Leaving Neverland.. قضية مايكل جاكسون: السينما قاضٍ والجمهور هيئة محلفين | أمجد جمال

Leaving Neverland.. قضية مايكل جاكسون: السينما قاضٍ والجمهور هيئة محلفين | أمجد جمال

12 Mar 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لم يتفوق فنان على مايكل جاكسون في ثلاثة أمور: مبيعاته، ثروته، وكمّ الشائعات التي نُسجت حول حياته الشخصية.

بإمكانك أن تدعي أي شيء عن مايكل جاكسون وستجده مادة خصبة للانتشار والتصديق؛ فكل فنان يختار “بيرسونة” أو وجها يظهر به للعامة ليترك عن نفسه انطباعًا ما، ومايكل اختار – أو قُدر له – أن يمتلك بيرسونة فنية هي الأغرب على الإطلاق. بدا كائنًا ينتمي لكوكب آخر في شكل حياته وعلاقاته وموسيقاه وملابسه وحركاته وتحولاته الشكلية وأسلوب حديثه، متي يظهر، ومع من.. ومتى يختفي.

لوقت ما، لم تكن مشكلة كبيرة أن تقترن الأساطير بالحقائق، فعرش ملك البوب ظل صامدًا، حتى في أحلك الظروف ومع أخطر التهم، إلى أن ظهرت السوشال ميديا، وهي جديد المعادلة الآن. وفي هذه الأيام، يمكننا القول أن العرش قد اهتز فعلًا، وبعنف!

صحوة ضمير.. ومانشيت ساخن

في الفيلم الوثائقي الجديد Leaving Neverland – إنتاج شبكة HBO – يُعاد النبش في الحياة الجنسية الجدلية لمايكل، بحوارات مطولة مع رجلين؛ وايد روبسون وجيمس سيفشاك. ادعيا أمام الكاميرات أن جاكسون مارس الجنس معهما في سنوات طفولتهما (أواخر الثمانينيات – أوائل التسعينيات) بينما كان في قمة نفوذه وشهرته.

وايد روبسون طفلًا رفقة مايكس جاكسون

الاتهامات ليست جديدة من نوعها؛ سبق أن اجتاز مايكل جاكسون قضيتين من هذا النوع ضد مدعين آخرين. الأولى انتهت بتسوية مالية، بينما برأته المحكمة في الثانية بقرار رجحته الأدلة وأقوال الشهود. بين هؤلاء الشهود بطل فيلم HBO الجديد نفسه “وايد روبسون”. لكن أزمة نفسية وصحوة ضمير تراجعت به بعد سنوات عن أقواله القديمة، على حد قوله، فيظهر هنا ليحكي تفاصيل دقيقة عن علاقة جنسية جمعته بجاكسون طوال سبع سنوات، وقبل سن بلوغه.

الفيلم من إخراج دان ريد، الذي أقبل عليه إقبال صحفي مبتدئ يبحث عن خبر ساخن، ما لا يتناسب مع تاريخه الفني الذي توحي به صفحته على IMDb؛ فرغم ضآلة شهرته، يظل في رصيده عدد من الأفلام الوثائقية والجوائز. وبالمناسبة، هي ليست المرة الأولى التي تتناول أفلامه موضوع “البيدوفيليا”، لكنها بالطبع الوحيدة التي استطاعت تصدر المانشيتات وتحقيق التريند.


ما تكشف عن كيفن سبيسي لم يكن قضية التحرش بالذكور فقط | س/ج في دقائق

إدانة الكاردينال جورج بيل المرشح لخلافة البابا باغتصاب قُصّر | الحكاية في دقائق


معيب.. وجذاب

الفيلم معيب بلغة التوثيق؛ لتجاهله العديد من الملابسات في علاقة مايكل جاكسون بالرجلين، والأحداث التي سقطت من الخط الزمني للفيلم.

مثلًا، هناك ادعاءات مضادة مقنعة عن وايد روبسون تحديدًا، وقيل أن السبب الحقيقي لتغييره أقواله هو رفض مؤسسة جاكسون طلبه بإخراج العرض المسرحي Cirque De Soleil سنة 2011، أي قبل تراجعه عن شهادته بعامين. أحد أقرباء جاكسون كذّب واحدة من الجلسات التي ذكرها الفيلم لأنه كان حاضرًا، بينما تحمل شبكة الإنترنت العديد من الأدلة المضادة والنظريات التي تشرح الدوافع الحقيقية للمدعين.


اطلع على وجهات النظر المضادة في قضية مايكل جاكسون:


لكن لو تحدثنا بلغة الفن، فالفيلم جذاب فعلًا، بل وجدير بوقت المشاهدة، لنفس الأسباب التي تجعله محل هجوم وتشكيك من البعض:

الصدمة والصوت الواحد

صنع ريد الفيلم بنبرة إدانة – لا تقبل اللبس – ضد مايكل جاكسون. ليس محايدًا ولا يدعي الحياد. يُغيب مفهوم الرأي والرأي الآخر، ويتجاهل الشهادات المضادة. هذا ليس تحقيق، بل خطاب عاطفي معبأ بالغضب، مثل مظاهرة سياسية ينقصها الهتافات، لدرجة أن الفيلم يختتم بمشاهد حرق لملابس ومقتنيات مايكل جاكسون.

شجاعة الطرح

لم يشعر صناع Leaving Neverland ولا شبكة HBO بخوف من الملاحقة القضائية المتوقعة بترويج أخبار كاذبة، أو الطعن في سمعة شخص، إلى آخره. ولم يخافوا كذلك من أنصار ومهاويس “مايكل” بالملايين. وكأنهم على يقين بأن المحتوى المقدم سيعود عليهم بمكاسب أعظم من أية غرامات مادية. الملاحقة القضائية حدثت بالفعل منذ أيام بواسطة مؤسسة جاكسون، كما نعتوا الفيلم بالمقصلة الشعبوية public Lynching.

مؤسسة جاكسون اعتبرت الفيلم اغتيالًا معنويًا

المليودراما

الفيلم يخالف توقعاتنا بعدم اتساقه بجونرا الجريمة، في معظم الأحيان نتحول لقصص عن الحب، والخيانة، والغيرة، والأسرة، والموهبة في صراع تحقيق الحلم. يحدث ذلك بتقاطعات مثيرة بين شخصية وأخرى.

باختصار، الطبخة الرئيسية كانت مليئة بمكسبات الطعم والأطباق الجانبية الشهية، صنعت ثراءً في المشاهدة، لكنها جعلت المتلقي يقبل بادعاء البيدوفيليا كحجر أساس بُنيت عليه بقية الخيوط الدرامية.

أنسنة بحسب الطلب

نجده يرصد أدق التفاصيل والهوامش الحياتية في حياة بطليه، ويضعهم في إطار العضو داخل الأسرة وبين أحبائه، لا يختزلهما بصفة ضحايا اعتداء جنسي وحسب، كما يختزل مايكل جاكسون في صورة المغتصب “المقطوع من شجرة”، بلا هوايات، ولا تطلعات، ولا أصدقاء أو عائلة، لا يوجد من يهتم لأمره. مايكل في هذا الفيلم لم يظهر إنسانًا، ولو حتى إنسان مخطئ، بل ظهر مثل شخصية الفيلين ضد البطل النبيل على الطريقة الكلاسيكية المحببة.

التفاعلية

الفيلم يُشرك المتلقي بجعله شاهدًا على أحداث تُعرض عليه قبل العرض على جهة الاختصاص، وهي القضاء الأمريكي.

الجمهور ينتابه شعورًا مغريًا بالتميز، ما يضعنا في النهاية أمام هيئة محلفين تعدادها الملايين، يشعرون بسلطة تبرئة أو تجريم شخص، في عصر أصبحت فيه المحاكمات الشعبية فعالة بسلاح السوشال ميديا.


يعرض حاليًا في دور السينما:

كلينت إيستوود يحارب الزمن فيTHE MULE ‎ | حاتم منصور

أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور

#قصة_حب.. الهروب من وإلى الكليشيه | أمجد جمال | دقائق.نت

كريستان بيل يخطط للأوسكار ولغزو العراق في VICE | حاتم منصور | دقائق.نت


فاشية لم يتخيلها أدب الديستوبيا

يناير الماضي، تسبب Leaving Neverland في صدمة للمشاهدين والنقاد الذين حضروا عرضه الأول في مهرجان صندانس بالولايات المتحدة، ما جعله واحدًا من أكثر الأفلام المنتظر عرضها هذا العام. وبعد أيام من عرضه العام على قنوات HBO، تطورت ردود الأفعال من الدهشة إلى خطوات سلطوية.

فبالتزامن مع شيوع هاشتاج #MuteMJ أو “إسكات مايكل جاكسون”، سحبت بعض إذاعات الراديو أغنيات مايكل من البث. بعض لاعبي الدي جي أعلنوا مقاطعة أغانيه تضامنًا مع الضحايا. قناة تلفزيونية ألغت بث حلقة من المسلسل التلفزيوني The Simpsons؛ لأنها تحتوي على أغاني لجاكسون. متحف كرة القدم في بريطانيا أزال تمثالًا لمايكل، ومئات التصريحات والتغريدات عن أشخاص حذفوا أغانيه من هواتفهم بعد مشاهدة الفيلم.

بفرض أن مايكل كان مذنبًا، ففصل الفن عن الفنان تعد الآن نظرية حالمة وغير قابلة للتطبيق. في الوقت نفسه، فالاستغناء عن ميراث فني بارع كالذي تركه جاكسون ليس حكيمًا، خاصة لو أقررنا أن فضله على موسيقى البوب أكبر من مجرد أغنيات ورقصات، وأن نفوذه شمل أمورًا تقنية ما زالت مؤثرة في الأغنيات المعاصرة لمطربين آخرين.

الفن يجب أن يحضر لأنه الحقيقة، وهو الجزء الخيّر من كل إنسان ولو كان مجرمًا، هو التطهر، وهو المطلوب للثقافة والدراسة والنقد. ربما علينا تعلم كيف تكون الحياة الشخصية للفنان جزءًا من السرد، لا ينبغي تجاهله تمامًا ـ أو أخذه بصفة شخصية أكثر من اللازم؛ فالفنانون بالنسبة لنا كائنات اعتبارية في النهاية.

وفي كل الأحوال، هذا الميراث أصبح جزءًا منا، ومحاولات دفنه الآن تبدو مثل محاولات إعادة كتابة التاريخ التي قرأناها في أدب الديستوبيا. الفارق أن تلك الروايات كانت ترى مستقبل القمع في السلطات الحاكمة بمفهوم القرن العشرين، لكن خيال المؤلفين لم يصل إلى أن الفاشية في المستقبل ستمارس برعاية الإنترنت والفضاء الحر!


10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020| حاتم منصور

أهم أفلام 2019.. 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس

أهم أفلام 2019.. 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس – (جزء 2)


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (3)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك