نظرة جريئة وصادمة للأمومة والإنجاب في Tully

نظرة جريئة وصادمة للأمومة والإنجاب في Tully

5 Aug 2018
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المنظور السينمائي عادة للحمل والإنجاب رومانسي وإيجابي جدًا، ويتلخص في اعتبار الحدث مصدر سعادة وراحة وتحقيق ذات للأم، إن لم يكن مصدر سعادة لكل من حولها أيضًا.

آلاف الأفلام تقدم التسلسل الآتي منذ فجر السينما دون تغيير: البطلة في علاقة رومانسية رائعة – أصبحت حاملًا ومرهقة بعض الشىء، لكنها سعيدة جدًا بالحمل – البطلة تنجب وتستمتع باحتضان طفلها وسماع صوته – البطلة وأسرتها، وطاقم الأطباء والتمريض في الأحداث، ومخرج الفيلم، والمتفرجون في السينما، جميعًا سعداء بالجنين!

فيلم Tully لا يسير على خطى أي شىء مما سبق، ويمكن تصنيفه كعمل غريب جدًا وصادم. والسبب في كونه صادمًا هو نظرته الأكثر واقعية للحمل والإنجاب ورعاية الأطفال، وتأثيرهم نفسيًا وعصبيًا على ملايين الأمهات.

إعلان Tully

لا يهدر الفيلم الكثير من الوقت في تقديم شخصياته. لدينا مارلو (شارليز ثيرون). أم لطفلين يمكن تصنيف أحدهم كصاحب حالة خاصة، أقرب ما تكون لأعراض التوحد. وزوجة لرجل مخلص يقضي أغلب يومه في العمل، ويعود منهكًا لتناول العشاء والنوم، استعدادًا ليوم جديد.

مارلو مرهقة جدًا بأعباء الطفلين والمنزل، وفي انتظارها مزيد من الأعباء لأن حملها في الأسابيع الأخيرة. أيام قليلة تفصلها عن استقبال طفل ثالث، يحتاج لرعاية مكثفة. طفل تورطت فيه بدون تخطيط أو تعمد.

اقرأ أيضًا: كيف جعلت بيكسار الأسرة العادية سوبر هيروز في Incredibles 2؟

الحل الذي يقترحه أحدهم هو الاستعانة بمُربية في الفترة الليلية، لتتولى أمر الجنين القادم مؤقتًا، وتمنح بطلتنا ساعات راحة ضرورية تحتاجها للنوم. في البداية ترفض مارلو الفكرة. لكن بعد انجابها فعلا، وبفضل مونتاج سريع وبارع من صناع الفيلم، لاستعراض روتين ومتاعب رعاية الأطفال الرُضع، تقتنع مارلو – ونحن معها – بضرورة قبول هذا الحل.

فوائد المُربية الليلية الشابة (ماكنزي ديفيز) تفوق كل أحلام وتوقعات بطلتنا. المسألة لا تتلخص فقط في رعاية الطفلة الرضيعة بشكل ممتاز طوال الليل، لكنها تمتد لصداقة متينة وسريعة بينها وبين البطلة. صداقة يعيد فيها كل منهما اكتشاف نفسه، في محاولة للتصالح مع الحياة بكل ضغوطها.

ماكنزي ديفيز في لقطة من الفيلم

ما يبقى من أحداث لن يروق غالبا للبعض، لأنه يسحب الفيلم نسبيًا من اطاره الواقعي الصارم جدًا، ويُلقي به داخل إطار روائي وسينمائي الطابع. لكن حتى مع هذا الطابع المُستجد، يظل الفيلم مخلصًا كمضمون، لمنظوره الواقعي للأمومة والحمل والإنجاب وأعبائهم.

ثمن الأمومة

المسألة ليست سهلة ولا مبهجة بالضرورة. والقبول النفسي لتغير حياتك تمامًا، وتحولها لسلسلة يومية روتينية مُرهقة من الواجبات والالتزامات ناحية غيرك، يستلزم غالبًا تخليك مجبرة عن جزء من طموحاتك وميولك وهواياتك، لتوفير طاقتك ووقتك لآخرين.

بسبب هذة الجزئية بالأخص، سيزعج الفيلم غالبًا أصحاب المنظور النسوي المعاصر، القائم على فكرة أن الأمومة لا تعني بالضرورة تغير حياتك كأنثى، ولا تستلزم نهائيًا قبول تسويات بخصوص حياتك المهنية أو الوظيفية. وهو منظور خيالي يتجاوز مبدئيًا حقائق بيولوجية بخصوص فترة الحمل والشهور الأولى بعد الانجاب.

