راشد الغنوشي | 3 معالم و4 تناقضات في منهج سبط ابن الجوزي الجديد | هاني عمارة

راشد الغنوشي | 3 معالم و4 تناقضات في منهج سبط ابن الجوزي الجديد | هاني عمارة

29 Jul 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

تونس
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

إحدى أغرب الشخصيات في التاريخ الإسلامي كان المؤرخ والأديب شمس الدين أبو المظفر يوسف، المعروف بـ “سبط ابن الجوزي” يعني ابن بنت الإمام الحنبلي المعروف أبو الفرج بن الجوزي؛ لأنه كان محيرًا، لا يعرف له مذهب واضح، رغم نشأته الحنبلية.

قال عنه ابن تيمية:

كان يصنف بحسب مقاصد الناس؛ يصنف للشيعة ما يناسبهم ليعوضوه بذلك، ويصنف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه، فكانت طريقته الواعظ“.

وكان إذا قيل لـ “سبط ابن الجوزي: ما مذهبك؟ قال: في أي مدينة؟

ومما يروى عنه أنه كان في أحد مجالسه، ويحضره السنة والشيعة، فسألوه على سبيل الاحراج من الأفضل: أبو بكر أم علي؟ فأجاب: من كانت ابنته تحته..

فقالت السنة: هو يقصد أبا بكر؛ لأن ابنته عائشة تحت رسول الله. (الهاء الأولى تعود إلى أبي بكر والثانية إلى النبي).

وقالت الشيعة: إنما يقصد عليًا؛ لأن تحته فاطمة ابنة رسول الله. (الهاء الأولى تعود إلى النبي والثانية تعود إلى علي).

أتذكر دائمًا سبط ابن الجوزي وأنا أرصد تلونات خطاب الإخوان حسب الزمان والمكان:

في الزمان: تجد كيف بدأ الإسلام معهم قوميًا نازيًا، ثم اشتراكيًا، ثم رأسماليًا، ثم حداثيًا، وكيف تحرك من الشمولية للحزبية للديمقراطية.

وأما المكان: في كل دولة يقدمون خطابًا مختلفًا؛ في الخليج خطابهم سلفي يميل للتشدد، وفي مصر أقرب للخط الأزهري الوسطي.

راشد الغنوشي.. سبط ابن الجوزي الجديد

في تونس تحديدًا، كان التحدي أمام الإخوان صعبًا؛ بالنظر لطبيعة زعامة الحبيب بورقيبة الوطنية الاستثنائية، وتوجهه العالماني، اللذين مكناه من خلق تيار شعبي عالماني، بخلاف بقية دول المنطقة التي غلب عليها النمط القومي المحافظ.

من تصدر للقيام بدور “سبط ابن الجوزي” هنا؟

كان راشد الغنوشي. المنظر والمؤسس لحركة النهضة، فرع الجماعة في تونس، بمراحله المختلفة، على مدار أربعين عامًا، انتقل فيها من الخط المتشدد التقليدي المعادي لمشروع بورقيبة، إلى مشروع حداثي يقبل بكل مفردات الدولة الحديثة، لكن بآليات أصولية تلفيقية.

ولأن الهدف هو السلطة، تمثل التحدي أمام راشد الغنوشي في كيفية صياغة خطاب يجاري الحالة التونسية العالمانية، ويتماشى مع أصول خطاب الإسلام السياسي العام في العالم ومصادره؛ حيث تزامن ذلك مع فترة غلب عليها التشدد الفقهي الحركي التنظيمي، المناقض تمامًا لكل مفردات الدولة الحديثة، وهو ما فعله الغنوشي بداية، حيث التزم بالأصول.

لكن راشد الغنوشي لم يعجز عن ذلك، ضمن إطار تلفيقي يجمع بين المتناقضات. لتمنحه هذه الحالة الفريدة نوعًا كبيرًا من الرضا والقبول العام بين التيارات المختلفة:

يراه الإخوان إخوانيًا منظرًا، ومؤسسًا، وملتزمًا بأصول الجماعة، بينما يراه السلفيون مقرًا بأصول الإسلام المتفقة مع نقدهم العام، والشيعية يرونه وجهًا سنيًا معتدلًا، والتنويريون العالمانيون يرونه أقرب الإسلاميين للعالمانية والتنوير.

بين كل هؤلاء، استحق راشد الغنوشي أن يكون  بحق “سبط ابن الجوزي العصر الحالي”، مع اختلاف الغاية؛ فغاية السبط كانت الأموال والعطايا، بينما غاية الغنوشي التمكين.

معالم خطاب راشد الغنوشي

أساس مشروع راشد الغنوشي هو طرح بديل إسلامي لدولة الحبيب بورقيبة العالمانية، متعمدًا المزايدة في الجانب السلبي، مثل حكم الحزب الواحد، والقضايا الشعبوية، مثل الدين والهوية والقومية.

وفي سبيل ذلك، يتميز خطاب راشد الغنوشي بثلاثة معالم أساسية.

1 – إقرار الأصول العامة لخطاب الإسلام السياسي: 

يلتزم راشد الغنوشي بالخطوط العامة لخطاب الإسلام السياسي من تأكيد الهوية الإسلامية، وشمول الإسلام، ووجوب تطبيق الشريعة بالعموم، والالتزام بالمصادر العامة للتشريع بالعموم.

2 – عدم الخوض في تفاصيل الخلافات الفرعية والحركية:

رغم إقراره بالأصول، لا يميل راشد الغنوشي – بخلاف أقرانه من المنظرين – للخوض في تفاصيل الأمور الفقهية أو العقدية، مركزًا فقط على الأمور التي تمس الجانب السياسي وتسهيل التمكين، مثل المرأة، والتعددية، والديمقراطية، والعنف.

3 – محورية مسألة الديكتاتورية:

برغم التسامح والحداثة الظاهرية في خطاب راشد الغنوشي إلا أنه يتشدد ويتمحور في مسالة الحكم، ويجعلها مناط الكفر والإيمان، حيث يستخدم فيها مصطلحات أقرب للتكفير، مثل الطواغيت والمنافقين.

تناقضات راشد الغنوشي

من يطالع كتابات وتنظيرات راشد الغنوشي يجد الجمع بين المتناقضات، وتلفيق الاستدلالات، وورود المصطلح مع الاستدلال منه على معنى عكسي. لمست ذلك أكثر كتب نقد الغنوشي، وبينها “تدرجات الغنوشي” للشيخ السلفي “سليمان الخراشي”.

 1- بين السلفية والتجديد:

برغم مشروعه الحداثي المنافي تمامًا للسلفية أصولًا وفروعًا، فإن راشد الغنوشي يمتدح السلفية في كتابه “الحركة الإسلامية ومسألة التغيير“، ويعتبرها من مقومات الحركة الإسلامية.

ويعني بها: “استمداد الإسلام من أصوله دون تعصب لما وجد في تاريخ الإسلام من نظريات واجتهادات، فالأصل ما ورد في الكتاب والسنة وعصر الخلفاء”.

وامتدح راشد الغنوشي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتب في مقدمة أحد كتبه: “إهداء إلى داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب”.

كما غازل السلفيين بكتاب “القدر عند ابن تيمية” موظفًا لموقف ابن تيمية المناقض للأشاعرة في مسألة السببية.

2- إيران والشيعة:

يمتدح راشد الغنوشي النظام الإيراني ومؤسسه روح الله الخميني كثيرًا، ويشيد بالثورة الإيرانية التي قادها. اختصه بإهداء في مقدمة أحد كتبه، ونقل عنه من كتاب الحكومة الإسلامية:

غير أنه ينتقد التصور الشيعي للحكم في كتابه “الديمقراطية في الإسلام” ويصفه بالثيوقراطية.

3- حكم الله أم الشعب؟

وهي من أعجب التناقضات في مشروع راشد الغنوشي.

في كتاب الأشهر “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” اعتبر الحكم الإلهي هو أساس الدولة، وأن النص الديني هو الدستور، غير أنه يجعل المجلس النيابي هو أساس الحكم، ويعتبر أن تفسير المجلس للنص هو الأساس، بل ويتطرف معتبرًا أن أي نظام غير برلماني هو نظام غير إسلامي فاقد للشرعية، وأن مسؤوليات الحكام هامشية، ويستبدل مفهوم الإجماع الديني الشرعي بإجماع البرلمان.
ولهذا تولى راشد الغنوشي بنفسه رئاسة البرلمان، ويحاول حزبه تقليل صلاحيات رئيس الدولة.

4- الخلافة والدولة الحديثة:

يأخذ راشد الغنوشي على الشيخ علي عبد الرازق والكتاب العالمانين، إنكارهم لفكرة وجود الدولة الإسلامية.

لكنك حين تطالع نموذج تنظيراته، تجده أفرغ مفهوم دولة الخلافة الإسلامية من مفهومه؛ فلا شريعة، ولا خليفة، ولا حسبة، ولا مظاهر دينية.

بين التنظير والممارسة

يتسم خطاب راشد الغنوشي بالبراجماتية والتلون. ظهر هذا جليًا في سلوكه مع جماعته بعد ثورة 2011: شاهدنا كيف تواطأ مع التيارات التكفيرية مثل أنصار الشريعة، ودور حزبه في شحن المقاتلين لداعش، حتى أصبحت الجنسية التونسية رقم 1 في جنسيات داعش، رغم بعض “النقد المتحنن” للتنظيم. 

كما تواطأت الحركة مع المحور التركي القطري في نقل الأسلحة والإرهابيين إلى ليبيا بشكل قد يهدد الدولة التونسية مستقبلًا.

تلاحظ كذلك كيف تهربت جماعته من تسليم السلطة بعد انتهاء مدتها، قبل أن تتراجع مجبرة بعد أحداث 30 يونيو في مصر، مخافة تكرار نفس السيناريو. وكيف تمارس جماعته الانتهازية السياسية في السيطرة على البرلمان والحكومة واختراق مؤسسات الدولة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك