Ramy .. كوميديا الهوية في منزل أسرة مهاجرة | أمجد جمال

Ramy .. كوميديا الهوية في منزل أسرة مهاجرة | أمجد جمال

6 May 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بعض الصحف الأمريكية تصف “رامي” بالمسلسل الثوري.

صحيح أنه يقدم محتوى صادما وغير معتاد على الدراما الأمريكية، لكن الحالة الثورية منقوصة؛ بالإشارة إلى أنه يأتي في ظل ظرف سياسي مهيأ تمامًا بل ومتعطش لاستقبال حكايات عن المسلمين كأبطال فاعلين في تلك الحكايات لا أدوار هامشية، وبمنظور مغاير لنمط المسلم المتشدد الكاره للغرب والمدجج بالأسلحة والمتفجرات، ووفق نوعيات درامية مختلفة عن الإثارة والحركة والحرب والجاسوسية.

بيئة مهيئة لـ Ramy

كل القرائن تشير إلى أن صناعة الترفيه الأمريكية باتت عاصمة المعارضة ضد الرئيس دونالد ترامب. يظهر ذلك في حفلات توزيع الجوائز، وفي تصريحات النجوم، وظهر منذ أسابيع عندما حذرته شبكة HBO من استخدام ميمز خاصة بمسلسلها “صراع العروش” في حسابه على موقع تويتر.

المسلمون بدورهم كفئة مصنفة أعلى قائمة ضحايا سياسات ترامب، سيكونون محل ترحيب من الطرف الأمريكي المضاد في هذا الوقت، وستخصص لهم مساحات أكبر.

شاهدنا نماذج في السنوات الماضية، أبرزها الفيلم الكوميدي The Big Sick عام 2017، الذي يحكي قصة شاب من أسرة باكستانية مسلمة تعيش في أمريكا، يقع في حب فتاة أمريكية بيضاء.

مسلسل “رامي” الذي طرحته منصة Hulu قبل أيام، يدخل نفس الدائرة من الأعمال، باستثناء أنه يفعلها بأكثر الطرق جرأة، فيقتحم مختلف أركان البيئة المسلمة، ويقدمها بحقيقتها المعقدة والمداعِبة للمتفرج الأبيض، كما هي مثيرة للمتفرج المسلم وهو يرى صراعاته النفسية والثقافية مرسومة بهذا الشكل المُفارِق، والبعيد عن المتاجرة والاستشراق.

حتى المتفرج الشرق أوسطي، سيرى مشكلاته الحقيقية والصراعات المدفونة التي فشلت المسلسلات والأفلام الصادرة من بلده في تناولها بنفس درجة الحرية والوضوح والحيادية، وبعيدًا عن التضمين والترميز والمهادنات البصرية البليدة والاستنتاجات الفكرية الجبانة.


تأثير ترامب العابر للحدود في SICARIO DAY OF THE SOLDADO


أبطال Ramy

رامي شاب مسلم في أواخر عقده الثالث، ممارس لطقوس العبادة لكنه غير ملتزم بالتعليمات الأخرى. لا زال يعيش في منزل أسرته المكونة من: الأم مايسة، ربة المنزل الذي قامت بدورها الممثلة هيام عباس، وهي فلسطينية عاشت شبابها في مصر.

الأب فاروق، وقام بدوره عمرو واكد، أبهره الحلم الأمريكي في سنوات شبابه فهاجر متحديًا رغبة والده بالبقاء في مصر، والأخت دينا، التي أدت دورها مي قلماوي، تعيش في أمريكا وتفرض عليها الأسرة الالتزام بالتقاليد المصرية في الوقت الذي يتساهلون مع أخيها رامي لأنه الذكر.

يفقد رامي وظيفته مع ثاني الحلقات، ويضطر للعمل عند خاله نسيم في متجر بيع المجوهرات، وظيفة يكرهها، كما يكره عمه الذي أدى دوره ببراعة ليث نقلي، وهو الشخصية الأكثر ثراء في كتابتها. مهووس باليهود، مؤمن بنظرية المؤامرة، عنصري، ذكوري، فظ الطباع. لكنه شديد الظرف، ويملك إجابات لكل ألغاز العالم، من موت الأميرة ديانا وحتى فشل الثورة المصرية.

يسرق الكاميرا من الجميع في كافة مشاهده، ويظهر من حين لآخر تفاصيل صغيرة تؤكد أنه ليس بالسوء الذي نتصوره. تارة يبرر ذكوريته بأنها راجعة لعدم ثقته في الرجال وليس النساء، وأخرى يبرر تجارته مع اليهود رغم كرهه لهم: “على الأقل يؤمنون بشيء”!


مسلسل GAME OF THRONES .. كنز اقتصادي لـ4 دول | الحكاية في دقائق


ابن الـ Stand-up

المسلسل فكرة وتنفيذ الكوميديان رامي يوسف، وهو أمريكي من الجيل الأول لأسرة مصرية مهاجرة. منتجو المسلسل استلهموا حكايات ودعابات رامي في عروض الـ Stand-up التي كان يقدمها في نوادي نيويورك الكوميدية، فقرروا تحويل كل موقف ودعابة إلى حلقة تلفزيونية في إطار درامي، تحاول الكشف عما وراء الدعابة بتحليلها ثقافيًا.

تلك التفصيلة تكون في أحيان نقطة قوة للمسلسل، حيث تفرز الدعابة عشرات الدعابات، وتتخطى هدف الإضحاك فتصنع التعليق الفلسفي أو الاجتماعي على ما نشاهده. لكن، في أحيان أخرى تكون نقطة ضعف، عندما يتحول الحوار بين الشخصيات ليأخذ طابعًا أحادي الصوت، كأن الكاتب ينفس عن همومه مباشرة بلسان الشخصيات، ويلوي عنق السياق والموقف فيكون مهيأ أمام البطل ليلقي خطبة طويلة بعد الأخرى يشرح بها نظرته للعالم. لحسن الحظ أن معظم تلك الخطب تمتعت بالحد الأدنى من خفة الظل.

مثال:

في مشهد مواعدة رامي لفتاة مسلمة “نور”، المواعدة تتطور سريعًا من جلسة في مقهى إلى نور وهي تحاول ممارسة الجنس في سيارتها، رامي يقاوم محاولتها متحججًا بأن ذلك التطور غير محبذ في اللقاء الأول، فإذ بنور تبكي وتتهمه بقولبتها وفق ديانتها وحصرها في دور الأم والزوجة، ولو كانت فتاة بيضاء لما تردد.

هنا يقدم المسلسل تعليقًا اجتماعيًا حقيقيًا لطريقة تفكير السواد الأعظم من الذكور المسلمين، لكن الموقف نفسه كان معيوبًا في تصميمه الدرامي، خاصة ونور تطلب من رامي القيام بفيتيش جنسي يتطلب العنف أثناء الممارسة، وهو أمر غريب بالفعل لمواعدة هي الأولى سواء مع فتاة مسلمة أو بيضاء!

إن تردد رامي في إكمال ممارسة كتلك قد يتحمل دوافع منطقية أخرى غير المُتهم بها.  لا ننسى أنه يطبق لاحقًا بروتوكول “المواعدة الأولى بدون جنس” مع الفتاة اليهودية “سارة”، ويوافق ابنة عمه “أماني” حين تنتقد عقلية الرجل الشرقي في رغبة ممارسة الجنس من أول مواعدة.

المسلسل في معظمه يركز على جانب الحياة العاطفية والجنسية لرامي، بداية من رفضه لفكرة الزواج التقليدي، وخاصة مع فتيات مسلمات محجبات، إلى سلسلة التناقضات النفسية والحواجز الثقافية والدينية التي عليه عبورها لتنجح علاقاته مع الأخريات.

كل ذلك لا يدور بمعزل عن أزمة جيل الألفية المنتمي له، والتي يمكن التآلف معها عالميًا من مختلف الثقافات والجنسيات، وهو ما يجعل المسلسل يتجاوز كونه مجرد مسلسل “عن المسلمين”، فهو إضافة هامة لنوعية دراما النضج Coming of age.


سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع


حلقتان دون البطل

خصص المسلسل حلقتين لم يكن رامي مركز أحداثهما؛ الحلقة السادسة عن الأخت دينا، وصراعاتها الشخصية للانعتاق من الوصاية الأبوية والتمييز لصالح أخيها الذكر. كانت تلك الحلقة الوحيدة من كتابة المنتجة “بريدجت بيدارد”، امرأة بعيون امرأة، مزجت بيدارد الواقعية بالسريالية، وخلقت مواقف مضحكة وذكية تجعلها بسهولة من أفضل حلقات المسلسل، إضافة للحلقة السابعة عن الأم مايسة ومرورها بأزمة ربيع العمر التي يُفترض ألا تمر بها امرأة من الشرق.

قد يطول النقاش حول الحلقة الرابعة، التي تعود بالفلاش باك لرامي وهو في الحادية عشر من عمره، أحداث 11 سبتمبر تقع وهو في صفه الدراسي، في اليوم الذي يستكشف فيه جنسانيته ويتعرف على العادة السرية! نقطة مفصلية في حياته كمسلم في مجتمع تغيرت فيه للتوّ نظرته للمسلمين، وكذكر نشأ بين ميراث ديني يحاصر الجنس بكثير من المحاذير، وواقع اجتماعي يتساهل معه تمامًا.


LEAVING NEVERLAND.. قضية مايكل جاكسون: السينما قاضٍ والجمهور هيئة محلفين | أمجد جمال


موسيقى سبعينيات القاهرة

المسلسل يقدم تحية حارة لموسيقى المصري هاني شنودة،  فالتيمة لتتر البداية لم تكن سوى مقطوعة “لونجا 79” والتي صدرت في ألبومات فريق “المصريين”، وكثير من أغنيات المسلسل غناها نفس الفريق ولحنها شنودة، وظفت بوعي مثير للإعجاب، خاصة أغنية “ما فاتش ليه” وهي أغنية تتناول كلماتها مضايقات المارة التي تتعرض لها فتاة تنتظر حبيبها في الشارع، نسمع الأغنية بعد مشهد عراك الخال نسيم الذكوري (لاحظ المفارقة!) وهو يحاول إنقاذ فتاة أمريكية بيضاء يمارس رفيقها العنف ضدها في الشارع.

أيضًا، احتوت قائمة الموسيقى التصويرية على عدد من أغنيات عبد الحليم حافظ. ما يجمع شنودة وحافظ هو عصر منتصف السبعينيات إلى نهايته، وكأنه خطاب عاطفي لتلك الفترة التي هاجرت فيها العائلة من مصر على الأرجح.

تكاد تخلو أغنيات المسلسل من إنتاج مصري حديث، ما يتوافق لاحقًا حين يكتشف رامي أن الحنين الذي لديه لمصر هو حنين واهم، حنين لمصر أخرى غير مصر اليوم. الأكثر قسوة حين ينتهي بحثه عن الهوية بمزيد التشوّش واللامعنى.


أحمد زكي.. كيف استحق اعتذار روبرت دينيرو عن “زوجة رجل مهم”؟ | أمجد جمال


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك