القرار | تخلص الدواوين من أحفاد الهكسوس في يوم البيروقراطية المصرية | عمرو عبد الرازق

القرار | تخلص الدواوين من أحفاد الهكسوس في يوم البيروقراطية المصرية | عمرو عبد الرازق

6 Jul 2021
عمرو عبد الرازق
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يبدو أن تاريخ 30 يونيو شاءت له الأقدار – أو ربما اختاره صنّاع القرار منذ البداية – أن يحمل في طياته جوانب ميولنا وطبيعتنا واختياراتنا المتناقضة. هذا التاريخ في المنظومة الإدارية المصرية يوم مفصلي لـ البيروقراطية المصرية وإدارتها، بين نهاية سنة مالية وإدارية وسنة أخرى جديدة تبدأ يوم 1 يوليو، بما تستوجبه من حركة مالية وإدارية نشطة، وجرد، ومراجعة عهدة وخلافه!

وربما كانت سمعة البيروقراطية المصرية الشائعة بين الناس، مرتبطة بالروتين والتلكع، وتقديس اللوائح. إلا أن البيروقراطية في جوهرها من أهم وسائل التنظيم الإداري في العصور الحديثة، وقدمها في صورتها “الدواوينية” عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر.

يوم 30 يونيو في مصر هو تاريخ إداري بيروقراطي بامتياز. وتسليم السلطة جرى كشأن أي عمل إداري: تعال وتقدم داخل المنظومة، فأما تثبث ذاتك، وإما لفظتك خارجها.

واختيار التاريخ يبدو أنه يفيض بمعان أكثر من مجرد ضرب موعد لحدث! فهو رسالة أنه مهما كان شأنك واغترارك، فلن تخرج عن قواعد هذه الدولة وتراتبية البيروقراطية المصرية الإدارية الهرمية وأدبياتها السياسية وأرشيفها الوطني، ليس لك الحق في تشويه ديوان العمل.

أهلًا بك كمشارك، كسطر ضمن سطوره إن استطعت الاندماج، أما وإن لفظك الديوان، ففي السنة المالية الجديدة، سيجري الجرد، وسيكون الحساب، وهو ما كان!

أبناء الإرهاب | أخطر 4 تنظيمات إخوانية في مصر بعد سقوط محمد مرسي | قوائم في دقائق

كذلك كانت صفحة الإخوان

البيروقراطية المصرية العتيقة وضعت 30 يونيو حدًا لبداية ونهاية سنة حُكم استثنائية، لا تختلف عن سجلات الإدارة المعتادة في شيء، صفحة كسائر صفحات الديوان، فلن تبدأ الجماعة حكمها باختلاف يذكر عن تقاليد الدولة، لا جديد يمكنكم تقديمه، ولن تظهروا على الناس بهيئة المُختلف والبديل زورا، فهذه الإدارة صنعتها تجربة تاريخية ممتدة.. دخلتم الديوان الحكومي ببداية سنة مالية، وخرجتم منه مدحورين بنهاية السنة التالية، ليستمر ديوان البيروقراطية المصرية في عمله بعد فاصل تعثر بسيط مع غرباء عنه!

ففي ذات اليوم قبل عام واحد من الحدث العظيم، وقف أحد أحفاد الهكسوس يؤدي يمين الحكم كرئيس لمصر داخل مقر المحكمة الدستورية العليا. المفارقة أنه كان رافضًا بشدة أن يؤدي اليمين أمام هيئة المحكمة، في إشارة فلتت من مكنون نفسه برفضه للحكم الدستوري المؤسسي بالبلاد، فصاحب الجرم مهما ارتقى موضعًا، تظل نفسه تعبر عن مكنونها بالخروج عن القوانين.

مع موعد فتح سجلات حكومية جديدة بالعام التالي، تحركت الجماهير للفظه مهانًا بما لا يقاس.. الجماهير نفسها تماهت مع تواريخها الدواوينية بسلاسة.

سقط الإخوان واستمرت دواوين البيروقراطية المصرية في عملها، تمامًا  كمشاهد نهاية فيلم “الإرهاب والكباب” لوحيد حامد.. تحذير وزير الداخلية يأتي في حسم بعد اجتماع الحكومة:

“الشغل في المجمع هيبتدى الساعة 8، الساعة 8 هيكون كل شيء عادي، الموظفين هيكونوا على مكاتبهم!”

ببساطة شديدة، سيستمر كل شيء..

يمكنك النظر بتأمل لتمثال الكاتب المصري، سيستمر في تدوينه ولا شيء يعرقل عمله!

تمثال الكاتب المصري

محاولات التقليد

حاول المشتتون من جماعات التخريب، عن تقليد ساذج وغشيم، استلهام موعد 30 يونيو لعودتهم في 2015، بحوادث اغتيال النائب العام فى 29 يونيو وحاولوا السيطرة على الشيخ زويد بعد يومين فى 1 يوليو، لكن البيروقراطية المصرية تعرف مسلكها جيدًا، ولا يتآلف معها غريب، فدافع أبطال الجيش عن الشيخ زويد ببسالة ومنعوا أن يرتفع أي علم آخر فوق أرض مصرية ولو لثوان تنقلها عدسات وكالات الأنباء ليشيع الفزع في البلاد، فأزالوا المعتدين وأبقوا علم مصر مرفوعًا بالشيخ زويد، وحلف النائب العام الجديد اليمين، واستكملت الدواوين عملها.

وإن كان التاريخ يخبرنا بمحاولة اختراق البيروقراطية المصرية من قمتها قديمًا، مع  المؤسس حسن البنا ، ووصول تأثيره داخل القصر الملكي على الملك فاروق عبر رجال القصر، وللأزهر عبر الشيخ المراغي!

إلا أن نكسة 67 قامت بفعل كسر العين للمصريين أمام هؤلاء، ولم يتبق سوى أن يتقدم للقيادة هؤلاء الغرباء، وهو ما جرى الإعداد له على مهل خلال نصف قرن تالٍ، حتى تم في موعد حددته أيضًا دواوين الدولة تحت ضغط لتسليمهم السلطة فى 30 يونيو 2012.

مرت ذكرى 30 يونيو 2015 دون احتفال لائق نظرًا للظروف السابق ذكرها. الآن فى الذكرى الثامنة، اختبرت مصر ودواوينها تحدياتها فى واقعة إيفر جرين بمجرى القناة، وباستعراض قواتها المسلحة بمناورات داخل وخارج الحدود، وبثت رسائل تثبت قوة الدولة وتأثيرها الإقليمي والعالمي، احتفلت مصر بموكب المومياوات الملكية، وأقدم جثامين لحكام بالأرض تتحرك أمام العالم، تشيد المتاحف التراثية.. تجابه كورونا بأقل قدر ممكن من الخسائر، لا تتوقف مشروعاتها بشتى أرجائها، تزيل العشوائيات وتستبدل بها مساكن حديثة، تمتلئ أرضها وحوانيتها بخيراتها في وقت اتجهت بعض الدول الثرية لتحديد الحصص الغذائية لقاطنيها، وظهرت السلع والمزروعات المصرية تملأ أرفف محلات دول أخرى، وتحركت شاحنات وطائرات مصرية تنقل الطعام والدواء لدول صديقة..

تخطت مصر أزمتها بعظمة وإخلاص.

تآلف مؤسسات البيروقراطية المصرية

في 3 يوليو 2013، انتصر المصريون للحضارة في لحظة مكثفة لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين، وفي تآلف مبهر مع مؤسسات الدولة ودواوينها، للخلاص من أحفاد الهكسوس!

فارق عام بين الحدثين لا يعني أن المصريين قد استفاقوا حينها تمامًا وفجأة، مما جرى لبلادهم، أو أنهم فهموا بدقة قصة سقوط النصف قرن. لكنهم آثروا أن يعودوا لنقطة الأمان ولا يغامروا بمقدراتهم تمامًا، وألا يغادروا الميري ولا ترابه!

لم تكن مصر خلال السنوات الماضية بنفس حالها اليوم.

في الاحتفال بثورة 30 يونيو بدت مصر أكثر ثقة. أكثر استقرارًا. أكثر قدرة على هزيمة أعدائها بالداخل، وتحجيم عداءات الخارج، وتقوية موقفها على مختلف الجبهات.

فيلم توثيقي بعنوان “القرار” يتصدره الفنان آسر ياسين، يستعرض وجهات متباينة لمعاصري الحدث. يستعرض آلام ومخاوف وتضحيات تلك المرحلة. نحن الآن أفضل حالًا وأكثر استقرارًا.

ما ضمان عدم عودة الإخوان

بنهاية  فيلم “القرار” يذكر إبراهيم عيسى أن الضامن الوحيد حتى الآن لعدم عودة الإخوان للحكم تنظيمًا وفكرًا وحكمًا، هو عبد الفتاح السيسي، وأن على الرئيس أن يضع حلًا لهذه المشكلة، بحيث يصبح انتهاؤهم أمرًا محسومًا مستديمًا، وليس مرتبطًا بشخصه.

واعتقادي أن السيسي هو ابن مخلص لمؤسسة بيروقراطية مصرية، بحكم طبيعتها هي الأكثر انضباطًا والتزامًا، والوطنية داخل هذه المؤسسة هي الطابع الأساسي.

وعليه، فتصعيد السيسي لمجابهة الخطر الإخواني لم يكن مصادفة، وليس نابعا فقط من شخص الرئيس وقراره، وإنما هو توجه مؤسسي بيروقراطي، كان واجهته المثلى والأكثر جدارة بتنفيذه، والأكثر امتلاكًا لأدوات الفعل والمواجهة هو شخص السيسي!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك