السيسي: المقاربة التنظيرية والمقاربة التنفيذية – كيف نقيم إيقاع التغيير؟| خالد البري

السيسي: المقاربة التنظيرية والمقاربة التنفيذية – كيف نقيم إيقاع التغيير؟| خالد البري

12 Sep 2021
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ينقسم الراغبون في التغيير إلى قسمين أساسيين:

الراديكاليون، هؤلاء ثوريون إن كانوا خارج السلطة، وفرمانيون إن حازوها.

والإصلاحيون، وهؤلاء متدرجون في نظرتهم إلى التغيير سواء خارج السلطة أو فيها.

من الصعب الجزم أي النوعين أقدر على تنفيذ الهدف. لكن يمكننا الجزم بأن تغييرات الإصلاحيين أكثر رسوخًا بشرط. وتغييرات الراديكاليين أسرع، بشرط.

الشرط الذي يحكم تحقيق الإصلاحيين لميزة الرسوخ هو أن لا يكونوا في صراع مع عوامل نخر أسرع إيقاعًا وأوسع انتشارًا. أن يكونوا أسرع من خصومهم.

في مصر مثلًا هناك تنظيم ينخر في جسد الهوية المصرية، واللحمة المصرية، والعقل المصري، منذ قرن. الدولة المصرية تجرمه غالبًا، لكنها لم توله ما دائمًا ما يستحق من المواجهة والتحجيم.

الإصلاحي الأبطأ من خصومه ينتهي به المطاف في وضع أسوأ.

كانت مشجعة تصريحات الرئيس السيسي التي خصت هذا التنظيم بإدراك خطره. يشجعنا هذا أن نتمنى عدم العودة إلى طريقة تعامل الرئيس مبارك معهم، إدانة رسمية، وإفساح مجال فعلي، حتى سيطروا على كل شيء.

أتاتورك – ناصر.. وبينها السيسي

وشرط تحقيق الراديكاليين لميزة السرعة في تغييراتهم، ألا يكون اتجاهها مقوضًا لنفسه. في ذهني مثالان:

كان مصطفى كمال أتاتورك راديكاليًا في التغيير، لكنه أحاط راديكاليته بعوامل استقرار، مثل تحالفاته الخارجية التي دعمت نظامه، وجعلته ورقة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للغرب. هذه رؤية. وانتصاراته العسكرية التي دعمت تاريخه ومكانته، وجعلته مؤثرًا معنويًا في الشعب التركي، يقود فيقتنع الشعب بقيادته ويثق في حكمته.

الرئيس جمال عبد الناصر افتقد هذه السلطة المعنوية بالهزيمة العسكرية. وافتقدها أيضًا بغياب الكفاءة في السلطة. وافتقدها ثالثًا بتقويض نفسه، إذ دخل في صراعات خارجية جعلته عبئًا على القوى المؤثرة. حتى السوفييت، لم يكن بالنسبة لهم الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه. فترددوا بينه وبين إسرائيل.

افتقد إلى الرؤية، فلم تكن أفعاله في نسق، يخدم بعضها بعضًا، ويدفع بعضهًا بعضًا في نفس الاتجاه.

حتى داخليًا، كان يعلن عن نفسه تقدميًا، وربما عالمانيًا، لكنه على العكس من أتاتورك أفضت أفعاله إلى مزيد من توسيع نفوذ المؤسسة الدينية، وكان لديه تربص قروي نحو المسيحيين، ناهيك عن اليهود والأجانب المقيمين في مصر. أتاتورك امتلك رؤية عن دولة وطنية تركية. عبد الناصر من الصعب أن تحدد أولويته. لكنه أذاب مصر في هوية سياسية حالمة، انتهازية، مطبوخة على عجل.

ليس الأمر مباشرًا إذن. بين الإصلاحيين أنفسهم، وبين الراديكاليين أنفسهم، ظلال من الألوان والاختلافات. لا تمنحهم مذاقات مختلفة فحسب. بل كفيلة بأن تفشل أناسًا، وتنجح آخرين.

وبينها السيسي

الرئيس السيسي، وهذا بالنسبة لي أكثر تصريحاته لفتًا للنظر في جلسات “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، أظهر أنه مدرك لهذين النمطين في التغيير، وأنه اختار بالفعل أحدهما. أيهما؟ لا تحتاج إلى إجابتي بالتأكيد. فقد قالها بوضوح حين تحدث عن “المقاربة التنظيرية والمقاربة التنفيذية”.

هذه العبارة على بساطتها مستحقة لاهتمام كل فرد. سواء كان في العمل السياسي، أو حتى كان في العمل الوظيفي. أحيانًا نستهلك عمرًا من التجارب حتى نتعلم أن ليس بالأمنيات يدرك المرء غايته. بل بقدرته على خلق نظام وروتين مستمر يصل به إليها. كل شركة في العالم تريد أن تكون أفضل شركة. وكل موظف – أو كثير منهم – يريد أن يكون الأفضل. لكن الفارق هنا هو المقاربة التنفيذية، كيف أضع خطة تنفيذية لأصل إلى هذا.

حتى على المستوى السياسي، ننظر أحيانًا إلى الدول الغربية فنمدح قدرتها على صياغة أهداف وتحقيقها. حين نريد أن “نقلدها”، نختار من الإجراءات التنفيذية ما يبدو في الظاهر أنه في نفس الاتجاه، لكنها غالبًا في عكسه، لأنها تقفز فوق القدرة على التحقيق الواقعي. وتغفل “الزمن”.

ليس غريبًا أن كلام الرئيس السيسي أرضى كثيرين من الراغبين في التغيير، من غير الراديكاليين، ومن الشباب الذين عاصروا أحداث ٢٠١١، من غير الراديكاليين. ليس بسبب الوعود، لكن لأنهم سمعوا فيه أنه مدرك لأسئلة تدور في أذهانهم، ونقاط في نقاشاتهم.

ما النتيجة؟

لن نعرف إلا بمرور الزمن. لكن ليس كل الزمن. لأن المشروع ذا الأجل يعبر عن نفسه بخطوات نحو الهدف، يومًا بعد يوم، وشهرًا بعد شهر. فتعرف في أي اتجاه يمضي، وتتوقع أي مستوى سيحقق.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك