الترفية في زمن الأزمة | هل تضررت إيرادات أفلام عيد الأضحى برفع ثمن التذاكر؟ | أمجد جمال

الترفية في زمن الأزمة | هل تضررت إيرادات أفلام عيد الأضحى برفع ثمن التذاكر؟ | أمجد جمال

12 Jul 2022

أمجد جمال

ناقد فني

سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

فيلم “كيرة والجن” أهم أفلام عيد الأضحى يحقق ٢١.٦ مليون جنيه في الأسبوع الأول من عرضه. رقم يبدو مبهرًا نظريًا. لكن، ببعض التدقيق والمقارنات، يكون الأمر مقلقًا بعض الشيء!

الرقم أقل بمئة ألف جنيه من الأسبوع الافتتاحي لفيلم سبايدرمان: لا طريق للعودة (٢١.٧ مليون) نهاية العام الماضي، وأقل بحوالي ٤٠٠ ألف جنيه من الفيل الأزرق 2 (٢٢ مليون) الذي صدر بصيف ٢٠١٩، ولا يزال يتزعم قائمة إيراد الأسبوع الأول خارج الأعياد.

إذًا، كيرة والجن هو صاحب ثالث أعلى افتتاحية أسبوعية في تاريخ شباك التذاكر المصري خارج الأعياد. لكن متغيرين في المعادلة كان يفترض أن يعملا لصالح كيرة والجن، ويدفعاه للتفوق على الفيل والعنكبوت، وهو ما لم يحدث مع الأسف!

الأول: اجتماع أهم نجمي شباك في مصر: أحمد عز وكريم عبد العزيز. كل نجم منهما يستطيع جمع هذا الرقم وحده، فما بالك باجتماعهما سويًا!

الثاني: ارتفاع أسعار تذاكر السينما في مصر منذ ثلاثة أشهر بمتوسط ٤٠%.

اسبتعدت عاملًا ثالثًا، هو تفاوت المستوى الفني للأفلام؛ لأن إيرادات الأسبوع الأول في كل مكان في العالم لا تعتمد على مستوى الفيلم، بل على عوامل الجذب، فهو أسبوع الـ buzz كما يسمونه، غير خاضع لأثر الدعاية الشفهية. كيرة والجن يملك كل عناصر الـ buzz.

هل يتفوق كيرة والجن على نجاح الفيل الأزرق؟ | ET بالعربي

فيلم كيرة والجن | ملحمة مصرية تقترب من الكمال السينمائي | أمجد جمال

ارتفاع تذاكر أفلام عيد الأضحى

يمكن الرد على عامل اجتماع النجمين بأن جمهورهما ليسوا كتلتين منفصلتين كجمهور كرة القدم، بل هم نفس الجمهور الذي اعتاد الذهاب للسينما عمومًا. وربما نبالغ قليلًا حين نتوسم أن اجتماعهما معًا كان يجب ترجمته لتضاعف لأرقام الإيرادات بالضرورة.

هنا، يبقى عامل ارتفاع أسعار تذاكر أفلام عيد الأضحى يصدح بقوة، إن لم يكن هذا ما ينشده الموزعون وأصحاب دور العرض بالأساس؛ باعتبار أنهم رفعوا سعر التذكرة لتعظيم المكاسب ومجاراة موجة الغلاء. والنتيجة، بالرقم الذي أمامنا، وبالأرقام التي سبقتها في موسم عيد الفطر المخيب للطموحات، أنهم لم يفلحوا فيما أرادوه بالنهاية. لم ينجحوا سوى في تطفيش بعض الفئات، من دور السينما.

والحصيلة نفس الرقم بعدد تذاكر أقل، فمشاهدين أقل!

*حوالي ٢٤٠ ألف مشاهد شاهدوا كيرة والجن في أسبوعه الأول. من أصل ١٠٠ مليون نسمة.*

سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

بداية الركود السينمائي؟!

سيطول الجدل عن جدوى رفع أسعار التذاكر وإن كان ارتفاعًا مبررًا من عدمه. إن قلنا إن مصاريف التشغيل وأجور العمالة لم ترتفع كي يرفعوا سعر التذكرة، فالرد بأن تكاليف الإنتاج نفسها ارتفعت، وأنها تخضع لدورة رأس المال. والمسألة عرض وطلب، واللي معهوش ما يلزموش. وهي جات علينا؟ …إلخ

كل هذا مفهوم ويؤخذ في الاعتبار طبعًا. لكن ما كان على أصحاب دور العرض أن يفهموه هو أن السينما سلعة رفاهية. سلعة تقدم فنًا لا يعيش أزهى عصوره أساسًا. سلعة يمكن الاستغناء عنها في عصر مليء بالبدائل الأرخص، ونحن نعيش أزمة اقتصادية عالمية كبرى، أضعفت القوى الشرائية وأثرت على جميع الفئات.

السينما ليست سلعة أساسية كي نجعلها تواكب زيادات السلع الأخرى دون تفكير، بل ويمكن القول إنها السلعة التي يبدأ الناس باقتطاعها من ميزانيتهم كي يستطيعوا مواكبة غلاء السلع الأهم،

فحين يرتفع سعر كيلو اللحم ليس من الحكمة أن ترد برفع سعر السينما؛ لأن ما سيفعله المستهلك هو أنه سيوفر ثمن السينما لسد غلاء كيلو اللحم. وبدلًا من تعظيم مكاسبك بنفس نسبة التضخم ستقلص حجم السوق نفسه، ما يؤدي لكساد كان يمكن تجنبه.

أفلام الويسترن على الطريقة المصرية .. من شمس الزناتي لـ”حرب كرموز”

الانتصار للمنصات؟

الاعتماد على تقليص حجم جمهور السينما بحسب قدرتهم الشرائية لن ينجح في مبتغاه طويلًا، وسيكون له أثر عكسي كبير على المدى الطويل.

أنت بذلك تعوّد الجمهور أن يستغنى عن سلعتك، تجعلهم يستحْلون الجلوس في منازلهم لأن رحلة السينما للأسرة باتت كابوسًا ماديًا. تعلمهم أن يوفروا ثمن السينما ويعتمدون على المنصات.

بمناسبة المنصات، منصة أمازون الآن تفتح لك مكتبة هائلة من الأفلام والمسلسلات مقابل ثلث سعر تذكرة السينما.

منصة ديزني وشاهد بلس يفعلان ذلك بنصف تذكرة السينما.

دفاعًا عن ألف باء رأسمالية

من أدمنوا الطنطنة باسم الرأسمالية دفاعًا عن الغلاء المبرر وغير المبرر يتجاهلون عاملًا رأسماليًا أصيلًا في المعادلة؛ عامل التنافسية وعلاقته بمنطق التسعير.

هذا ليس مقالًا اشتراكيًا، ولا محاولة للفصال على ثمن التذكرة. هو فقط دعوة للتفكير المنطقي ثم قراءة دروس التاريخ، لأننا لسنا بحاجة لإعادة اختراع العجلة.

كل ما علينا هو دراسة كيف تفاعل سوق الترفيه عموما والسينما خصوصًا مع الأزمات الاقتصادية في الماضي وعالميًا. ولنتوقف عند الولايات المتحدة نفسها، معقل الرأسمالية، ومعقل صناعة السينما كذلك.

تعرض العالم الغربي لأزمة كبرى بعد الحرب العالمية الأولى، نالت تسمية “الكساد الكبير” The Great Depression.

بدأت الأزمة منذ عام ١٩٢٩ واستمرت لمنتصف الثلاثينيات. قبلها كانت هوليوود تعيش أزهى عصورها اقتصاديا، وازدهرت صناعة الأستوديوهات، فمعظم شركات الإنتاج الشهيرة اليوم كانت قد تأسست قبلها في العشرينيات، ومن ثم ازداد الطلب على قروض بنكية لإنتاج أفلام ضخمة،

ثم حدثت الأزمة التي قلصت من أعداد مرتادي السينمات بسبب غلاء الأسعار وانخفاض القوى الشرائية، وتعرضت الإيرادات السنوية لانكماش ملحوظ في بداية الأزمة، أغلقت بعض السينمات أبوابها بسبب عزوف الناس، وأفلست بعض الشركات، وعجز بعضها عن سد القروض، فكيف تعاملوا مع الأزمة؟

فيلم واحد تاني | هل تمرد أحمد حلمي على سينماه “النظيفة”؟ | أمجد جمال

كيف تعاملت هوليوود؟

سأحيلك عزيزي القاريء لهذه الورقة التي أعدها أندريا كوفمان والمنشورة بقسم الدراسات في جامعة واشنطن، حيث قامت بفحص المراجع التاريخية لفترة الكساد الكبير وأثرها على دور العرض الأمريكية.

ملخص ما جاء بالدراسة:

1- بقدر المعاناة المادية التي يتعرض لها الأفراد في أوقات الأزمات الاقتصادية، بقدر ما تتعاظم حاحتهم للترفيه والمتعة والهروب من واقعهم. ويمكن الاستفادة من ذلك باختيار استراتيجية مناسبة للعجز الشرائي.

2- وجدنا وثائق تفيد أن بعض السينمات في سياتل، ومنها صالة بارامونت، طبقت نظام التذكرة المزدوجة، أي بسعر تذكرة واحدة يمكنك مشاهدة فيلمين بـ ٣٥ سنتًا. وهو ما ضاعف الإقبال على هذه السينما تحديدًا مقارنة بالسينمات المنافسة، ما أدى إلى تقليد الآخرين لنفس الاستراتيجية.

3- خفضت بعض السينمات أسعار تذاكرها بشكل مباشر بمعدل ١٠ سنتات فأكثر. ما ضاعف أعداد التذاكر المباعة.

4- بعض السينمات سارت بسياسة الهدايا، واستهدفت الآنسات وربات البيوت تحديدًا، مع كل تذكرة هدية ملعقة فضة أو قطعة من طقم أطباق أو أكواب، والذي كان محفزًا لعديد من النساء للذهاب إلى السينما أكثر من مرة لتجميع طقم مطبخ كامل. الحيلة التي عظمت أرباح السينمات وأنقذتها من الكساد.

تذكرة بسعر علبة سجائر!

في مقال آخر لبول ويتنجتون عن سينما الكساد الكبير. يقول أن سعر تذكرة السينما في بعض الولايات كان يشتري وقتها مجلة أخبار أو قصة أطفال أو علبة سجائر أو جالون بنزين (حوالي ٤ لترات). وأنه ما بين ٦٠ لـ ٨٠ مليون أمريكي ذهبوا للسينما بمعدل مرة أسبوعيًا على الأقل (٤٠% من إجمالي السكان)، رغم الظرف الصعب؛ بسبب اعتماد دور العرض استراتيجية القيمة مقابل السعر.

بالطبع هناك أسباب أخرى ساعدت السينمات الأمريكية على الصمود في أسوأ فترة اقتصادية في تاريخها، تحجيم دور الرقابة، وازدهار السينما الناطقة بعد عقود من السينما الصامتة، وابتكار نوعيات سينمائية جديدة.

لكن الدرس الأكبر أنه في أوقات الأزمات، يكون الترفيه هو السلعة التي يجب ألا يتحرك سعرها إلا إلى أسفل لتقليل الخسائر، وإنقاذ البنى التحتية، والاحتفاظ بالكتلة الصلبة لجمهور السينما.

الجدير بالذكر، هو تحرك وزارة الثقافة المصرية منذ أشهر وتدشين مشروع “سينما الشعب” بإعادة تأهيل قاعات ومسارح قصور الثقافة في محافظات مصر، لتستقبل الأفلام الحديثة مقابل أسعار تذاكر زهيدة (٢٠ لـ ٤٠ جنيه)، ووصل عدد شاشات المشروع لتسع شاشات في محافظات مختلفة.

التحدي الأكبر أمام هذا المشروع هو ضمان الجودة والاستمرار ومزيد من الانتشار لتغطية مزيد من المدن والمناطق.

هل كانت مصر فعلًا ثاني دول العالم معرفة بالسينما؟ | أمجد جمال

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك