سيداتي آنساتي سادتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والهدف الأول للنادي الأهلي في الدقيقة 4 من بداية اللقاء، للمتألق رضا شحاتة.
كانت هذه أول جمل يسمعها مشاهدو التليفزيون من المعلق مدحت شلبي، في مباراة الأهلي والزمالك بالدوري المصري، يوم 16 مايو 2002 بعد دقائق من بداية المبارة دون نقل صوتي، بسبب مشكلات هندسية، وحوالي 20 ثانية من لحظة تسجيل الهدف!
بداية مباراة الستة واحد + الأهداف
بداية غريبة وسينمائية لمباراة لا تقل غرابة، انتهت بفوز الأهلي 6-1 وظلت حتى اليوم، النتيجة الأشهر في تاريخ مواجهات الفريقين، طوال أكثر من نصف قرن انتقل فيه هوس كرة القدم من المدرجات، إلى شاشات التلفزيون في المنازل والمقاهي.
والأهم أن هذه المباراة شكلت دون غيرها، طريقة تفاعل وتشجيع الجمهور المصري، ووضعت الأساسات للكثير والكثير مما نعتبره اليوم روتينيًا.
كيف يغير فوز فريقك جسمك؟ لماذا تجعلنا الكرة نطير فرحًا أو تصرعنا موتى؟ | س/ج في دقائق
التلاسن والمكايدات بين جمهور الأهلي والزمالك – أو “التحفيل” بالمصطلح الدارج حاليًا – لهما تاريخها الطويل. كبار السن يذكرون مثلًا فترات قديمة كان من العادي فيها السخرية من الفريق الخاسر، بتلبيس قميصه لحمار والتجول به في الشوارع.
هذا النوع من المكايدات والإهانات والسخرية لم ينتقل للإعلام أبدًا، بسبب الطبيعة المهذبة المشروطة للإعلام، خصوصًا في فترات السيطرة الحكومية على كل إصدارات الصحافة وقنوات التليفزيون.
مباراة الستة واحد جاءت في زمن وليد مختلف. زمن الإنترنت والموبايل؛ كلاهما سمح للمشجعين دون رقابة، بممارسة نوع جديد من التحفيل يمكن تسميته “التحفيل الإلكتروني”.
لم تكن تطبيقات التواصل مثل واتساب وأقرانه قد ظهرت بعد. لكن الجمهور استخدم عدة رسائل SMS للتحفيل بعد المباراة، كان أشهرها رسالة يوجهها الأهلاوية للزملكاوية ليلًا في فترة النوم، ونصها:
اصحى ياض وافتح التليفزيون بسرعة.. الأهلي جاب السابع!
واتساب يتخلى عن خصوصية الرسائل .. انتبه قبل التوقيع على الشروط الجديدة| س/ج في دقائق
خدمات الإنترنت – بل وأجهزة الكمبيوتر نفسها – لم تكن موجودة في كل منزل كما هو الحال حاليًا. وفيسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي الأخرى التي نستخدمها اليوم، لم تكن قد ظهرت بعد.
رغم هذا، استخدم الجمهور القليل الذي امتلك هذه التقنيات، المنصات البدائية الموجودة وقتها مثل المنتديات، لنشر عشرات النكت الساخرة من الزمالك.
عقد المراهقين.. كيف خطف الجيل الجديد صناعة الحدث؟ وهل كان هذا إيجابيا؟ | س/ج في دقائق
ومثلت المباراة مع أحداث أخرى لاحقة مثل غزو أمريكا للعراق في عهد بوش الابن، بداية انتقال فن الكاريكاتير الساخر من يد الصحافة الورقية ومحترفيها، ليد الجمهور العادي، الذي لم يضع لنفسه أية خطوط حمراء مماثلة.