البعض يفضلونها نسوية في The Favourite

چيسون ريتمان مخرج الفيلم، سبق له التعاون مع كاتبة السيناريو ديابلو كودي، في فيلمين مرتبطين بعالم الإناث وضغوطه النفسية. الأول والأجود هو Juno الذي حقق نجاحًا تجاريًا ساحقًا عام 2007 وفاز بأوسكار أفضل سيناريو. والثاني هو Young Adult الذي قامت ثيرون أيضًا ببطولته عام 2011.

بشكل ما يبدو Tully كامتداد منطقي لـ Juno. الفيلم الأقدم عن شابة مُراهقة تحمل دون قصد، وعليها أن تختار بين إجهاض الطفل واستعادة حياتها، أو التحول لأم قبل أن تُكمل العشرين. والفيلم الثاني عن أم أربعينية تجاوزت تمامًا هذه المرحلة، ولم يعد بإمكانها أصلًا العودة للشباب والعزوبية والحياة الخالية من المسؤوليات.

لكن في الوقت الذي يمكن فيه تصنيف Juno كعمل كوميدي ساخر، يصعب تصنيف Tully كذلك رغم تسويقه باعتباره كوميديا. السخرية في الفيلم تثير الإحباط أكثر مما تثير الضحك. والإطار العام للأحداث قاسٍ جداً، ولم يخففه ربما إلا وجود ممثلتين تستحقان الإشادة، وتجمعهما كيمياء يندر أن نراها على الشاشة.

طابع شكلي وحركي للشخصية

ثيرون ارتقت بالفيلم ورفعت تأثيره بفضل أداء آخر ممتاز كعادتها، توظف فيه مهاراتها الجسمانية والحركية. المسألة لا تتلخص فقط في قبولها لزيادة وزنها بهذا الشكل، وتخليها عن جسمها الرشيق من أجل الدور. لكنها تمتد لطابع حركي متواصل تعرضه لقطات وزوايا المخرج ببراعة، ويعكس إرهاقًا مستديمًا تعاني منه الشخصية. طابع يقنعنا فعلًا أن هذه الأم تفعل نفس الشىء يوميًا منذ سنوات وسنوات.

Marriage Story.. لماذا نحتاج قصص حب عن الطلاق؟! | ريفيو | حاتم منصور

بفضل أدائها الحركي هنا، وأدوار أخرى قبله أهمها Monster – Mad Max: Fury Road – Atomic Blonde قد يكون من الإنصاف تصنيفها كواحدة من أبرع الممثلات وأذكاهم في تاريخ هوليوود، من حيث القدرة على اختلاق وتأسيس طابع حركي وجسماني صحيح للدور.

الأهم من الشكل هو قدرتها على صياغة ما يدور بعقل الشخصية. اللحظات القصيرة والسريعة جدًا التي تكتفي فيها بنظرة عين، أو برد موجز، أو بتلاعب في نبرات الصوت، لتعطينا فكرة جيدة عن مشاعر وأحاسيس البطلة.

ماكنزي ديفيز خطفت الأضواء أيضًا في دور المُربية الشابة، بفضل حضور أنثوي جذاب، وأداء سلس تسللت به مبكرًا إلى قلب المتفرج، حتى قبل معرفته بأية تفاصيل عن الشخصية. ديفيز لفتت الأنظار سابقًا بفضل أدوار تليفزيونية، وأفلام مهمة مثل Blade Runner 2049، لكنها غالبًا على موعد مع المجد في السنوات المقبلة. نقطة انطلاقها قد تكون فيلم Terminator الجديد المقرر عرضه في أواخر 2019.

أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور

يظل الفيلم ككل هو الحدث السينمائي الأهم هنا. بشكل ما نجحت حبكة مختلفة وصادمة، في التسلل لحيز التنفيذ داخل مصانع هوليوود، المختصة عادة بأفلام المينستريم المبهجة. والأغرب أن جزءًا من الحبكة يناقض نسبيًا الخطاب الفيمنستي السائد حاليًا، ويبدو أقرب للمنظور المحافظ.

من المؤسف جدًا أن الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًا يذكر. نجاحه كان من الممكن أن يساهم في انتقال سيناريوهات وأفكار مختلفة وصادمة أخرى لحيز التنفيذ. لكن على الأقل لدينا الآن فيلمًا مسليًا أكثر واقعية عن الحدث الذي ندين له جميعًا بوجودنا. وعن الثمن الذي يجب أن تقبله وتتفهمه جيدًا، قبل أن تقرر أن تصبح أبًا أو أمًا.

باختصار:

فيلم مختلف ومهم بخصوص أعباء الأمومة والحمل والانجاب، وما تتركه من تغيرات أبدية، ازدادت فاعليته بفضل أداء وحضور شارليز ثيرون وماكنزي ديفيز.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (1)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك