القصة في دقيقة:
في صيف 2013، واجهت مصر انقطاعات الكهرباء بمتوسط وصل 6 ساعات يوميًا. التكدس في محطات الوقود كان مشهدًا اعتياديًا.
انقطاعات التيار الكهربائي تصل إلى ست ساعات يوميًا، وساعات الانتظار في محطات الوقود تحوم حول ذلك. الاستهلاك تجاوز قدرة الإنتاج، بينما صناعة الطاقة تعمل فقط بـ 70% من طاقتها نتيجة لنقص الإمدادات، ما رفع بدوره معدلات البطالة.
وعندما اعتقدت الحكومة أنها وجدت الحل بإعادة توجيه مخصصات التصدير من النفط والغاز إلى السوق المحلية سقطت في أزمة أخرى.. تراكم الديون بمليارات الدولارات لشركات النفط العالمية.
أزمة 2013/2014 لم تكن الأولى التي تواجهها مصر في قطاع الطاقة، لكنها كانت القشة الأخيرة في تراكم طويل من الأزمات.
بعد 2014 تغير المسار. الآن، تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وتملك فائضًا في المعروض من الكهرباء، وسددت أكثر من 80% من ديونها النفطية الدولية، وتتحول إلى مكان جذاب لمستثمري الغاز.
وبعد ست سنوات فقط، ورغم صدمة قطاع الطاقة العالمي نتيجة تراجع الأسعار وجائحة كورونا، تعيد مصر وضع نفسها على مستوى مختلف بدا مستحيلًا في صيف 2014.. تتحضر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة يغطي احتياجات 3 مناطق: الشرق الأوسط، أوروبا، وأفريقيا،
بينما تنوع هي استثماراتها إلى قطاعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي من المتوقع أن تساعد في تمهيد الطريق لمزيد من الاستثمار ات المستقبلية.
فكيف حققت مصر هذه المعادلة؟
وما مستقبلها في سوق الطاقة عالميًا؟
أي تحديات تواجهها؟ وهل بإمكان القاهرة تجاوزها؟
التفاصيل:
س/ج في دقائق
أين وضع مصر بين قائمة منتجي الطاقة حاليًا؟
النفط والغاز بين أكثر الصناعات ديناميكية في مصر.. أكبر منتج للنفط في أفريقيا وأحد أكبر منتجي الغاز في القارة.
إنتاج الهيدروكربونات أكبر صناعات البلاد “حوالي 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019”.
تلعب مصر كذلك دورًا حيويًا في نقل الطاقة العالمية؛ عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد، وهي مسارات استراتيجية لشحنات النفط الخام والمنتجات البترولية من الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
ودعمًا لطموحات التحول إلى مركز إقليمي، أطلقت مصر منظمة غاز شرق المتوسط . كما تعزز علاقاتها مع إسرائيل بصفقة 20 مليار دولار، تشمل كونسورتيوم من نوبل إنرجي الأمريكية، وديليك دريلنج الإسرائيلية، ودولفين هولندجز، والذي بدأ ضخ الغاز من حقلي تمار وليفياثان إلى مصر في يناير 2020.
بالإضافة، أبرمت مصر اتفاقية مع قبرص لبناء خط أنابيب تحت سطح البحر.
وتخطط مصر لاستخدام الغاز المستورد للمستويين المحلي والتصديري عبر محطات الإسالة على ساحل المتوسط.
وتعزز بنية الطاقة التحتية في مصر مكانتها كمركز للطاقة عبر محطتي تسييل الغاز في إدكو ودمياط، حيث تصدر منها شحنات الغاز إلى الأسواق العالمية. وتشمل البنية التحتية الإضافية 19 محطة بترولية على طول البحر المتوسط وخليج السويس، و29 منشأة معالجة.
منتدى غاز شرق المتوسط.. خبر صغير في الجرائد وتطور كبير في السياسة | س/ج في دقائق
كيف أصلحت مصر ما أفسدته أزمة الطاقة 2013/2014؟
خضع قطاع الطاقة في مصر لإصلاحات واسعة بين 2014-2016 شملت خفض الدعم، بالتزامن مع تطوير ظهر، أكبر حقول غاز المتوسط.
وفي 2016، أطلقت مصر مشروع تحديث النفط والغاز (OGMP) لتحرير سوق النفط، وإعادة هيكلة قطاع الطاقة عبر سلسلة القيمة (Value Chain)، ووقعت اتفاقية قرض بـ 12 مليار دولار مع صندوق النقد، تركز على 3 إصلاحات:
نقدية: حررت سعر الصرف، لتنخفض قيمة الجنيه إلى النصف.
مالية: خفضت الدين العام بخفض دعم الطاقة.
هيكلية: نفذت سياسات تحاول تبسيط العمليات البيروقراطية.
الإصلاحات السريعة واكتشافات الغاز جددت اهتمام المستثمرين الأجانب بقطاع الطاقة بعدما تخلت حكومة مصر عن احتكارها لإنتاج الغاز. ورفعت نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.6% في 2019 مقارنة بـ 4.6% في السنوات الثلاث السابقة.
التحسينات الإضافية شملت: توليد فائض أولي قوي في الميزانية، وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية.
