The Purge | كيف ربط فيلم التطهير 25 يناير بـ 30 يونيو وتحفيل السوشال ميديا؟ | شريف ثابت

The Purge | كيف ربط فيلم التطهير 25 يناير بـ 30 يونيو وتحفيل السوشال ميديا؟ | شريف ثابت

20 Jan 2021
شريف ثابت دقائق.نت
السوشيال ميديا الشرق الأوسط سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في صيف 2013، وقبيل أيامٍ من موعد دعوات التظاهر يوم الثلاثين من يونيو في مصر، طُرِحَ فيلم “التطهير” The Purge من بطولة إيثان هوك ولينا هيدي، وتأليف وإخراج جايمس ديمانكو.

الفيلم المُنتمي لطائفة أفلام الدستوبيا يستند إلى فرضية خيالية مرعبة، وهي التجاء الحكومة الأمريكية المُثقل كاهلها بأزمات اقتصادية ومجتمعية هائلة، إلى حل غير تقليدي لهذه الأزمات:

تخصيص ليلة واحدة من كل عام، تسقط فيها العقوبات، وتُباح جرائم القتل والسرقة والتخريب لمدة 12 ساعة من السابعة مساءً للسابعة صباحًا، وتُعلَق خلالها كل خدمات النجدة والإسعاف؛ بغرض تفريغ طاقات الغضب المكبوتة بسبب تردي الأحوال المعيشية، والتخفف من الأعداد التي ستسقط في ساعات التطهير تلك، وتغليف كل هذا الجنون بشعارات وطنية من قبيل “من أجل أمريكا. أُمة أعيدَ ميلادها”.

تعطيل كل الكوابح

نجحت الفكرة المُختلفة والمُخيفة، والتي تشتبك مع مخاوف حضريّة مُعاصرة ازدادت وطأتها خلال السنوات الأخيرة مع استفحال الأزمات الاقتصادية وأخطار الإرهاب والفوضى وسقوط الأنظمة،

وسرعان ما دارت عجلات السبوبة، وتحول فيلم “التطهير” The Purge إلى سلسلة بلغ عدد أجزائها حتى الآن أربعة أفلام، بالإضافة إلى مسلسل تلفزيوني.

فكرة السلسلة ومصدر الرعب فيها أنها تشير بوضوح إلى أن الشرير لا يُشترط أن يكون سفاحًا متسلسلًا، أو آكل لحوم بشر أو مسخًا أنتجته معامل الهندسة الوراثية، بل يمكن ببساطة أن يكون أي واحد منا.

أنا أو أنت أو جارك الشهم الجدع أو صديقتِك الصدوق أو زميل العمل أو رفيق المواصلات أو فتى الديلڨري إلخ، بل وأقرب الناس إليك: امرأتَك أو رجلكِ، شريك وشريكة الحياة.

نزعات التوحش البدائية وارتكاب أفظع الجرائم موجودة بالفعل بداخل كلٍ منا، حيث يتم كبتها في اللاشعور تحت تأثير قوى نفسية واجتماعية متفاوتة بحسب طبيعة المجتمعات، ومقدار تحضرها، وما ينبثق عنه من أعراف وتعاليم وقوانين.

فكرة فيلم “التطهير” The Purge هي تعطيل كل هذه الكوابح، واستثارة المسخ المكبوت في اللاشعور حتى يستيقظ ويتولى دفة القيادة. ومن هنا تنفجر نزعات التوحش لدى الجميع، فتسقط الحضارة ويرتدوا جميعًا إلى نماذج بدائية وحيوانات مفترسة تنهش بعضها البعض.

The Purge Horror GIF by THE PURGE: ANARCHY - Find & Share on GIPHY

فيلم التطهير.. من الشوارع إلى السوشال ميديا

فلنبعد قليلًا عن هذا الجحيم، وننتقل إلى واقعنا الحياتي الذي نألفه.

قبل عشر سنوات بالتمام والكمال انطلقت الشرارة، وتحولت شوارعنا لميادين كر وفر، واصطبغ الأسفلت بالدماء على وهج السيارات المحترقة، وامتلأ الجو بالدخان وأبخرة الغاز المسيل للدموع.

سنوات يناير 2011 كانت تجربة مُصغرة من فيلم التطهير..

جرى تعليق القوانين لصالح قانون وحيد هو “الثورة” مُغلف بشعارات رنانة بدءًا من “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” حتى وصلت إلى “الإسلام هو الحل”.

ولم ينقشع هذا الكابوس إلا بنزول الدبابات لاستعادة السيطرة وإيقاف عجلة الفوضى.

هل انتهى فيلم التطهير إذن؟

هل عاد المسخ إلى اللاشعور؟

الإجابة لا.

كل ما في الأمر أنه انتقل إلى ساحة أخرى. إلى السوشال ميديا، حيث لا رقيب ولا عتيد إلا خوارزميات السيد مارك زوكربرج وإخوته على تويتر وإنستجرام، والتي لا تكترث إلا بمعايير معينة.

The Purge Gif | Explore Tumblr Posts and Blogs | Tumgir

التطهير بالتحفيل

هنا، في براح السوشال ميديا “تسقط فيها العقوبات، وتُباح الجرائم”.

من حقك مادمت تملك حسابًا وهاتفًا نقالًا أن تتنمر، تهين، تكذب، تختلق وتنشر الشائعات والأكاذيب. بمقدورك الافتراس وممارسة القتل والاغتصاب المعنوي فيما يُعرف بـ “التحفيل”، وهو انخراط المئات أو الآلاف في السخرية وكيل أفظع الإهانات

نهش عرض شخصية بعينها عامة أو غير عامة لمجرد المخالفة في الرأي. بإمكانك الاحتفاء بالإرهاب ودعمه والترويج والتأصيل له، وليس بوسع أحد حتى مساءلتك.

في العالم الافتراضي أنت حر. لا سلطان عليك إلا ضميرك. والضمير كائن حي يمكن تخديره و”ترويضه”.

لاحظ أن فكرة فيلم “التطهير” في رابع أجزاء السلسلة قد واجهت عند بدء تدشينها مقاومة مستميتة من الكتلة الأكبر من المواطنين الأسوياء الرافضين لهذا الجنون.

لكن النظام المُسيطر والراغب في إنجاح التجربة بأي ثمن دفع بالميليشيات لتجوب الشوارع وتقتحم البيوت وتقتل الأبرياء والعزل، وذلك لاستثارة المسخ ودفعه للخروج من اللاشعور، والنتيجة أنه بعد بضع سنين، توطن السلوك البربري، وأصبح التطهير مناسبة ينتظرها الشعب لإخراج المسخ إلى النور.

هنا على السوشال ميديا ستجد آليات شبيهة، الحسابات المزيفة واللجان الإلكترونية والصفحات الممولة التي تُدار من الخارج، تطلق الأكاذيب وتبث سموم الكراهية وتشحن النفوس وتتاجر بآلام الناس لأغراض سياسية بحتة، وتستثمر في الجهل والتطرف الذي زرعته التيارات الإسلامجية في الوعي المصري على مدار عقود طويلة سابقة حتى استوطنه وأعاد تشكيله.

والألعن والأكثر فداحة هي المواقع الألكترونية التي يُفترض فيها حد أدنى من المهنية والمسؤولية، تخلت عنه طواعيةً من أجل اللحاق بالترندات، وانخرطت في استثمار وتشجيع سلوكيات الغابة تلك لتحصل على نصيب أكبر من كعكة التفاعل.

تطبيق فيلم التطهير بحذافيره

والنتيجة عالم افتراضي رهيب أقرب لما نشاهده في أفلام الزومبي، وأجواء سلسلة “التطهير” بحذافيرها، فالمسخ خرج من اللاشعور بل واتشح بمسوح دينية وأخلاقية مصدرها الوعي المشوه الذي تشكل بفضل الشيوخ والأئمة الذين اعتلوا المنابر وملأوا شرائط الكاسيت وساعات البث الفضائي لسنوات وسنوات،

فأصبح من الطبيعي أن تصادف كاذبًا أشرًا يقذف الناس بتهم العهر والدياثة والانحلال ويخوض في أعراضهم بأحط الشتائم، بينما صورة البروفايل خاصته مُزينة بشعار “إلا رسول الله”!

السوشال ميديا خرجت عن السيطرة بالفعل حين وضعت – بتخطيط شيطاني- العربة أمام الحصان، وفتحت الباب لخروج ملايين المسوخ من اللاشعور إلى الشعور فأصبحت العوالم الافتراضية مدنًا سوداء تعج شوارعها بالزومبي والمتوحشين والبرابرة، يمارسون التوحش افتراضيًا على أوسع نطاق، وذلك توطئةً للحظة الانتقال من الواقع الافتراضي إلى العالم الحقيقي.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك