في 1516، سيطر العثمانيون على الشام
في النصف الأول من القرن ١٩ خشي العثمانيون من استقلال جبل لبنان بسبب تقارب سكانه الموارنة مع الأوروبيين، فقسموه سنة ١٨٤٣ إلى قسمين: شمالي يديره قائممقام ماروني، وجنوبي يديره قائممققام درزي.
التقسيم أزكى التنافس فالصراع الطائفي، وقعت مواجهات حادة بين الدروز والموارنة بلغت ذروتها عام 1860.
ألغى العثمانيون نظام القائمقامية وأنشأوا متصرفية جبل لبنان، عام ١٨٦١. انفصل جبل لبنان (سلسلة جبال لبنان الغربية وبعض مناطق في البقاع) إداريا عن الشام. سنشير إلى هذا لاحقا باسم لبنان الصغير.
قضى النظام بأن يحكم لبنان متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير تركي وغير لبناني تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول العظمى الست وقتها: بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا.
تشكل النظام السياسي والإجتماعي في متصرفية جبل لبنان من ثنائية الموارنة – الدروز، وتغيّرت البنية الاجتماعية للمجتمع اللبناني بسبب ازدياد انفتاحه على أوروبا.
خلال الحرب العالمية الأولى، انهزم العثمانيون وانسحبوا من الشام، أعلن الأمير فيصل بن الحسين ما يعرف بالمملكة السورية العربية، بمشاركة ممثلين عن بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع.
لم يدم حكمه للبنان إلا ثلاثة أيام، قبل أن تدخل القوات البريطانية بيروت اعتراضًا على رفع علم المملكة السورية، تبعها إنزال بحري نفذه الفرنسيون في المدينة، التي رفعوا عليها علم فرنسا؛ معتبرين البلاد من الأراضي التي كان يحتلها العثمانيون، العدو المنهزم.
وفي 1 سبتمبر 1920، أعلن الفرنسيون تقسيم سوريا إلى عدة دول، وفق اتفاقية سايكس بيكو، ومنها دولة لبنان الكبير، بضم الساحل والبقاع وطرابلس والجنوب وسهل عكار إلى مناطق لبنان الصغير.. هذا يعني إضافة مكونين سنيا وشيعيا كبيرين إلى مكوني لبنان الرئيسيين؛ الموارنة والدروز.
في 23 مايو 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية بهذا الشكل، فكانت بذلك أول جمهورية في الوطن العربي.
لبنان الكبير فجر مشكلة المكون البشري؛ مسلمو "لبنان الكبير" لم يتقلبوا دولة وطنية تجعلهم أقلية بعدما كانوا الأكثرية تحت الحكم العثماني؛ إذ توقعوا الانضمام إلى سوريا الكبرى .
لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء المسلمين بالكيان اللبناني، لكن فرنسا اشترطت اعتراف الحركة بالكيان مقابل توقيع معاهدة لاستقلال سوريا ولبنان.
ومن 1930 إلى 1943، تبلورت صيغة رياض الصلح/ بشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال، إلى أن تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني، وفق معادلة: تنازل المسيحيين عن الحماية الفرنسية، وتنازل المسلمين عن الانضمام لدولة سورية.
في 1943 أعلن استقلال لبنان، وقسمت تفاهمات الميثاق الوطني "غير المكتوب" توزيع السلطات، ليتولى الرئاسة مسيحي ماروني، مقابل أن يكون رئيس الوزراء مسلمًا سنيًا، ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيًا، وأن تكون نسبة المسيحيين والمسلمين في البرلمان 5:6 على التوالي.
انسحبت كل الجيوش الأجنبية من لبنان 1946، قبل اندلاع حرب 1948، التي دخلت فيها إسرائيل أراضي لبنانية.
في 1949، وقع لبنان وإسرائيل اتفاق هدنة انسحب بموجبها الجيش الإسرائيلي من أراضي لبنان، الذي اضطر لاستقبال 100 ألف نازح فلسطيني سكنوا في مخيمات لجوء، في أزمة ستترك آثارها على الدولة اللبنانية لاحقًا.
وفي ١٩٥٦، عاودت القوى الإقليمية التدخل في الشؤون اللبنانية. مصر طلبت من الرئيس كميل شمعون قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا بعد العدوان الثلاثي، لكن الرئيس شمعون رفض.
لدى قيام الوحدة بين مصر وسوريا باسم الجمهورية العربية المتحدة. دعم رئيس الوزراء اللبناني السني رشيد كرامي جمال عبد االناصر، وطلب اللبنانون المسلمون الانضمام للوحدة بينما رفض المسيحيون.
في 1958، اندلع تمرد إسلامي مسلح، تشير بعض الروايات إلى أن سوريا كانت مصدر تسليحه، ليقدم شمعون شكوى إلى مجلس الأمن، لكن المحققين الدوليين قالوا إنهم لم يصلوا لدليل على تدخل الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).
طلب شمعون مساعدة الولايات المتحدة، فوصلت قوات أمريكية بقيت في لبنان 3 أشهر حتى انتهت مدته الرئاسية، قبل انتخاب قائد الجيش المسيحي فؤاد شهاب رئيسًا بالتوافق بين عبد الناصر ودوايت أيزنهاور.
اندلعت حرب 1967، فأسس بعض الفلسطينيين فصائل مسلحة عرفت بالفدائيين.
وفي 1968، بدأ "الفدائيون" قيادة عمليات ضد إسرائيل من داخل معسكرات اللجوء في لبنان. تدخلت الدولة اللبنانية لمنعهم من استخدام أراضيها. مما أدى إلى مواجهات مسلحة في مخيم نهر البارد، شهدت انسحاب الجيش اللبناني، واجتياح المسلحين الفلسطينيين لمراكز شرطة في عدة مناطق.
تدخل عبد الناصر لإنهاء المواجهات، فخرج باتفاق القاهرة، الذي تضمن شرعنة وجود ونشاط التنظيمات الفلسطينية في مخيمات لبنان، ووأد محاولات الدولة اللبنانية لنزع سلاحها، فيما اعتبره مراقبون شوكة حقيقية في ظهر مبدأ سيادة الدولة، واعتبرته إسرائيل خرقًا لهدنة 1949.
بقي لبنان وحيدا كساحة للعمل الفلسطيني المسلح، وتوافد إليه أعداد متزايدة من الفلسطينيين بعد أحداث أيلول الأسود في ١٩٧٠.
الأعداد الكبيرة الوافدة من الفلسطينيين "المسلمين" غيرت التوازن الديموغرافي في لبنان، كما اتخذت القيادات الفلسطينية قرارات "المقاومة" بمعزل عن الدولة اللبنانية. مما عرض الأراضي اللبنانية لاجتياحات إسرائيلية محدودة متكررة أعوام ١٩٧٠ و١٩٧١ و ١٩٧٢. انتهت جميعها بالانسحاب بعد قرار لمجلس الأمن.
أدى نشاط الفصائل الفلسطينية، المدعومة من قوى إسلامية ويسارية لبنانية إلى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في 1975 كصراع في بدايتها بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين والدروز من جهة أخرى. وتعقد الصراع وتغيرت التحالفات أكثر من مرة وتقاتل الحلفاء وتحالف الأعداء، ودخلت سوريا وإسرائيل في الحرب التي دمرت أجزاء كبيرة من لبنان.
انتهت الحرب الأهلية بتوقيع اتفاق الطائف في أكتوبر 1989، الذي عدل نسبة التمثيل النيابي بين المسلمين والمسيحيين إلى المناصفة، وقسم نسبة كل دين بين طوائفه، وعزز صلاحيات رئيس الوزراء المسلم.
شرعن الاتفاق انتشار الجيش السوري على معظم الأراضي اللبنانية.
رفض العماد ميشيل عون، قائد الجيش اللبناني وقتها، هذا الاتفاق. وانتقل إلى فرنسا.
حل اتفاق الطائف جميع الميلشيات لصالح بناء الجيش اللبناني – غير الطائفي - مع استثناء "حزب الله" فقط بعد توصيفه بـ "قوة مقاومة".
انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية عام 2000، فاستدار حزب الله للداخل. تحالف مع الانتشار العسكري السوري في لبنان، وفرض معادلة "الجيش والمقاومة والشعب".
اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، عراب اتفاق الطائف، واتهام حزب الله وأطراف سياسية موالية له في النظام السوري ولبنان بتنفيذ الاغتيال، أجبر سوريا على الانسحاب، فبقي حزب الله وحده - بقوة السلاح - صاحب قرار السلم والحرب، والتي ترسخت على الأرض بإعلانه الحرب مع إسرائيل في 2006، التي دمرت أجزاء كبيرة من لبنان، قبل أن يقبل بنفسه قرار وقف إطلاق النار.
بغياب رفيق الحريري، رمز لبنان في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، واحتفاظ حزب الله بسلاحه، وانضمام الزعيم المسيحي الماروني ميشيل عون إلى تفاهم يجمعه بالحزب الشيعي، ظهر مرة أخرى صراع داخلي صامت. أدى إلى تدهور الاقتصاد اللبناني.
لبنان | اتفاق الطائف لم يطبق مطلقًا.. لماذا لم يمت بعد؟ | س/ ج في دقائق
انهيار العهد الجديد.. من الفاعل الحقيقي في أزمة لبنان؟ | س/ج في دقائق
لبنان: بثرة على بشرة .. بين نصر الله وعون والحريري .. هل يريد الشعب إحياء النظام | خالد البري
ما لم تنجح فيه الحرب الأهلية.. أزمة الدولار تضرب لبنان والأسوأ لم يأت بعد | س/ج في دقائق