كما استثمرت مصر 25 مليار جنيه بين 2019 و2020، وتخطط لإنفاق 12 مليارًا إضافية فورا لتحديث قطاع نقل الكهرباء عبر إنشاء شبكات ذكية تدمج التكنولوجيا الرقمية مع النظام الكهربائي التقليدي الحالي لرفع كفاءة النقل إلى أقصى حد عبر السماح بتخزين الطاقة، وبالتالي تحسين فرص استخدام الطاقة المتجددة.
هل تصل مصر إلى الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي؟ الإجابة في فيديو جيم | خالد البري
هل اكتفت مصر بالغاز والنفط كرافدين للطاقة؟
عملت مصر على تنويع روافد الوقود لإنشاء محفظة الطاقة الأكثر كفاءة واستدامة.
تهدف مصر للحصول على 20% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2022، و42% بحلول عام 2035، و55% بحلول 2050.
على غرار إصلاحات الغاز، من المتوقع أن يقدم القطاع الخاص معظم الطاقة المتجددة عبر مصدرين:
الطاقة الشمسية:
البنية التحتية للطاقة الشمسية باهظة الثمن تاريخيًا. لذا، اضطرت مصر الاعتماد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري.
مع انخفاض أسعار مكونات الطاقة الشمسية مؤخرًا، تتطلع مصر إلى زيادة إنتاجها للطاقة من المصادر المتجددة بشكل كبير.
يتكون مجمع بنبان، المشروع العملاق للطاقة الشمسية في مصر، من أكثر من 32 مشروعًا للطاقة الشمسية على مساحة 36 كيلومترًا مربعًا من صحراء أسوان. وستولد أكثر من 2.000 ميجاوات كافية لتشغيل مليون منزل وشركة.
محطة كوم أمبو، وهي مشروع آخر للطاقة الشمسية قيد التنفيذ حاليًا في أسوان. ستتألف من ألواح شمسية مزدوجة الجوانب، ومن المتوقع أن يكتمل البناء في أوائل 2021. لتوفير الكهرباء لـ 130 ألف منزل.
الرياح:
تتمتع مصر بموارد وفيرة من طاقة الرياح، خاصة في خليج السويس ووادي النيل، وقد زادت من قدرتها الإجمالية لتوليد طاقة الرياح من خلال مزارع الزعفرانة وجبل الزيت والغردقة.
وبدأت بناء محطة جديدة في خليج السويس. من المتوقع أن تنتج 250 ميجاوات من الطاقة ترفع حصة طاقة الرياح بنسبة 18% بمجرد تشغيلها في 2021.
تغيير جذري لخريطة الطاقة في الشرق الأوسط.. هناك رابحون وهناك إيران ولبنان | س/ج في دقائق
لماذا لا يكفي كل هذا احتياجات البلاد؟
رغم مضاعفة قدراتها، ستحتاج مصر إلى ما يصل 100 جيجاوات من الطاقة الجديدة على مدار 15 عامًا مقبلة لمواكبة النمو السكاني والنمو الاقتصادي.
ولا تزال الطاقة المتجددة تمثل أقل من 10% من إجمالي السعة المركبة في مصر.
ومع هدف الحكومة المتمثل في الحصول على 42% من الطاقة من المصادر المتجددة بحلول 2035، تحتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى التوسع بشكل كبير.
ثورة فرانكنشتاين.. الرحلة في نهايتها لن تسير إلا للخلف | خالد البري | رواية صحفية في دقائق
هل يمكن أن تفشل كل تلك الجهود في النهاية؟
في الأشهر الأخيرة، أدى انهيار أسعار النفط، مع عمليات إغلاق كورونا، واضطرابات سلسلة التوريد، إلى أدنى طلب على النفط في التاريخ، لتوقف الشركات متعددة الجنسيات أهداف الاستثمار مؤقتًا.
الإصلاحات السابقة والاحتياطيات الأجنبية خففت بعض تأثير كورونا وانهيار أسعار النفط على التصنيف الائتماني في مصر. ويتوقع الخبراء سد العجز الناتج عن تدفقات رأس المال الخارجة بسيولة العملة الأجنبية على المدى القصير، والتي انتعشت إلى 38 مليار دولار في يونيو ويوليو وأغسطس.
ورغم تراجع قطاعي السياحة والتحويلات الخارجية، بقيت مصر واحدة من الدول القليلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد نموًا اقتصاديًا إيجابيًا وفق بيانات البنك الدولي.
وواصلت مصر نجاحها الاقتصادي، باتفاقيتي قروض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد، وهو ما ساعد في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية لأول مرة منذ أربعة أشهر منذ أن ضرب كورونا الاقتصاد المصري.
الإصلاحات لم تصل نهايتها، تحتاج مصر الإصلاح، ثم الإصلاح، ثم الإصلاح، وفق معهد الشرق الأوسط، كي تصل وجهتها النهائية. لكن المعهد موقن أنه من غير المحتمل أن تعود مصر للخلف أو تضطر لإظلام أنوارها مجددًا.
5 آثار سلبية على مصر والأردن ولبنان بسبب انخفاض أسعار نفط الخليج | قوائم في دقائق
هل هناك مزيد من المصادر لزيادة المعرفة؟
هل ستبقى الأنوار مضاءة في مصر؟(معهد الشرق الأوسط)