شون كونري.. لا تقل أبدًا مجرد بوند.. جيمس بوند | حاتم منصور

شون كونري.. لا تقل أبدًا مجرد بوند.. جيمس بوند | حاتم منصور

1 Nov 2020
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بوند.. جيمس بوند.

قد تكون الجملة السابقة واحدة من أشهر أيقونات السينما العالمية الآن. لكن عندما نطقها الممثل الأسكتلندي شون كونري وهو يشعل سيجارته في ثبات وثقة وأرستقراطية، أثناء تصوير فيلم دكتور نو Dr. No أوائل الستينيات، لم تكن الأمور كذلك. ولم يكن جيمس بوند شخصية عالمية معروفة بعد، ولم يكن صناع الفيلم مدركين أنهم في طريقهم لوضع حجر الأساس لأشهر سلسلة سينما في التاريخ.

والأهم أن شون كونري نفسه لم يكن يدرك – غالبًا – أن هذه هي اللحظة التي ستشهد ميلاد أسطورته سينمائيًا كممثل وأيقونة جاذبية، وانتقاله أخيرًا إلى مصاف النجوم.

مشهد (بوند.. جيمس بوند) – فيلم Dr. No

لكن مسيرة شون كونري قبل الدور لم تكن تسير بنفس درجة الثبات والثقة والأرستقراطية التي نطق بها الجملة، بل كانت في الحقيقة النقيض التام.

وُلد شون كونري في 25 أغسطس 1930، لأم تعمل كعاملة نظافة، وأب يعمل في مصنع. وقبل اتجاهه للتمثيل ومنذ طفولته، عمل في العديد من الأعمال الأخرى بسبب ظروفه الأسرية المتواضعة، كعامل توصيل ألبان، سائق شاحنة، مُلمع توابيت، وأخيرًا كمدرب كمال أجسام في الصالات الرياضية، وهي المهنة التي تناسب بنيانه الضخم.

العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود

بفضل هذا البنيان ابتسم الحظ له لاحقًا؛ مرة عندما التحق بالقوات البحرية في شبابه، لكن الحال تغير سريعًا وتم تسريحه منها لأسباب صحية، ليجد نفسه في عمر الـ 23 مضطرًا للاختيار بين العودة للعمل كمدرب متواضع في الصالات الرياضية، أو محاولة شق طريقه للتمثيل. ومن حسن حظنا وحظه أنه اختار الثانية.

من جديد، أفاده قوامه الرياضي الضخم في الفوز بعدة أدوار صغيرة في التليفزيون في منتصف الخمسينيات، ورغم تقديمه لبعض الأدوار التليفزيونية المهمة بعدها، التي كان منها مثلًا دور ماكبث المقتبس من مسرحية شكسبير الشهيرة، أو مشاركته في فيلم عائلي غنائي ناجح لديزني بعنوان Darby O’Gill and the Little People عام 1959، ظل خارج نطاق الشهرة والنجومية العالمية.

شون كونري يغني في Darby O’Gill and the Little People

أوائل الستينيات، بدأ البحث عن ممثل للقيام بدور الجاسوس البريطاني جيمس بوند في السينما، بعد رواج مبيعات رواياته التي ألفها آيان فليمنج. والطريف أن المنتجين أرادوا وقتها نجمًا كبيرًا للدور، وتفاوضوا بالفعل مع أسماء لها وزنها كان منها كاري جرانت الذي رفض العرض.

بعد فشل في التعاقد مع نجم للدور، ورحلة بحث وعناء طويلة، وقع الاختيار على شون كونري. ويُقال إن بنيانه الجسماني الضخم كان من أهم عوامل تفضيل المخرج تيرينس يونج له.

مأساة فاتن حمامة (2) | رفضت جيمس بوند من أجل صورة “سيدة الشاشة” | أمجد جمال

نفس هذا البنيان كان ضمن سببين لرفض مؤلف الروايات آيان فليمنج لاختيار شون كونري.. لأن وصف جسم جيمس بوند في الروايات وقتها لم يكن يطابق نهائيًا جسمه الضخم. أما الثاني فكان لكنته الأسكتلندية المتعارضة مع بوند الإنجليزي الأصل واللكنة.

على كل، رغم رفض آيان فليمنج للاختيار، وصل أول أفلام جيمس بوند دكتور نو Dr. No إلى الشاشات عام 1962 مع شون كونري في الدور. باقي القصة نعرفها جميعًا: نجاح هائل ضمن لبوند العودة في أفلام أخرى، كان نصيب كونري منها 6 أفلام إضافية.

أفلام جيمس بوند التي قام شون كونري ببطولتها

الطريف أن آيان فليمنج نفسه عدل رأيه بعد نجاح الفيلم الأول، واعتبر اختيار شون كونري موفقًا جدًا للبطولة. بل وأعاد وصف جيمس بوند أثناء كتابة روايته التالية من أجل صاحبة الجلالة On Her Majesty’s Secret Service ليصبح مماثلًا لكونري من حيث الطول والضخامة والبناء العضلي.