بدرجة ما خضعت وسائل الصحافة وقتها أيضًا – وبالأخص الصحف الرياضية المتخصصة – لهذا التوجه الجديد (التحفيل) وأصبحت مجبرة أن تعلو بالسقف لتواكب تطلعات الجمهور، وأصبح من العادي بعدها أن تقرأ في العناوين عبارات مهينة جدًا وأكثر قسوة، مقارنة بالعناوين بخصوص المباراة.
ونظرًا لرغبة الجماهير في مشاهدة مباراة الستة واحد من جديد وقتها، أصبح من العادي أن تلبي نوادي تأجير شرائط الفيديو هذا الطلب، بل وأصدرت بعض الصحف الرياضية ومنها الأهرام الرياضي على ما أذكر، شريط فيديو للمباراة كهدية على عدد خاص في الشهور التالية.
مصطلح “6-1” تحول لتميمة، وأصبح شيئًا يقابلك بانتظام في الشارع، على لافتات المحلات والمطاعم والكافتيريات، وزجاج عربات التاكسي. وباستثناء مصطلح القاضية ممكن مؤخرًا، لم يظهر منافس آخر جدي من عالم كرة القدم المصرية، على مدار 20 سنة.
تعليقات كابتن مدحت شلبي على المباراة، تحولت أيضًا إلى إيفيهات ولافتات محلات، وعلى رأسها جملته الشهيرة بيبو وبشير.. بيبو والجون.
رغبة جمهور الأهلي في مزيد من التحفيل على الزمالك بعد الستة واحد كانت باختصار فرصة استثمارية لعشرات الجهات، وبسبب ذلك نشأت صناعة كاملة يمكن وصفها بـ “صناعة التحفيل”.
وفي العقد التالي بعد المباراة، لم يتوقف قطار هذه الصناعة أبدًا؛ لأن الزمالك واصل تقهقره وخسائره أمام جيل عملاق من الأهلي بقيادة مانويل جوزيه، يعتبره الملايين الأفضل في تاريخ النادي، ويتضمن أسماء مثل الحضري – عماد متعب – أبو تريكة – بركات – فلافيو.
السينما المصرية لم تترد أيضًا في اقتناص الفرصة، وأصبح من العادي أن تخاطب رغبة التحفيل الأهلاوية. النموذج الأشهر كان فيلم سيد العاطفي الذي أطلق جملة “خدوا سته رايح، وخدوا أربعه جاي”.
وفعلت المسلسلات نفس الشيء.
ورغم أن لقاءات الفريقين بعدها تضمنت مواجهات ونهائيات أكثر أهمية، مثل مباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا في 2020 التي فاز بها الأهلي أيضًا، ورغم تطور وسائل التحفيل مع انتشار فيسبوك وتويتر وأقرانهما، يصعب توقع صمود أية مباراة أخرى في اختبار الزمن مستقبلًا، بنفس قدر مباراة (الستة واحد).
عاجلًا أو آجلًا، سينكسر رقم 6 في مباراة ما بين الأهلي والزمالك. لكن ربما لن تصبح النتيجة نقطة تحول تاريخية على طريقة قبل/بعد بخصوص أساليب تفاعل وتشجيع جمهور اللعبة، بنفس قدر مباراة الستة واحد.
خلي بالك من ساندي | كيف تحولت الميمز إلى لغة تفكك المجتمعات وتبنيها؟ | فيروز كراوية
الستة واحد كانت مباراة تاريخية، جاءت في زمن تحولات كبرى، وتفاعلت نتيجتها مع كل ما هو قديم (التلفزيون – الصحافة الورقية)، ومع كل ما هو حديث الميلاد وقتها أيضًا (المحمول – الإنترنت)، فأصبحت شهادة توثيق لماض عتيق، وشهادة ميلاد في نفس الوقت لحاضرنا اليوم.
ولهذه الأسباب، بالإضافة لعشرات أخرى ستظل وربما للأبد، المباراة التي لن ينساها جمهور الفريقين أبدًا.