تركيا اختارت التدخل العسكري في ليبيا لأهداف محددة: دعم حكومة طرابلس بقيادة فايز السراج والتي تعتمد في حفظ بقائها على ميليشيات يغلب عليها الإسلاميون، تعزيز حضورها العسكري في البحر المتوسط، إرباك خطط حلفاء منتدى غاز شرق المتوسط لتقاسم ثروات الطاقة في المنطقة، وقطع خط ميد إيست لإمداد أوروبا بالغاز.
ليبيا خاضعة لقرار أممي بحظر تصدير السلاح، لكن تركيا استضافت متطرفين ليبيين على أراصبها، وغضت الطرف لسنوات عن استخدامهم للموانئ التركية في تهريب السلاح إلى غرب ليبيا، قبل أن يعلن رئيس حكومة طرابلس فايز السراج رسميًا في 29 أبريل، تفعيل الاتفاقات الأمنية مع تركيا، ليبدأ التدخل المباشر، أولًا بـ تهريب الطائرات بدون طيار، ثم توسيع إمدادات السلاح، ونقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا.
بالمقابل، لم تعلن مصر رسميًا عن أي دور عسكري في ليبيا باستثناء غارات جوية أعلنت عنها رسميًا في فبراير 2015 ومايو 2017، بالتنسيق مع الجيش الوطني الليبي؛ الأولى ضد مواقع تابعة لتنظيم داعش الإرهابي ردًا على مقتل عمال مصريين في ليبيا، والثانية بعد تورط مجلس شورى مجاهدي درنة بالتتسيق مع داعش في تنفيذ عملية إرهابية داخل مصر.
لكن مصر أخذت خطوات باتجاه إيجاد حل سياسي للوضع في ليبيا، وآخرها إعلان القاهرة في 6 يونيو 2020، والذي شارك في إعلانه رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ودعا لوقف فوري لإطلاق النار وبدء تسوية سياسية. تركيا رفضت الأمر بدعوى أنها عرضت على “أمير الحرب – حفتر” وقف إطلاق النار من قبل لكنه رفض.
سابقت شاركت مصر في الإعلان المشترك في مايو 2020 بين مصر وقبرص وفرنسا واليونان، الذي حث تركيا على الاحترام الكامل لجميع الحقوق السيادية لجميع دول شرق البحر المتوسط.
لماذا تمثل سرت خطا أحمر لجميع أطراف الصراع في ليبيا؟| س/ج في دقائق
تحركات تركيا والإخوان في البحر المتوسط.. كيف تؤثر اقتصاديًا على المواطن المصري؟ س/ج في دقائق
على الورق، تمتلك كل من مصر وتركيا جيوشًا قوية للغاية وفقًا للمعايير الإقليمية. لكن أوديد بيركوفيتس، نائب مدير شركة الاستخبارات ماكس سيكيورتي، يعتقد أن مثل هذه المقارنات الواسعة للغاية تتجاهل بطبيعتها الكثير من الفروق الدقيقة، معتبرًا أن الوضع في ليبيا “حالة فريدة”.
يشير بيركوفيتس بشكل خاص إلى تورط تركيا في الوقت الحالي عسكريًا في صراعين خارج حدودها (سوريا وليبيا) بالإضافة إلى استمرار حملتها المحلية ضد الأكراد، واصفًا قدرات تركيا على عرض القوة العسكرية خارج حدودها في الوقت الحاضر بـ “المتوترة”. يقول إن مصر تملك حرية أكبر إلى حد ما باعتبار أن التزاماتها العسكرية الحالية أقل.
المحلل العسكري التركي ليفينت أوزجول يقول بدوره إن تركيا ومصر “دولتان عسكريتان قويتان تستندان إلى قوات مسلحة قوية وثقافات عسكرية وعدد كبير من السكان”. ولأن طول الأمد في معركة مماثلة يعتمد على تواصل الإمداد، يضيف أوزجول أن الجيش التركي لم يستقبل أي طائرات مقاتلة جديدة في السنوات الـ 12 الماضية، بينما حسنت مصر بشكل كبير كلا من سلاحها الجوي والبحري في السنوات الأخيرة، بخلاف الميزة الجغرافية الضخمة التي ستسفيد منها مصر بالنظر للحدود المشتركة مع ليبيا، مقابل القدرة المحدودة لتركيا على القيام بدوريات جوية قتالية فوق معظم البحر المتوسط لقدراتها المحدودة على التزود بالوقود الجوي.
تحليل جيروزاليم بوست بدوره يحدد عناصر تميز تركيا بعضويتها في حلف الناتو، واختبار قواتها بالفعل في ميدان المعركة على أرض ليبيا، مقابل الجيش المصري الذي لم يقاتل منذ عقود على أرض أجنبية.
لكنه يقول بالمقابل إن مصر تمتلك ميزة استراتيجية لا تمتلكها تركيا: قربها من حدودها يجعل نقل المعدات والقوات أسرع وأفضل من تركيا التي تضطر إلى شحنها جوًا مع ما يحمله ذلك من مخاطر حال الدخول في حالة حرب.
إردوغان والسراج.. قشة اليائس التي قد تخدم مصر | خالد البري
الولايات المتحدة حريصة على تقليص وجودها في الشرق الأوسط. من هنا لم تتدخل كثيرًا للفصل بين المتصارعين في ليبيا. فرانززمان يقول إن الولايات المتحدة قد تجد صعوبة في تجاهل طلبات أنقرة؛ بالنظر للتهديد الذي قد تواجهه للقوات الأمريكية المنتشرة في شرق سوريا حال تجاهل مطالبها، بخلاف الأصوات المؤيدة لها في واشنطن، والتي ترى أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تكون متأصلة في الاستجابة لمطالب أنقرة باعتبارها قوة في المنطقة.
يعتقد هذا اللوبي أن أنقرة من الممكن أن تجعل روسيا وإيران ينقلبان ذات يوم على الولايات المتحدة، وبالتالي على واشنطن أن تقوم بما يجب لإبعاد أنقرة عن موسكو وطهران.
لكن فرانززمان يستدرك أن القاهرة ليست أقل شأنًا، خصوصًا إذا لاحقت تركيا في ليبيا. يضيف أنه إذا استطاعت مصر إيجاد بصمة عسكرية لها هناك، فستسفيد من التنازلات التي يمكن أن تقدم إليها، إضافة إلى دعم الولايات المتحدة لها، والتي ترى في مصر شريكًا موثوقًا فيه في المنطقة، كما يمكنها بتلك الخطوة أن تمنع الولايات المتحدة من الوقوف على نفس جانب تركيا، لذا يرى أن تهديد السيسي بالتدخل المباشر في ليبيا هو رسالة إلى الولايات المتحدة للاستماع إلى مطالب مصر وأخذها على محمل الجد.
الأمر يتوقف على القاهرة الآن، إذا كان لها بصمة عسكرية في ليبيا، يمكنها أن تخرج بواشنطن من منطقة “الدعم الكلامي” لجهود مصر لوقف إطلاق النار، واتخاذ خطوات ذات فاعلية على أرض الواقع لوقف إطلاق النار.
ولأن التطورات تهدد بتعميق الصدع الجيوسياسي مع عواقب على أوروبا بأكملها، يرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن أعضاء الاتحاد الأوروبي يحتاجون إلى تغيير مسارهم، والسعي إلى الوصول لصفقة أوسع نطاقا وأشمل مع تركيا تحول دون انهيار الخطوات الدبلوماسية بشكل كامل وتطور الأمر إلى صراع عسكري.
يرى المجلس أن الأوروبيين يحتاجون إلى الالتزام بمبادئ سياستهم الرئيسية، المتمثلة في الحفاظ على سيادة القبارصة وبالتالي الحفاظ على إمدادات الطاقة، ومن ناحية أخرى تجنب مخاطر التوترات مع أنقرة بسبب ملف الإرهاب واللاجئين، ويعتقد أن دورهم الحالي هو تحفيز أنقرة على إلغاء إجراءاتها العسكرية التي اتخذتها، مما يساعد على منع الانزلاق إلى توترات ليست في حاجة إليها، إضافة إلى تبديد الانطباع السائد حاليا بأن الاتحاد الأوروبي يقف مع تركيا في مواجهة الدول العربية.
لذا ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي أن يذهب السيسي وأردوغان في صراع عسكري مباشر على الأراضي الليبية.