العالم كله تابع الاضطرابات العنيفة التي تلت إفلاس سريلانكا.
شاهدنا خروج الملايين للشوارع احتجاجًا على تردي الأوضاع الذي قاد إلى إفلاس البلاد، واحتلال المحتجين القصر الرئاسي، وما تبعه من هروب رئيس الجمهورية.
تابعنا فيض التحليلات عن أسباب انفجار الأوضاع. لكن محللي اليسار تجنبوا أي إشارة لأحد أهم الأسباب التي أدت لتفاقم الأوضاع: السياسات البيئية الخضراء التي انتهجتها الحكومة في سريلانكا.
الأرجنتين نموذج كلاسيكي في إفلاس الدول. ماذا يعني إفلاس الدول؟ | س/ج في دقائق
في 2019، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، وعد جوتابايا راجاباسكا باعتماد السياسات الخضراء عبر تحويل البلاد للزراعة العضوية خلال عشر سنوات.
وفي يوليو من نفس العام، انتقلت سريلانكا لمرتبة الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل وسط إشادات دولية كبيرة بالإصلاحات الاقتصادية والازدهار المتحقق في البلاد، مع العديد من التقارير الدولية التي تتوقع مزيدًا من الازدهار لتلك الدولة الصغيرة.
مع تفشي وباء كورونا، كان طبيعيًا أن تتوقف عائدات السياحة، بالإضافة لما فرضه الوباء من ضغوط على موارد سريلانكا من العملات الأجنبية. لكن ما فاقم الأزمة بشدة هو قرار الحكومة في أبريل 2021، بفرض حظر شامل على استيراد واستعمال الأسمدة والمبيدات الكيماوية، للتحول نحو الزراعة العضوية؛ بمعنى آخر: بدء إدخال السياسات الخضراء حيز التنفيذ.
بالنسبة للحكومة، كان للقرار فوائد عديدة، أولها خفض فاتورة استيراد الأسمدة والمبيدات، والتي بلغت قيمتها حوالي 500 مليون دولار، والتي شهدت أسعارها العالمية ارتفاعًا مع بداية التعافي من الجائحة.
بالإضافة، ساهم القرار في رفع تصنيف سريلانكا في جاذبيتها للاستثمارات ESG في مجال الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وسط إشادات واسعة من اليسار العالمي والجماعات البيئية بالقرار.
الذنب الأخضر | كيف سلمت سياسات المناخ حلف الناتو فريسة إلى روسيا؟ | س/ج في دقائق
لكن تبعات قرار تطبيق السياسات الخضراء كانت كارثية؛ إذ لم يستطع الفلاحون زراعة حوالي ثلث الأراضي القابلة للزراعة، لتنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية بصورة حادة في سريلانكا التي كانت تحقق الاكتفاء الذاتي من الأرز، لترتفع أسعارها 50%، وتضطر الحكومة لاستيراد كمية من الأرز بلغت قيمتها 450 مليون دولار، بما ضاعف الضغوط على موارد الدولة.
بجانب هذا، انخفضت انتاجية الشاي لأقل مستوى منذ 23 عامًا، متسببة في خسائر قدرت بحوالي 425 مليون دولار.
وبالإضافة،اضطرت الحكومة لتقديم دعم غذائي وتعويضات للفلاحين بلغت مجموعها حوالي 350 مليون دولار.
لاحظ هنا أن إجمالي التكلفة التي ذكرناها هنا لسلعتين فقط تجاوزت 1.2 مليار دولار، مقارنة بـ 0.5 مليار وفرتها السياسات الخضراء في هذا البند.
في نوفمبر 2021، اضطرت حكومة سريلانكا لرفع الحظر عن الأسمدة والمبيدات. لكن هذا القرار المتأخر تسبب في ارتفاع كبير للطلب عليهما، بما رفع سعرها بصورة كبيرة، بخلاف الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي ضاعف أسعار الأسمدة والمبيدات، ليفشل المزارعون في تسميد الأراضي للموسم الثاني على التوالي.
أتى مايو 2022، لم تستطع الحكومة الوفاء بمبلغ 51 مليار دولار للدائنين. وبقية القصة معروفة: عناوين أخبار إفلاس سريلانكا ثم المظاهرات.
الدولة التي استطاعت تحقيق مستوى عالٍ من الازدهار، والالتحاق بـ الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل خلال 3 أعوام، تحولت لدولة مفلسة تسودها الاضطرابات، وملايين من الأسر وقعت تحت خط الفقر، ولم يعد باستطاعتها الحصول على احتياجاتها من الغذاء.
مئات الضحايا في تفجيرات عيد الفصح التي طالت كنائس وفنادق.. كيف نفهم سريلانكا؟ | س/ج في دقائق