دعنا نعترف هذه المرة أن محمد حسان كان أكثر براعة في توظيف الدين لتبرئة نفسه من تهمة الإرهاب من صديقه محمد حسين يعقوب الذي كان مثار سخرية الجميع بعد شهادته التي اعتمد فيها الإنكار وحده سلاحًا للتنصل من الإرهابيين الذين تعلموا على يديه.
محمد حسان هنا يعترف بحضور ومتابعة المتهمين لدروسه وبرامجه وكتبه وأفكاره.
يعترف أيضًا بإيمانه بكل الأفكار الصانعة للإرهاب بداية من الحاكمية، مرورًا بالولاء والبراء، وصولًا لدفع الصائل وقتال الطائفة الممتنعة.
يعترف كذلك بدعوته لجهاد “الروافض” في سوريا. بل وبانحيازه للإخوان من قبل وصولهم للسلطة، وحتى آخر لحظة لهم فيها.
لكن، مع تلك الاعترافات المتتابعة، يقدم محمد حسان تأويلات تخرجه من تهمة الإرهاب كالشعرة من العجين!
كان متمكنًا جدًا من أدواته، على العكس تمامًا من محمد حسين يعقوب. ولعل ذلك راجع إلى ما اعترف به يعقوب نفسه في شهادته السابقة؛ كون خطابه يأتي في مرتبة أدني من خطاب محمد حسان والحويني، وهو ما كان ظاهرًا في شهادة حسان، الذي قدم فيها إجابات نموذجية بالفعل.
الشيخ محمد حسان | 4 محطات فارقة في حياة الضلع الثاني لثالوث السلفية المعاصرة | هاني عمارة
تنظيم داعش: منحرف ووحشي ومشبوه.
تنظيم أنصار بيت المقدس مخالف للكتاب والسنة.
تنظيم القاعدة يحكم بردة وكفر المسلمين وحكامهم، ويستبيح الدماء والأموال والأعراض.
تنظيم الإخوان كان دعويًا تحول لحزب سياسي وفشل حين وصل للحكم وتسبب في إراقة الدماء، وهو تنظيم يخالف المنهج السلفي في الدعوة للتوحيد واتباع السنة.
الجماعة الإسلامية تورطت في الإرهاب وتراجعت عن أفكارها في السجون.
على الدولة أن تواجه كل من يحمل السلاح بالقوة، وأن تكرر فكرة المراجعات مع الشباب الذين لم يحملوا سلاحًا فقط.
من حق الدولة منع من يعتلي المنابر بدون علم، وتطبيق “الحجر الدعوي”.
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة. وشرف لكل داعية الانتساب للأزهر.
تلك كانت إجابات محمد حسان النموذجية التي يفرح بها كل من يغفل حقيقة مواقفه السابقة المناقضة تمامًا لشهادته في المحكمة، ويفرح بها أيضًا كل من يبحث عن تبرير لتجميل صورته بدعوى مراجعته لأفكاره.
فن المراوغة لإمام “اللا أدرية” محمد حسين يعقوب.. “شاهد شاف كل حاجة” | عمرو عبد الرازق
المتابع الجيد لخطاب محمد حسان يعرف موقفه الرافض لاحتكار الأزهر للدعوة، وكذلك موقفه الثابت والموثق التي يناهض فيها الأزهر والأشاعرة، ويخطف منهم إمامهم “أبا الحسن الأشعري” نفسه، ويدعي أنه تراجع عن أشعريته لصالح المذهب الحنبلي السلفي الذي يحصر فيه أهل السنة والجماعة!
ورغم شهادته الثابتة والموثقة على رغبة الدولة في عدم فض الاعتصام بالقوة، بشرط الالتزام بالسلمية والانصراف من رابعة بأمان، وهو ما رفضه الإخوان، وهاجموه على منصة رابعة، لكنه شاركهم اعتصامهم في ميدان مصطفى محمود يوم فض رابعة، وحرضهم هو وزميله محمد حسين يعقوب، باعتبارهم في حرب من الدولة على الإسلام!
ثم غاب تمامًا عن المشهد حتى استطاع الجيش السيطرة على مقاليد الأمور، فقفز من مركب الإخوان، وأظهر نفسه في صورة المؤيد للدولة من باب الحكم لمن غلب فقط.
وفي مؤتمر بعنوان “موقف علماء الأمة من الأحداث في سوريا” بثته قناة الجزيرة، وجه محمد حسان خطابه مباشرة إلى الشعوب الإسلامية، مطالبًا بنصرة سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد، وقال نصًا: “لابد من استنكار تصنيف واتهام فصائل الثورة الإسلامية في سوريا بالإرهاب”.
لبيك “إسلام الجريمة”.. كلنا نفدي الحمى .. أكان الشيخ شاهدا أم مجرما؟ | خالد البري
لا شك أن محمد حسان يملك من العبقرية ما جعله يتعلم الدرس من أخطاء شهادة زميله محمد حسين يعقوب. فابتعد عن الإنكار إلى أدوات جديدة، مكنته ليس فقط من تجنب الخسائر التي وقع فيها يعقوب، وإنما الحصول على مكاسب إضافية.
لم ينكر تتلمذ المتهمين الإرهابيين على يديه. لكنه أنكر أنهم اتبعوا “المقصد الصحيح” من كلامه وأفكاره، فقال إن معنى الحاكمية، والولاء والبراء، ودفع الصائل، وقتال الطائفة الممتنعة، عنده غير المعنى الذي فهموه، وهي حيلة شديدة الذكاء استطاع بها الهرب من المسئولية عن الإرهاب.
هذا كل ما يشغله، أما الإرهاب نفسه، فلا يشغله.
وفي إدانته لتنظيم القاعدة، لم يتوقف عند إدانة التنظيم وحده، بل أدان معه الحكومات التي سمحت له بالحرب ضد السوفيت، حتى تتوزع التهمة بينه وبين الجميع، إذا ما أخرج له القاضي فيديوهاته القديمة المؤيدة للتنظيم.
محمد حسان لم يتورط في إدانة الإخوان إدانة كاملة كما تصور البعض، فقد جدد بوضوح تأييده لهم طيلة فترة حكمهم، وقال إنهم أخطأوا فقط في عدم التنازل عن السلطة، وهو بذلك يصور الخلاف معهم باعتباره مجرد خلاف سياسي بين طائفتين، إحداهما تملك الشرعية، والأخرى تملك القوة!
حسان أعلن على عكس حقيقته موافقته بمرجعية الأزهر واعترافه بأشعريته، وطالب بالحجر الدعوي على من يراه الأزهر مخالفًا. لكنه أكد أن جميع تحركاته كانت تتم بتنسيق دائم مع الجهات المسؤولة في الدولة.
ولم يكتفِ بذلك، بل استغل الاحترام والتبجيل المبالغ فيه من القاضي له، في مطالبته بالتوسط له عند الأزهر، للحصول على إجازته، بل وعرض عليه أن يدفعه لتكرار فكرة المراجعات للمعتقلين الإرهابيين داخل السجون على غرار ما حدث في أواخر التسعينيات، وهو ما يمثل قبلة النجاة للإسلاميين.
شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب: قراءة موثقة في تناقضاته ومراوغاته ودوافعها | هاني عمارة