التطور الأبرز في سياسة السعودية كان مرتبطًا بإيران، أكبر خصوم المملكة في الشرق الأوسط.
في أبريل 2021، بدا ولي العهد محمد بن سلمان تصالحيًا بشكل مفاجئ حين أكد أن السعودية تسعى لإقامة علاقات جيدة مع منافستها؛ تعزيزًا للازدهار الإقليمي.
التصريح جاء بعدما فقد السعوديون ثقتهم في التزامات الولايات المتحدة بحماية الأمن السعودي بالتالي، قررت الرياض الاعتماد على نفسها في تعزيز أمنها بما تراه ضروريا.
لا يزال السعوديون حذرين بشأن آفاق النجاح؛ باعتبار أن إيران ليست مستعدة، وأن طهران مصرة على استبعاد الأطراف الإقلييمة من محادثاتها النووية مع الغرب، وعلى استبعاد الشركاء الدوليين من محادثات القضايا الإقليمية. لكنهم انخرطوا في عدة جولات تفاوض.
بدت السعودية سخية في انفتاحها على دعم المحادثات النووية، بشرط إدراج القضايا الأخرى المقلقة، بما في ذلك البرنامج الصاروخي، وتطوير الدرونز، ونشاط وكلاء إيران في الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن مصير المحادثات، وأن الأسباب الأساسية للعداء المتبادل لا تزال قائمة، فإن السعودية أدركت أنها بحاجة إلى إعادة التموضع، والتخفيف - ولو جزئيًا - من ساحات الصدام الإقليمي.
تتمثل أولوية السعودية القصوى، على الأقل منذ 2016، في إنهاء صراع اليمن، والذي يتسبب في خسائر بشرية ومالية كبيرة، فضلاً عن كونه تهديدًا مباشرًا لأمن السعودية واستقرارها.
السعودية ترفض التوصيف الأمريكي - الغربي بشأن تدخلهم في اليمن. لكنها قدمت عرضًا سخيًا مجددًا لوقف إطلاق النار بما يوافق التحركات الغربية.
وكالمتوقع، رفض الحوثيون العرض، استفادة من قرار بايدن بإلغاء تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية، فردوا على الدفع الدبلوماسي الجديد بمزيد من العدوان داخل اليمن وكذلك عبر الحدود إلى السعودية.
يعتقد السعوديون أن رغبة الحوثيين في التفاوض على إنهاء الصراع مرتبطة بمصير محادثات إيران النووية،
بالتالي، ركزت حملتها على مواصلة دعم قوات الحكومة اليمنية، وتحديدًا تحويل 90٪ من عملياتهم الجوية إلى دعم جوي وثيق للجيش اليمني في مأرب، خوفًا من أن يؤدي سقوط مأرب إلى فتح الباب أمام نجاحات الحوثيين في شبوة. وإلى الشرق في حضرموت، مما يجعل إنهاء النزاع عن طريق التفاوض أكثر تعقيدا، إن لم يكن مستحيلاً.
يقول معهد الشرق الأوسط، إن إعادة توازن القوى على الأرض مقدمة ضرورية في نظر السعودية للعودة إلى طاولة المفاوضات.
في المجالين الاجتماعي والسياسي، تغيرت المواقف تجاه إسرائيل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وغالبًا ما يعرب السعوديون، خصوصًا جيل الشباب، عن انفتاح أكبر تجاه إسرائيل وقبول وجودها في المنطقة.. هذا ظهر مثلًا في مباراة الجودو في أولمبياد طوكيو 2020.
التعاطف مع الشعب الفلسطيني لا يزال مرتفعًا. لكن الرياض محبطة من إخفاقات وفساد السلطة وضعف محمود عباس.
رغم هذه التحولات، تأنت السعودية في الانضمام إلى اتفاقات إعلان إبراهام، وتمسكت رسميًا بمبادرة السلام العربية التي اقترحها الملك الراحل عبد الله عام 2002.
يعيد السعوديون التفكير في سياستهم تجاه نظام بشار الأسد في سوريا.
السعودية ترددت حتى الآن في تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، مع التحسن المشروط بدفع الحل السياسي في البلاد بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
إن حدث، لن تتردد السعودية في تجديد العلاقات بما من شأنه أن يكسبها نفوذًا على النظام السوري وتوجيه سياساته، وبالتالي موازنة قوة إيران.
علاوة على ذلك، يعمل بشار الأسد بقوة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وبالتالي فهو بحاجة إلى شرعية إقليمية لحكمه، وقد يكون السعوديون أكثر استعدادًا لدعم الأسد في تحقيق هذا الهدف المحدود.
بدأت المقاطعة العربية لقطر بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس السابق ترامب للسعودية في مايو 2017، حيث أعرب عن تعاطفه مع الاتهامات التي أثارها قادة "الرباعية العربية" (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) ضد قطر.
الخلاف جعل الدوحة أكثر اعتمادا على أنقرة، التي أنشأت قاعدة عسكرية في الإمارة، ولذلك كان إغلاق القاعدة التركية أحد المطالب الـ13 المقدمة إلى قطر كشرط لإزالة المقاطعة.
لكن السعودية أدركت المتغيرات الدولية، بما جعل استمرار مقاطعة قطر ينطوي على عيوب أكثر من مزايا، فدفعت إلى تحقيق المصالحة في يناير 2021.
أخذ السعوديون زمام المبادرة في صياغة اتفاق العلا الذي أد أدت إلى إنهاء المقاطعة رسميًا، وكانوا في طليعة تنفيذ الاتفاقية وتطبيع علاقاتهم مع الدوحة.
في نفس التوقيت، شرعت السعودية في منافسة ودية، اقتصادية في المقام الأول، مع الإمارات، خصوصًا في جانب أسعار النفط وفي مطالبة نقل الشركات الدولية التي تمارس أنشطة تجارية في السعودية بتأسيس مقارها الإقليمية في المملكة.
على الرغم من إحباط السعوديين من الاتجاه السياسي لإدارة بايدن إزاء السعودية، إلا أنهم يعتبرون الحفاظ على شراكتهم الاستراتيجية التي تبلغ 80 عامًا تقريبًا مع الولايات المتحدة حجر الزاوية في سياستهم الخارجية.
لكنهم واضحون أيضًا في أنهم لا يريدون الانجرار إلى رؤية واشنطن لمنافسة القوى العظمى مع موسكو وبكين، ويشيرون إلى أن الصينيين هم الآن الشريك التجاري الأول للسعودية، بينما يعد الروس شريكًا رئيسيًا في أوبك +.
لذلك فإن السعودية عازمة على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع شركائها الدوليين الثلاثة الرئيسيين، وفي هذا الصدد، تمكن السعوديون حتى الآن من اتباع سياسة خارجية تتسم بالتوازن الدقيق، والتحوط، وإدارة المخاطر.
عودة السعودية (معهد الشرق الأوسط)
WSJ: السعودية فكت ارتباطها مع بيروت بسبب إيران. ماذا سيحدث لاقتصاد لبنان؟ | ترجمة في دقائق