مسرحية مدرسة المشاغبين بالألوان.. هل نحتاج لتلوين الكلاسيكيات فعلًا؟ | حاتم منصور

مسرحية مدرسة المشاغبين بالألوان.. هل نحتاج لتلوين الكلاسيكيات فعلًا؟ | حاتم منصور

11 May 2021
حاتم منصور
سينما عالمية سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مسرحية مدرسة المشاغبين بالألوان لأول مرة على منصة شاهد VIP في عيد الفطر.

الجملة السابقة تصدرت المنشورات الدعائية للمنصة، مُبشرة بتجربة غير معتادة نسبيًا على الجمهور العربي، وان كانت معروفة عالميًا منذ عقود.

والأسئلة التي سنتعرض لها هنًا:

– هل نحتاج لهذا التلوين فعلًا؟

– كيف تتم عملية التلوين تقنيًا؟

– هل سيصبح تلوين الكلاسيكيات هوجة مستقبلًا؟

عرف العالم حيلًا لتلوين الصورة الأبيض والأسود، حتى قبل عصر التليفزيون والديجتال. بل ويمكن القول أنها حيل ولدت منذ فجر السينما، عندما كانت تقنيات التحميض والطباعة لا تصلح بعد للحصول على صورة ملونة.

وقتها، كانت الطريقة المُتبعة هي تلوين شريط السينما نفسه صورة بصورة/ فريم بفريم يدويَا. وهو ما يمكنك أن تجد له نموذجَا هنا في لقطتين من فيلم الخيال العلمي رحلة إلى القمر الذي بدأ عرضه عام 1902 للمخرج الفرنسي جورج ميليس.

الأولى من النسخة الأبيض والأسود المعتادة، والثانية من النسخ الملونة للفيلم وقتها يدويًا. يقال أن عدد هذه النسخ لم يزد عن 60؛ لأن عملية التلوين يدويًا كانت مكلفة جدًا من حيث الوقت والمال.

لمعرفة حجم الجهد المطلوب للتلوين، فكل ثانية عرض من هذا الفيلم القديم، تشمل حوالي 14 صورة/ فريم. وبالتالي، لصناعة نسخة واحدة من فيلم طوله ربع ساعة ستحتاج لتلوين: 15 دقيقة * 60 ثانية * 14 صورة لكل ثانية.

أي أن إعداد نسخة ملونة واحدة من الفيلم يتطلب تلوين حوالي 12600 صورة يدويًا. أما إعداد 100 نسخة فيتطلب تلوين أكثر من مليون صورة أو 1,260,000 تحديدًا!

نولان ضد مولان | تفاصيل حرب ستحسم مستقبل السينما | حاتم منصور

ودعت السينما بعدها هذا العصر البدائي، وتطورت تدريجيًا الكيمياويات المستخدمة في صناعة شريط الفيلم الخام، ومعها فنيات التحميض وطباعة النسخ. وبدأت رحلة الألوان.

بحلول السبعينات، خاصمت السينما عصر الأبيض والأسود للأبد، ولم تعد هذه التركيبة بصريًا قيد الاستخدام، إلا في مناسبات معدودة.

سبعة أفلام صاغت الحضارة المصرية القديمة بفخامة وهيبة بصرية | حاتم منصور

لكن ماذا عن الكلاسيكيات؟ هل نحتاج لتلوينها؟

الرأى الفني لأغلب المخرجين وصناع السينما الكبار كان (لا). وحجتهم في ذلك هي أن الأعمال القديمة المصورة بالأبيض والأسود، تم إعداد الملابس والماكياج والديكورات والإضاءة وخلافه فيها، بناء على تركيبة الأبيض والأسود التي ستظهر في النهاية.

بالتالي، فأي محاولة لتعديلها وتلوينها، سينتج عنها تشويهًا واختلافًا في الأثر عند المتلقي، عما أراده المخرج أصلًًا.

البعض وصف المحاولة بأنها أشبه بأن ترسم شاربًا للموناليزا في اللوحة الشهيرة، أو أن تغير تسريحة شعرها، بحجة مواكبة الموضة!

لكن أرقام المشاهدات تشجع العكس:

استطلاعات وإحصائيات محطات وقنوات المشاهدة الأمريكية في السبعينيات والثمانينيات كانت دومًا تشير للعكس. بعضها وجد أن 80% من المتفرجين، يغيرون القناة فورًا إذا كان الفيلم أو المسلسل المعروض بالأبيض والأسود.

بصياغة أخرى: أي محتوى تملكه بالأبيض والأسود، هو ببساطة محتوى غير قادر على تحقيق ربح يذكر مقارنة بالملون. وتغيير حالته قد يكون استثمارًا جيدًا.

أهم 7 أفلام وتجارب سينمائية عن أسرار وول ستريت | حاتم منصور

وفرت الثمانينيات نقلة كبرى بخصوص التلوين بفضل تطور تقنيات وبرمجيات الكمبيوتر.

لشرح أساسيات اللعبة بطريقة غير معقدة تقنيًا، لنقل مثلًا أن لديك في مشهد أبيض وأسود ألف درجة تباين بين اللونين، وأن (1) يمثل الأبيض في أنصع حالاته، و (1,000) يمثل الأسود في أحلك درجاته.

في الصورة السابقة سيمكنك مثلًا أن تستبدل الدرجة الغامقة رقم 800 الموجودة على قميص البطل بلون كحلي، والدرجة الفاتحة رقم 50 على قبعته بلون أصفر. وأن تترك الكمبيوتر يقوم بذلك آليًا على كل صورة طوال المشهد. أي على 24 صورة لكل ثانية عرض.

الثغرة في هذه الطريقة أن درجات الأبيض والأسود نفسها تتغير بسبب تغير الإضاءة وزاوية التصوير. لذا قد لا يظل قميص البطل طوال المشهد بالدرجة 800، وستحتاج للتعامل مع هذا التغير أولًا بأول، ليظل اللون الكحلي ثابتًا على قميصه.

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد .. القصة والأسلوب شيء واحد (جزء 2)| أمجد جمال | دقائق.نت

والأزمة الثانية أن نفس الصورة/ الفريم قد تحمل 10 درجات للون القميص، لأن الاضاءة جعلت الجزء العلوي مثلًا أفتح من الجزء السفلي. وبالتالي ستحتاج تعديلات لمواكبة هذا أيضًا.

الأزمة الثالثة قد تكون أن الدرجة الغامقة رقم 800 التي قررت تلوينها بالكحلي، تظهر مثلًا في ركن المشهد كلون أغصان شجرة. وبالتأكيد لا توجد أشجار كحلية اللون. لذا ستحتاج للتعامل مع هذا الركن بشكل منفصل، وتحويل الدرجة 800 فيه لدرجة بنية بدلًا من الكحلي.

أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور

والأزمة الرابعة والأهم ربما من كل ما سبق هى وجوهنا كبشر، لكن هذه بالأخص أزمة تحتاج لمجلدات لشرح صعوبة تلوينها، لذا دعنا نتجاوز تفاصيل تعقيداتها.

ما سبق مجرد عينات من مئات المشكلات التي تواجه محاولات تلوين الأفلام مقارنة بمحاولة تلوين صورة واحدة. يمكنك دومًا الحصول على نتائج جيدة في حالة الصورة الواحدة، لأن عدم وجود تتابع بعدها، يجنبك مطبات متعددة.

ما سبق أيضًا جعل النتيجة النهائية في الثمانينيات بعد التلوين، تحقق نتائج غريبة ومضحكة أحيانًا من هذا النوع:

رغم هذا، حققت هذه المحاولات العائد المنتظر منها تسويقيًا وتجاريًا وقتها، وأقبل الجمهور الأمريكي على تجربة مشاهدة هذه النسخ لفترة.

بالمقابل، ارتفعت وتيرة الرفض والإدانة، وتضمنت قائمة الرافضين نقادًا مشاهير مثل روجر ايبرت، ومخرجين كبار مثل سكورسيزي وميلوش فورمان. ووصف بعضهم الأمر وقتها بـ “هوجة تخريب” من هوليوود.

فيديو الحملة الدعائية للنسخة الملونة من “كازابلانكا” – 1988

في التسعينات، خاصم الجمهور الأمريكي هذه المحاولات تدريجيًا، ولم تعد الفكرة موضع ترحيب أو اهتمام. وعادت أغلب القنوات لعرض الكلاسيكيات بنسختها الأبيض والأسود الأصلية.

أين نحن إذن من كل سبق؟

يسهل تخيل دوافع منصة شاهد VIP في القرار. وجود نسخة ملونة من مسرحية مدرسة المشاغبين يكفل لها فائدتين:

1- دعاية مجانية بسبب شعبية المسرحية، وحجم التغطيات الإعلامية عن الخبر.

2- تكريس انطباع لدى المتفرج أن المنصة تملك ما يختلف عن غيرها، حتى لو كان مسرحية شاهدها الكل، وأنها تستحق تكلفة الاشتراك.

قاعات السينما أم المشاهدة المنزلية؟ 5 فروق رئيسية قد تحدد مستقبل قاعات العرض | حاتم منصور

بالمقابل ظهرت أصوات معارضة للفكرة، حجتها أن تغيير ذكرياتنا بخصوص مسرحية مدرسة المشاغبين غير مطلوب.

الملاحظة قد تكون سليمة لكاتب وقارئ هذه السطور. لكن ماذا عن الأجيال التالية؟ ماذا عن ابنك البالغ من العمر 6 سنوات مثلًا، الذي سيشاهد المسرحية للمرة الأولى في حياته، ولا يوجد في ذاكرته الذهنية أصلًا تجربة مشاهدة أخرى بالأبيض والأسود؟

النقطة الثانية أن نسخة الأبيض والأسود الموجودة، مجرد تسجيل تليفزيوني للعرض، ولا يوجد فيها أي فنيات بصرية معقدة لتوظيف اللونين، للحديث عن تشويه أو تخريب سيحدث بسبب التلوين.

في الحقيقة، قد تمنحنا مدرسة المشاغبين بالألوان إطارًا بصريًا أقرب لما أراده مخرجها على المسرح، من حيث ألوان الديكورات والملابس وخلافه.

أغاني الثمانينيات | 9 أغنيات و9 أسباب تؤكد أنه عصر الموسيقى الذهبي | أمجد جمال

ورغم العيوب البصرية واللونية الواضحة في الإعلان نفسه، يصعب إدانة محاولة عرض مسرحية مدرسة المشاغبين بالألوان من بابها، أو اعتبارها النسخة النهائية الأخيرة الملونة من مدرسة المشاغبين.

والسبب أن تقنيات تلوين الفيديو نفسها تتطور باستمرار، وأن البرمجيات الحديثة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، تكفل تحديثات كبرى بفضل تراكم الخبرات والتجارب وتخزين المعلومات.

اليوم تستطيع هذه الأنظمة فرز الأشجار عن غيرها في الصور الأبيض والأسود، تمامًا كما تستطيع برمجيات هاتفك المحمول تحديد وجهك أثناء التصوير. وبالتالي تضيف هذه البرمجيات تلقائيًا الألوان المطلوبة للأشجار دون تدخل.

ما سبق قوله عن الأشجار، ينطبق على مليون عنصر آخر. أنظمة التلوين تزداد دقة، وسنصل يومًا ما غالبًا، لبرامج لا تحتاج لتعديلات تذكر، للوصول لنتيجة مرضية.

الروبوت في سوق العمل .. هل يسرق الذكاء الصناعي وظيفتك؟ | إنفوجرافيك في دقائق

في الجيف التالي من تحفة هتشكوك سايكو نموذج لما وصلت إليه برمجيات التلوين مؤخرًا دون الحاجة لتعديل. وبالتأكيد توجد كوارث في اللقطة.

لاحظ مثلًا: لون الأخشاب الخطأ، وكيف صبغ البرنامج أصابع البطل بنفس لون القائم الخشبي، وكيف يظهر القميص الأبيض من منطقة الأكتاف بمسحة زرقاء.

لكن بالمقابل، تبدو الصورة مقبولة في عناصر متعددة. لاحظ مثلا ألوان الشجرة والأرضية والظلال فوقها.

يومًا ما ستصل برمجيات التلوين لمرحلة تتتجاوز العيوب في الجيف السابق تلقائيًا. لكن حتى مع حدوث ذلك، تذكر جيدًا أن هتشكوك صاغ فيلمه الذي زلزل هوليوود بالأبيض والأسود، وأن مشاهدته ملونًا ستنسف بالتأكيد الكثير من سحره وتأثيره البصري.

صمت الحملان | الصوت الهادر الذي زلزل هوليوود والأوسكار للأبد | حاتم منصور

المستقبل إذن لن يدهس نهائيًا كلاسيكيات الأبيض والأسود. وستظل متاحة دومًا بروحها الأصلية. تمامًا كما يمكنك مشاهدة مسرحية مدرسة المشاغبين بالألوان في نسختها الأحدث، أو بنسختها التي تعرفها.

هل نحتاج للتلوين إذن فعلًا؟

الإجابة متروكة للمتلقي ليس إلا، وقد تختلف لديه من عمل لعمل حتى. لكن ما نحتاجه دومًا هو التطوير والتحديث وتعدد الاختيارات والفرص. لذا، دعنا نوجه الشكر لأباطرة البرمجيات وصناعة السينما، الذين أتاحوا اليوم ما لم يكن متاحا لجورج ميليس عام 1902 وأقرب لحلم.

وختامًا، إذا كنت من عشاق الصورة الأبيض والأسود، لا تتردد في زيارة هذا الرابط، فقد تجد فيه ما فاتك ويستحق وقتك جدًا.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك