لكننا نرى تدخل حكومات دول رأسمالية في الاقتصاد. ما تفسير هذا؟
يستند تدخل الدولة في الاقتصاد على “النظرية الكينزية”، التي طورها الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز في ذروة الكساد الكبير في الثلاثينيات.
يجادل الاقتصاد الكينزي بأن قرارات القطاع الخاص تؤدي أحيانًا إلى عدم الكفاءة في نتائج الاقتصاد الكلي، وبالتالي يجب أن تحدث استجابات سياسية نشطة من قبل القطاع العام.
الفكرة الرئيسية للنظرية أن إجمالي الطلب، الذي أنشأته الشركات والأسر والقطاع العام، هو القوة الدافعة الفعلية في الاقتصاد، وليس ديناميكيات الأسواق الحرة، وأن السوق الحرة ليس لديها آليات ذاتية التوازن لتحقيق التوظيف الكامل.
لذلك، فإن تدخل الدولة في الاقتصاد لإنفاذ أهداف السياسات العامة – وفقا لهذه النظرية – ضروري ومبرر من أجل تحقيق استقرار الأسعار والتوظيف الكامل.
بالتالي، يمكن أن يستهدف التدخل الاقتصادي مجموعة متنوعة من الأهداف السياسية أو الاقتصادية، مثل تعزيز النمو، أو زيادة العمالة، أو رفع الأجور، أو التحكم في الأسعار، أو تعزيز المساواة في الدخل، أو إدارة المعروض النقدي وأسعار الفائدة، أو زيادة الأرباح، أو معالجة إخفاقات السوق.
تبدو أهدافا نبيلة.. لماذا التحذير من تدخل الدولة في الاقتصاد إذن؟
في الاقتصاد الحر، ترك الفرصة للاقتصاد لتصحيح نفسه الحل المثالي.
عندما يتعزز تدخل الدولة في الاقتصاد – مهما كانت الدوافع – ينتشر الفساد ويخسر الاقتصاد عاجلًا أو آجلًا.
وفق الإيكونوميست، ينجح الاقتصاد الحر لأنه يستهدف إرضاء المستهلكين. إن تدخلت الدولة، يتحول المؤشر إلى كسب ود السياسيين، وترى الشركات أن “التقارب مع الحكومة” سببًا للربح، فتتغاضى عن الاهتمام والتطوير، فتقل تدفقات التكنولوجيا ورأس المال.
هذا في حالة التدخل الإنقاذي المؤقت. أما في حالات تدخل الدولة في الاقتصاد كدور رئيسي، تكون المشكلة أكبر؛ إذ تنسحب الشركات من القطاعات التي تنافس فيها الدولة؛ لأن حسابات الربح والخسارة تتغير، وتتراجع أو تختفي فرص المنافسة.
والنتيجة أن ما بدأ لصالح المستهلك ينتهي إلى خسارته بسبب ارتفاع الأسعار في هذه القطاعات المحتكرة، أو التأثير السلبي على قطاعات أخرى بسبب رغبة الدولة في تعويض خسائرها.
لأن التجربة حدثت فعلًا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث تصورت الحكومات أنها قادرة على إعادة بناء الاقتصاد، فأنتجت ديناميكية ضعيفة في الأسواق. وبحلول أواخر السبعينيات، خرجت الأسعار عن السيطرة.
في الثمانينيات فقط، بعد أن أصبح الفشل الاقتصادي في الغرب وإفلاس النظام السوفيتي أمرًا لا يمكن إنكاره، أثبت السوق الحر والضرائب المنخفضة والانفتاح الأكبر أنها الحل للمشكلات الاقتصادية.
هذه الخلطة أتاحت للقادة السياسيين ورجال الأعمال تحمل مسؤوليتهم والبحث عن الابتكار، وأتاحت للمستهلكين الاختيار، وللمواطنين أن يعيشوا بالشكل الذي يرونه مناسبًا.
لكن تدخل الدولة في الاقتصاد قد يكون ضروريًا في بعض القطاعات!
بغض النظر عن اعتبار أن تنافس السوق الحر كفيل غالبًا بحل معظم المشكلات. لكن الدولة ربما تتدخل فعلًا عبر الشركات المملوكة لها. وهذا نموذج شائع عالميًا، وصلت قيمته 45 تريليون دولار في 2020، بحسب صندوق النقد.
تسعى المؤسسات المملوكة للدولة لتحقيق أهداف الحكومة “في قطاعات معينة” ترغب في تطويرها أو استغلالها، وترى أنها ستكون مربحة لكن القطاع الخاص ليس مستعدًا للمنافسة فيها.
المعيار الحاكم هنا هو مدى انخراط المؤسسات المملوكة للدولة في قواعد اقتصاد السوق، عبر التعامل معها كمشروعات تجارية، لها نفس الحقوق والمسؤوليات كأي شركة خاصة. وتنطبق عليها نفس قوانين ولوائح التشغيل، والأهم، المحاسبة، والربح والخسارة.