعد أفلام ديدبول. لديه الآن بيرسونا وهوية سينمائية، وعقل منظم في اختيار ما يناسبها.
ديدبول ينعي نفسه ويصلح هوليوود في Deadpool 2
هذا الحضور امتد أيضًا لكيمياء عالية بين رينولدز وبطلة الفيلم جودي كومر. دورها يتطلب خلق فاصل بين ما تفعله داخل اللعبة، وواقع حياتها خارجها. وفي النقطتين تنجح بامتياز لدرجة يمكن معها نسيان أن هذه هي نفس الممثلة.
فقط عندما يبدأ النصف الثاني من الأحداث، ويبتعد Free Guy عن كاريزما رينولدز وعالم الجيمز، وتصبح الأحداث في عالمنا الواقعي وأكثر جدية، يفقد الفيلم الكثير من حيويته ومرحه.
الصراعات في عالم الواقع أقل تسلية وكوميديا، ومحاولات صناع الفيلم تطعيمها بشرير كارتوني الطباع يقوم بدوره المخرج تايكا وايتيتي لم تحقق هدفها. أداؤه المبالغ فيه جعل الشخصية مملة أكثر منها مضحكة، وتزداد المشكلة؛ لأن السيناريو يستدعي ظهوره في عشرات المشاهد، دون أن يمنحه جديدًا يُذكر ليقوله أو يفعله.
لكن يبدو أن تايكا وايتيتي يسعى للتحول لوجه سينمائي معروف، بعيدًا عن نجاحاته في مقعد الإخراج، والدليل مشاركته مؤخرًا كممثل في سلسلة جماهيرية أخرى وهي The Suicide Squad.
The Suicide Squad | الفرقة الانتحارية تتمسك بالحياة في فيلمها الثاني | حاتم منصور
على ذكر السلاسل السينمائية، لا ينسى Free Guy توجيه رسالة تحية إلى بعض من أشهرها في تاريخ هوليوود، ويفعل ذلك في ثوانٍ خاطفة، لكنها كافية لتفجير كوميديا.
لعل هذه هي مشكلة الفيلم الحقيقية. عدم وجود خطوط سرد متماسكة ومتوازية تتحرك فيها الكوميديا مع الجانب الفلسفي الجاد بنفس القوة والسرعة. وهي مهمة نجح فيها مثلًا صناع فيلم عرض ترومان The Truman Show الذي دارت أحداثه عن تيمة مشابهة (بطل يكتشف أن عالمه مزيف).
Free Guy إجمالًا وجبة سينمائية دسمة من حيث المرح والتسلية، وعمل جيد يتحرك في مسار طموح دون أن يتجاهل التوابل الجماهيرية التي تشترطها هوليوود لتمويل فيلم من فئة الـ 100 مليون دولار.
لكنه أيضًا عمل من النوع الذي تتوقف أمامه لتتساءل: هل كان من الصعب إصلاح عيوب وهفوات النصف الثاني، للوصول إلى درجة العظمة والخلود السينمائي؟
الواقع الافتراضي لم يصل للمأمول تسويقيًا.. المشكلة والحل عند النساء | س/ج في دقائق
رغم هذا يتركنا الفيلم مع أسئلة مهمة عن البرمجيات والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الغد. وسيكون من المثير إعادة النظر إلى فيلم كهذا بعد عقود من الآن للتساؤل: إلى أي مدى أصابت توقعات هوليوود؟
على عكس ألعاب الفيديو جيم التي تزداد إثارة ومرحًا كلما تقدمت فيها، فالنصف الأول هنا هو الأكثر إثارة ومرحًا. لكن اللعبة ككل لا تزال تستحق وقتك بفضل وجود ريان رينولدز، وبفضل ألاعيب بصرية مسلية.