بصياغة أخرى، فرض شون كونري نفسه ككارت التعريف لجيمس بوند، ليس فقط بالنسبة لأي ممثل قدم الدور لاحقًا، لكن حتى على مبتكر الشخصية نفسه!

الإعلان الأصلي لفيلم دكتور نو  – 1962

محاولات شون كونري للنجاح خارج شخصية بوند تضمنت أعمال أخرى، أشهرها فيلم الإثارة والتشويق مارني Marnie عام 1964 تحت قيادة أستاذ هذه النوعية ألفريد هتشكوك، والفيلم الحربي التل The Hill عام 1965 تحت قيادة المخرج المعروف سيدني لوميت. لكن رغم الاشادة النقدية بأغلب هذه الأعمال، لم ينجح أي منها في تحقيق نجاح تجاري وجماهيري.

وقتها، اعتبر كثيرون أن شون كونري ينجح فقط تحت عباءة جيمس بوند.. النظرية التي احتاج كونري عقدًا آخر كاملًا لينسفها، عندما قدم في السبعينات أعمالًا نالت إشادة النقاد، وحققت أيضًا إيرادات ممتازة في شباك التذاكر.

أشهر أفلام شون كونري في السبعينيات

أوائل الثمانينيات، وتحديدًا في 1983، عاد شون كونري لدور جيمس بوند للمرة الأخيرة في فيلم لا تقل أبدًا لا ثانية Never Say Never Again وهي العودة التي حققت نجاحًا بمعايير شباك التذاكر، لكنها صُنفت لاحقًا كقرار خطأ منه بالعودة للدور في هذا السن.

على كل، بقدر ما أصبح السن عائقًا للعودة لدور بوند، بقدر ما أصبح أيضًا الكارت الذي استفاد منه لاحقًا كونري في باقي مشواره. وعلى عكس غيره من النجوم، أضاف السن لكونري مزيدًا من الحضور والرونق والهيبة والحكمة والجاذبية وسط الجنس الناعم.

كلينت إيستوود يحارب الزمن فيThe Mule ‎ | حاتم منصور

هذه النقطة استفاد منها جدًا في الثمانينيات، بفضل أعمال حقق بعضها نجاحًا تجاريًا وجماهيريًا فقط، مثل فيلم المغامرات الخيالية Highlander. وأخرى نالت أيضًا إشادة فنية، وأصبحت من الكلاسيكيات مثل باسم الوردة The Name of the Rose.

لكن سنتوقف أمام أفلام أخرى تستحق نظرة تأمل من حيث استفادتها بحضور وبرسونا وتاريخ شون كونري كنجم، وبسنه العجوز:

The Untouchables – 1987
الممنوع لمسهم

في الممنوع لمسهم للمخرج بريان دو بالما، يقوم شون كونري بدور ضابط شرطة مخضرم عجوز، يعلم الكثير عن خفايا عصابات المافيا، ويقرر مساعدة الضابط الشاب إليوت نيس (كيفين كوستنر) للإيقاع بآل كابون (روبرت دي نيرو).

حضور شون كونري هنا وتاريخه كنجم كانت عناصر مفيدة للفيلم، في شخصية مزجت الحكمة والخبرة، بالطباع القاسية والجدية والعملية التي اعتدناها منه في أفلام جيمس بوند. النتيجة كانت واحدًا من أنجح أفلام العام، وفوز لكونري بالأوسكار كأفضل ممثل مساعد.

شون كونري في مشهد من The Untouchables

خطبة فوز شون كونري بالأوسكار عن The Untouchables

Indiana Jones and the Last Crusade – 1989
انديانا جونز والمغامرة الأخيرة

الجزء الثالث من سلسلة إنديانا جونز جونز الشهيرة، واللحظة التي احتاج فيها ستيفن سبيلبرج لنجم عجوز ينافس هاريسون فورد، وهذه الشخصية الأيقونية من حيث الحضور والكاريزما والسحر وخفة الظل.

من وسط نجوم هوليوود أنسب لدور كهذا، من شون كونري؟!

شون كونري في مشهد من Indiana Jones and the Last Crusade

The Hunt for Red October – 1990
صيد أكتوبر الأحمر

قبطان روسي يقترب بغواصته النووية للحدود الأمريكية عام 1984. والسؤال المحير المرعب أمام القادة الأمريكيين هو: هل انتهت مرحلة الحرب الباردة، وأصبح العالم على مشارف حرب نووية شاملة، أم أن هناك سببًا أخر وراء رحلة هذا القبطان؟

دور القبطان الروسي يناقض تاريخ شون كونري، وشخصية جيمس بوند التي تحدت دومًا معسكر السوفيت الشرقي. لكن الاختيار الذكي من المخرج جون ماكتيرنان لكونري بكل جماهيريته في الدور، منح للمتفرج الأمريكي وقتها سببًا في التردد أمام دوافع هذه الشخصية الغامضة، وهي جزئية مطلوبة للقصة والأحداث.

مشهد من The Hunt for Red October

Robin Hood: Prince of Thieves – 1991
روبين هود: أمير اللصوص

ظهور شرفي لكونري في نهاية الفيلم في دور الملك ريتشارد، وهو يبارك زيجة روبين هود، في لحظة طريفة لم يستفد منها الفيلم فقط بوزن وتاريخ كونري كرمز لبريطانيا، لكن استفاد أيضًا بحقيقة أنه قدم سابقًا دور روبين هود نفسه عام 1976 في فيلم Robin and Marian.

المشهد المذكور من فيلم روبين هود: أمير اللصوص

The Rock – 1996
الصخرة

ماذا سيحدث لجيمس بوند عندما يكبر في السن؟

السؤال مثير للفضول، لكن ما دمنا نتحدث عن شون كونري، فبوند بالتأكيد قد يتوغل الشيب لشعره، وتغزو التجاعيد لوجهه، لكنه لن يفقد أبدًا حماسه وعزيمته وجاذبيته وقدرته على سحق الأوغاد!

في عيده الـ 20.. كيف غير “المصارع” هوليوود للأبد؟ | حاتم منصور

جيمس ميسون (لاحظ قرابة الاسم من جيمس بوند) هو عميل بريطاني عجوز محبوس في السجون الأمريكية بدون محاكمة منذ عقود بتهمة سرقة أسرار حربية. لكن بسبب أزمة إرهابية، ستضطر السلطات الأمريكية للاستعانة به، للمساعدة في اقتحام سجن الكاتراز الذي هرب منه سابقًا، حيث يحتفظ المختطفون بالرهائن.

يقدم شون كونري في الفيلم كل شيء معروف عن بوند، ابتداء من مطاردات السيارات العنيفة، وحتى القتال اليدوي والالتحام المباشر، وإطلاق النكات، في فيلم احتفظ برونقه كواحد من كلاسيكيات سينما الأكشن في التسعينيات.

شون كونري في The Rock

الخطأ الأكبر؟

لكن مقابل كل ما سبق من أدوار وأعمال، ساهمت في بناء أسطورة شون كونري وضمنت له الخلود وسط نجوم السينما، احتفظ كونري بقرار خاسر واحد مهم في تاريخه، عندما رفض دور الساحر جاندالف في ثلاثية مملكة الخواتم The Lord of the Rings الشهيرة. وهو الدور الذي أعلن صراحة عن ندمه لرفضه بعدها، لأنه كان سيصبح خير ختام لمشواره السينمائي قبل الاعتزال.

الأكثر طرافة أن المنتجين عرضوا عليه وقتها 15% من إجمالي الإيرادات، في فترة لم يتوقع فيها أي منهم أن الثلاثية ستحقق كل هذا النجاح في شباك التذاكر. هذه النسبة معناها الآن أن موافقة كونري على الدور، كانت ستضيف لرصيده البنكي أكثر من 400 مليون دولار أمريكي، وهو رقم قياسي لم ينله نهائيًا أي ممثل عن دور واحد!

صورة تخيلية لـ شون كونري في دور جاندالف

قد يكون القرار مجرد سوء حظ. أو ربما استيقظ شيطان جيمس بوند الذي بداخله وأجبره على رفض الدور، لكى يستحوذ بوند وحده – وللأبد – على النصيب الذهبي من اسم وأمجاد وإرث شون كونري دون منافس آخر!

المثير في الأمر على ذكر إرث شون كونري أن الأحزان الصادقة التي غزت السوشال ميديا بعد خبر وفاته، لم تكن مجرد وداع لممثل آخر ترك بصمته وسط مليارات المعجبين والمعجبات، ولم تكن أيضًا مجرد وداع لأول وأشهر جيمس بوند.

أتخيل أنها كانت أيضًا وداعًا لعصر ذهبي كامل، لم تخجل فيه السينما من الانحياز لنماذج ذكورية صريحة. نماذج اعتبرها الذكور قدوة، واعتبرتها البنات فتى الأحلام. عصر لم يخضع فيه صناع السينما لمزايدات معاصرة بائسة مثل الصوابية السياسية والأجندات النسوية، التي تواصل يوما بعد يوم نهش جسد هوليوود، لدرجة وصولنا لأسئلة سخيفة ومبتذلة من نوعية: لماذا لا نجعل جيمس بوند القادم امرأة؟

كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور

هذا سؤال يصعب إجابته بطريقة مهذبة! لكن على كل يكفينا أن شون كونري ترك لنا تراثا يغنينا عن هذه النقاشات، وأن الأجيال التي لم تعاصر أفلامه في الستينيات، لا تزال تعشق مشاهد ذكورية صريحة رائعة له مثل المشهد التالي، وتستخدمها بإفراط على السوشال ميديا.

مشهد من فيلم بوند Thunderball

شون كونري كان أول جيمس بوند، وسيظل غالبًا أشهر جيمس بوند، لكنه بالتأكيد لم ولن يكون أبدًا مجرد جيمس بوند. قد يكون العكس. ربما لو تجسد جيمس بوند كشخصية حقيقية بعد عشرات السنين من الآن، وسألناه عن السبب الرئيسي لنجاحه وشهرته، ستكون الإجابة:

كونري.. شون كونري

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك