في 1178م، حقق صلاح الدين الأيوبي نجاحًا كاسحًا في السيطرة على كل المدن الشامية تقريبًا من أيدي الصليبيين، وعلى رأسها بيت المقدس، إلا مدينة صور.
تلك المدينة شديد التحصين، أكبر قاعدة صليبية، التي امتلأت بالجنود الأوروبيين الهاربين من مختلف المناطق التي استعادها صلاح الدين.
استبسلت حامية صور في الدفاع عنها، حتى ملّ عسكر صلاح الدين، وطلبوا العودة إلى بلادهم قبل أن يضيع عليهم موسم الزراعة.
استجاب لهم صلاح الدين في النهاية، ليعود إلى القاهرة، منهيًا حملته العسكرية الناجحة بفشل وحيد سيدفع ثمنه غاليًا في المستقبل.
ستظلّ صور موطئ قدم الصليبيين في الشام، وتُصبح مركز التجمع الرئيسي في الحملة الصليبية الثالثة، التي سيجري الإعداد لها فور معرفة ملوك أوروبا الأنباء الصادمة باستيلاء صلاح الدين على القدس.
في الوقت الذي تجشم فيه صلاح الدين نفقات طائلة في هذه المعركة، تجاوزت 4 ملايين دينار في 1181م، امتنع الخليفة العباسي الناصر لدين الله عن دعم صلاح الدين، رغم أن صلاح الدين بعث له رسالة يستغيث فيها من الوضع السيئ الذي بلغه جيشه بعد المعارك الطويلة مع الصليبيين.
لم يستمع الخليفة العباسي لصلاح الدين، وأرسل له مقدارًا زهيدًا من المال والمعونة.
أتت هذه الخطوة السلبية من بغداد، بالرغم من المعروف الكبير الذي أسداه صلاح الدين إلى الخلافة العباسية بعدما قضى على عدوتها اللدود الخلافة الفاطمية، وأعاد مصر إلى الطاعة العباسية السُنية مُجددًا.
في الوقت ذاته، لم تأتِ صلاح الدين أي نجدة مغربية من الأندلس بسبب علاقته السيئة بخلفاء دولة الموحدين، والنيّة القديمة لكل فريق في الاستيلاء على مُلك الآخر.
تحولت هذه الأطماع المتبادلة إلى اشتباكات عسكرية محدودة، تقاتل فيها الجمعان ذات مرة.
رغم ذلك، بادَر صلاح الدين بإرسال استغاثة إلى خليفة الموحدين أبي يوسف يعقوب المنصور، يُطالبه بدعمٍ عاجل عقب سقوط عكا.
قال صلاح الدين للمنصور: نحن أحوج ما كنّا الآن إلى النجدة البحرية والأساطيل المغربية، فإن عاريتنا بها ترد وعاديتنا بها تشتد.
لم يستجب الخليفة المرابطي أيضا لنداء صلاح وتركه وحده أمام الصليبيين.
حقق الصليبييون انتصارًا معنويًّا هائلاً على صلاح الدين قُرب قرية أرسوف في سبتمبر 1191م، لتكون ثاني ضربة موجعة يتلقاها صلاح الدين بعد سقوط عكا في يوليو من ذات العام.
لم تمثل الهزيمة خسارة كبيرة للجيش المُسلم في العتاد أو الجنود، لكنّها أفقدت صلاح الدين الهالة التي أحاطها به الأعداء والأصدقاء، بأنه قائد لا يُقهر.
وجرت خلافات بين صلاح الدين وبعض قادة جيشه لأول مرة، وبحسب المؤرخ ابن شداد "كان في قلبه (يقصد صلاح الدين) من تلك الواقعة ما لايعلمه إلا االله، والناس بين جريح الجسد وجريح القلب".
لذا كان صلاح الدين أكثر استعدادًا هذه المرة لقبول أي اتفاق مقبول سيصل إليه عبر التفاوض مع ريتشارد.
بعد الهزيمة ذائعة الصيت في أرسوف ظهرت الخلافات في الجيش الأيوبي، الذين سأم جنوده من القتال 15 شهرًا متتالية ضد الصليبيين.
فعندما طلب صلاح الدين من بعض أمرائه الذهاب إلى عسقلان وتنظيم الدفاع عنها امتنعوا.
وبحسب المؤرخ ابن الأثير قالوا له "إن ردت حفظها فادخل أنتَ معنا، أو بعض أولادك الكبار، وإلا فما يدخلها منّا أحد لئلا يصيبنا ما أصاب أهل عكا".
وعندما طلب من بعض قادته التحصن داخل القدس وتقوية أسوارها، رفضوا كيلا يحاصرهم الصليبيون فيها كما فعلوا في عكا أيضًا.
وليس هناك أدل على يأس صلاح الدين من عدم قُدرته على الدفاع عن حصونه من أنه استبق هجوم الصليبيين الوشيك على مدينة عسقلان الحصينة بإخلائها وتدمير حصونها، كيلا تسقط في أيدي الصليبيين، وهو ذات ما فعله في قلاع اللد والرملة والنطرون.
هـدنة الرملـة والظروف المحيطة بها، رياض شاهين (بحث)
الأوضاع السياسية للساحل الشامي ما بين (٥٨٥ ٦٩٠ه)، زينب خير الدين (بحث)
في الصراع الإسلامي – الصليبي (معركة أرسوف)، محمد مؤنس (بحث)
علاقات صلاح الدين الأيوبي بالمغرب الإسلامي، عبدالحميد السامرائي (بحث)