تعتبر رواية “الغريب” لألبير كامو من أشهر الروايات عالميًا بالفرنسية: L’étranger، كتبت باللغة الفرنسية في 1942، وترجمت للعربية عن طريق دار الآداب في 1990، وترجمتها عايدة إدريس.
وهذه الرواية من المذهب العبثي بالأدب، وقد ألفها كامو داخل سلسلة مؤلفات توصف فلسفته الخاصة.
وتتم أحداث “الغريب” داخل الجزائر مكان موُلد كامو، والبطل هو ميرسو وله جنسية فرنسية، وفي القصة ستقرأ الأحداث والمشاعر، وستعيشها مع المؤلف.
إن هذه الرواية تتألف من 150 صفحة، ولوصفها بجملة فمن الممكن أن نصفها بـ“اليوم ماتت أمي، أو ربما ماتت بالأمس.. لست أدري”، وهذه العبارة التي بدأ بها كامو الرواية، لتوضح عن الحالة النفسية الأبرز التي سيحيا بها مع ميرسو وهي اللامبالاة.
قد ترجمت الروايةإلى 40 لغة، وتبدأ بوفاة أم ميرسو كما هو واضح في الاقتباس، وورد فعله البارد، أو المنعدم، على موتها والتي توضح شقاً مهمًا من شخصيته، فميرسو إنسان لا يعرف التظاهر، ويتصرف بحسب مشاعره وأحاسيسه، لهذا لم يتوقف عن شرب القهوة والسجائر أمام جسد أمه مادام بحاجة لهذا.
بعيون الروايات| كيف نظر البشر للوباء من الموت الأسود لطاعون ألبير كامو | الحكاية في دقائق
إنّ العبثية تعتبر بالأساس مدرسة قائمة على فكرة العبث، والعبث لديهم معناه أن الإنسان وجوده في هذه الحياة ما هو إلّا عبثًا.
ومعناه أن أفعاله وأعماله جميعها ليس لها معنى، ولكن الإنسان يجتر فقط أفكاره وأفكار من قبله بعد أن فقد المقدرة على رؤية الأشياء بصورتها الطبيعية، وهذا جاء ردة فعل بعد أن صارت الآلة تسيطر على حياة الإنسان حتى العبودية لها.
وكان الإنسان قبل هذا يسعى أن يقوم بالعكس، وقد ظهرت هذه المدرسة في الأدب الأوروبي، وبعد هذا تحولت إلى آداب العالم الأخرى، وجدير بالقول أن أبرز شخصيتين داخل هذه المدرسة هما صمويل بيكيت، وألبير كامو صاحب رواية اليوم الغريب.
رواية الغريب كتبت من خلال كاتب معرفو بإثارة للجدل وأسمه ألبير كامو، أو يطلق عليه كامي في بعض الترجمات الأخرى، فهو كاتب قد كان من مواليد دولة الجزائر، ولد في مدينة موندافي في الجزائر وكان والده هو فرنسي الجنسية ووالته إسبانية.
في فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكان هذا سنة 1913م، من بعد ولادته بسنوات قليلة مات والده في الحرب العالمية الأولى، وعاش مع والدته بفقر مدقع، وكانت أمه مصابة صماء صمم جزئي، وقد أستكمل في الجزائر تعليمه الأساسي، وبعد هذا كانت الدرسة الجامعية في جامعة الجزائر بقسم الفلسفة، واستكمل دراساته العليا بعام 1936م، وكان من الذين يعترضون على الاحتلال الفرنسي للجزائر.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية اشترك مع المقاومة الفرنسية المقاومة للنازية بقيادة هتلر، ومن هنا قابل جان بول سارتر الأديب الفرنسي الذي نهضت على يديه المدرسة الوجودية التي ترادف المدرسة العبثية، وقد حصل ألبير كامو صاحب رواية الغريب قبل وفاته بثلاثة أعوام على جائزة نوبل للآداب في 1957م، وقد مات كامو عام 1960م في حادث يُقال إنّه من تدبير الاتحاد السوفيتي.
كابيتر | قصة نصب متكررة أم تعثر منطقي لشركة ناشئة؟ | س/ج في دقائق
إن رواية الغريب تعتبر قصة غريبة الاطوار بشكل واضح، ولهذا يعتبر الاسم معبراً عن القصة وكاتبها، فأن ألبير كامو عاش حياته غريب داخل مجتمع غريب. وعاش ايامه بغرابة، والرواية بأختصار مكونة من قسمين: قسم ما قبل أن حدوث جريمة قتل، وقسم ما بعد حدوث الجريمة، وهي قصة شاب فرنسي الجنسية يحيا بدولة الجزائر في فترة الاحتلال الفرنسي وكان أسمه مورسو، تشرع رواية بحديث للبطل يقول خلاله أن أمه قد ماتت، ولكن لا يذكر تمامًا وقتما ماتت.
وقد ذهب لدار العجزة أو المسنين حتى يحضر العزاء، وكان له تصرفات غريبة مع حارس المأوئ وحتى مع الممرضة، كما أنه حتى لم يبكي على وفاة أمه، حتى أنه لم يحزن حتى، ورفض أن يراها قبل الدفن فهو يمثل الشخصية غير مبالية وهذا ما وضحه ما فعله ليلة العزاء الأولى، وفي اليوم التالي عندما تعرف على فتاة وذهب معها لمشاهدة فيلمًا ساخرًا وبعدها ذهبا إلى البحر. وكذلك فقد أقام معها علاقة، ويصف الكاتب بعدها تصرفات مورسو العبثية بالتفصيل وبدقة شديدة لا تتأتى لا تتم مع أي كاتب.
وتمضي الأحداث في القصة وتوضح رواية الغريب عبثية مورسو فنصل للمشهد المفصلي وهو أن مورسو وهو بطل رواية الغريب يقوم ويذهب مع بعض أصدقائه إلى الشاطئ، وهناك يتقابل مع شباب من العرب الجزائرين، ويتكلموا عن مشكلة بين أحد العرب وبين صديق مورسو.
وبعد أن تنتهي المشكلة ويذهب كل واحد إلى طريق ويعود مورسو بعد زمن قليل إلى مكان المشكلة، فيرى الشاب العربي من بعيد حاملاً سكينًا، وتكون الشمس وقتها ساطعة جدًّا، فيمسك مورسو المسدس الذي كان معه وتحت اشعة حرارة الشّمس يطلق مورسو خمس رصاصات لصدر العربي فيسقط قتيلًا.
ويأخذه إلى السجن، وتتم محاكمته، ولكن الغريب في الأمر أن مورسو لا يرى أن الذي فام به جرمًا يحتاج إلى هذه العقوبة، بل يرفض توكيل محامي لأنه يرى أنه لم يقوم بجرمًا عظيمًا، وإنّما المسألة بسيطة للغاية، ولكن المحكمة توكل له محاميً.
روايات مترجمة حائزة على جوائز عالمية | أشهر الروايات البوليسية المترجمة
وخلال محاكمة مورسو تستند المحكمة إلى دلائل تراها تثبت عدم مبالاته، وتصرفاته يوم دفن أمه والأيام التي تليها، وايضاً ردوده وإجاباته للقاضي في أن سبب قتله للشخص هو الشمس التي أحرقته وأفقدته التحكم على تصرفه، ما يثير سخرية كل من كان موجود بالمحكمة.
وبعدها وهو داخل السجن يأتي له الحرس ليخبروه أنّ كاهنًا يريد أن يتكلم معه ويساعده ليصلي ويتوب، فيرفض قائلاً بأنّه لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى مما يرفع من غضب المحكمة عليه، ويكون اثبات أنه قتل العربي عمدًا؛ إذ لو كان خطأً كما قال لضربه برصاصة على الأقل وليس بخمس.
وهكذا يحكمون على مورسو بالإعدام، ويساق المقصلة ليتم به الحكم، وفي هذا اليوم تصل عبثية مورسو وعدم مبالاته إلى قمتها، وتدور في رأسه مشاعر كثيرة تسردها رواية الغريب، ولكن أهمها أنه ليس نادمًا على القتل، وأيضًا فهو كان سعيدًا وما زال.
وبالنهاية، فإن رواية الغريب وأمثالها من الأعمال الأدبية التي بها أفكار لأصحابها قد تزرعها في لا وعي الإنسان لذا يفضل لمن يقرؤها أن يكون متيقظًا ومنتبه إلى كل كلمة وعبارة تمر معه، وقد يمكن لأصحابها وضع تلك السموم للقارئ، وتزيّنها بشكل الحضارة والأدب العالي حتّى لا يشعر المرء بهذا السم إلا وهو يجري في جسده.
قد ورد في رواية الغريب كلام جميل يستحقّ أن يتأمل به ومن ضمن تلك الأقوال:
المساء في هذه البلدة شبيه بهدنة حزينة.
عارٌ على البشريّة أن ينتحر أحدهم وهو كان في حاجة فقط إلى عناقٍ طويل.
إنّ الإنسان يجد متعة حينما يستمع إلى النّاس وهم يتحدّثون عنه، حتّى وإن كان يجلس على مقاعد المتّهمين.
في ذلك الليل الذي يفيض بالنّجوم أحسستُ للمرّة الأولى برقّة اللّامبالاة وعذوبتها، وأحسستُ أيضًا أنّني كنتُ سعيدًا في يوم من الأيّام، وما زلتُ حتّى الآن.