Spiderman: No Way Home | الخلطة السحرية في فيلم الرجل العنكبوت الجديد! | أمجد جمال 

Spiderman: No Way Home | الخلطة السحرية في فيلم الرجل العنكبوت الجديد! | أمجد جمال 

19 Dec 2021

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

شيء أقرب للجنون ما يحققه الفيلم الأحدث من سلسلة سبايدرمان الآن بدور السينما. الأرقام الدولية وداخل الولايات المتحدة تشير إلى أنه يسير محطمًا الأرقام القياسية لإيرادات سينما ما بعد الكورونا، وفي طريقه لتجاوز نقطة المليار دولار، التي لم يصلها فيلم منذ عامين كاملين. 

وفي مصر، يحقق الفيلم إيرادات يومية فشلت في بلوغها معظم الأفلام المصرية المحلية الصادرة في 2021، بل وينافس فئة الأفلام الناجحة لنجوم الشباك المصريين. ففي الأيام الأربعة الأولى من إطلاقه، No Way Home (١٤ مليون جنيه) بتجاوز إيراد الأسبوع الأول كاملًا لفيلم “العارف” لنجم الشباك المصري أحمد عز (١٢ مليونًا). 

ولو استمر الفيلم بنفس المتوسط اليومي (٣.٥ مليون جنيه) حتى مساء الثلاثاء المقبل، فسيتجاوز بسهولة إيراد الأسبوع الأول لفيلم “الإنس والنمس” لمحمد هنيدي (١٧ مليونًا) ليكون الرجل العنكبوت بذلك هو صاحب الإيراد الأعلى لفيلم في أسبوعه الأول بشباك التذاكر المصري في حقبة ما بعد كورونا. 

مع التشديد على أنه يفعل ذلك برغم كونه فيلمًا أجنبيًا موزعًا في عدد أقل من دور العرض والشاشات، وبدون دعاية محلية تذكر، مقارنة بالفيلم المصري. تلك الحقائق تفرض على صناع السينما المصريين التأمل والملاحظة والحذر. ليس بمحاولة استيعاب أن فئة جماهيرية جديدة تتكوّن الآن وحسب، بل وإدراك أنها نفس الفئة التي تملك القوة الشرائية الأكبر والأقدر على تحريك سوق سينمائي راكد حتى في موسم ميّت، وبعيد عن فصل الصيف والأعياد. 

الأهم من لغة الأرقام، أنك لو قصدت أي شاشة تعرض الفيلم حاليًا في أي مكان بالعالم، ستفاجأ بأجواء هيستيرية داخل القاعات، تصفيق مع المشاهد، تشجيع، صراخ، وكأنك تتابع مباراة كرة قدم في مدرجات الدرجة الثالثة. أو كأنك ركبت قطار الموت في مدينة ملاهي (إن كنت تفهم قصدي). 

سر الجنون

إذن، فما سر هذا التفاعل المهووس بفيلم Spiderman: No Way Home حاليًا؟

احتمال ١: 

لكون الفيلم ينتمي لعالم مارفل والسلاسل والأبطال الخارقين التي تحقق أعلى نسب تحصيل في العادة؟

ليس ذلك سببًا رئيسيًا، والدليل وجود أفلام أخرى صدرت بنفس المواصفات في الشهور الأخيرة، ومرت بهدوء أبرزها ووندر وومان، وفينوم، وإتيرنالز، وبلاك ويدو. 

احتمال ٢: 

لأن سبايدرمان من الشخصيات الأكثر شعبية في عالم مارفل خصوصًا والأبطال الخارقين عمومًا؟ 

أستبعد ذلك السبب أيضًا، فقد سبق No Way Home فيلمان آخران من نفس التأسيس السينمائي الحديث الذي يقوم ببطولته الممثل الشاب توم هولاند، نجح الفيلمان نجاحًا كبيرًا، لكنهما لم يحققا ولو نصف حالة التفاعل التي نراها اليوم. 

احتمال ٣: 

لأن فيلم No Way Home نفسه خلق تلك الحالة بمحتواه، ودون الاستناد بكامل ثقله على العوامل المساعدة المتوقعة،

أميل إلى ذلك الاحتمال. 

قصة الفيلم

يحكي الفيلم فصلًا جديدًا في حياة المراهق بيتر باركر، بعد انكشاف هويته أمام العامة بأنه الخارق سبايدرمان. وتغذي وسائل الإعلام فكرة أنه متورط في حوادث العنف والشغب والفوضى التي لحقت بعدة مدن عالمية أثناء تصديه للأشرار الخارقين.

فيصبح بيتر باركر وأصدقاؤه مطاردين وموصومين بتلك الأفعال التي تؤثر على حياتهم؛ حتى يقرر اللجوء لدكتور سترينج ليساعده في تلك الورطة. 

خطأ غير مقصود في أسحار الدكتور يفاقم الورطة بدلًا من حلها؛ ففي سبيل أن ينسى العالم هوية سبايدرمان، يحدث اتصال بين الأكوان الموازية، فيحضر للأرض أشرار من أكوان أخرى موتورين من سبايدرمان، يعرفونه جيدًا، ونحن كجمهور نعرفهم، وإن ظلوا غامضين بالنسبة لسبايدرمان نفسه. كيف؟!

“من القوى العظيمة .. تأتي مسؤوليات أعظم”

ذلك هو شعار قصص سبايدرمان الذي يتكرر في معظم الأفلام والقصص حتى في فيلمنا هذا. كُتاب سيناريو No Way Home، كانوا مخلصين لهذا الشعار أكثر من أي فيلم آخر. بل إنهم ساروا على صيغة مشابهة لهذا الشعار في تقنيات كتابتهم للنص، ألا وهي:

“من الحماقات العظيمة .. تأتي قصص أعظم”. 

سلسلة غباء

أحد أنماط السرد أن هنالك بطلا يتخذ قرارا في الربع الأول من القصة، كي يدفع ثمنه في بقية أحداثها. في هذا الفيلم لا يكتفي سبايدرمان بقرار واحد لدفع القصة للأمام، بل سلسلة من القرارات الغبية! 

أن يطلب من دكتور سترينج التلاعب بنسيج الأكوان كي يتمكن وأصدقاؤه من الالتحاق بالجامعة التي يريديها، بدلًا من أن يخاطب الجامعة بمنتهى البساطة أو يتظلم لقرار رفضه، وهي الاحتمالية الأسهل التي طرحها الفيلم نفسه. هذا قرار غبي. 

أن يرفض التخلص من الأشرار الخارقين الذين وفدوا لعالمه، ويقرر بدلًا من ذلك علاجهم أو إصلاحهم، رغم خطورة ذلك، ورغم أن هذا ليس المنطق نفسه الذي سار عليه بمغامرات أفلامه السابقة، هذا قرار غبي. 

أن يصحب هؤلاء الخطرين لمنزل عمته ماي، ويشركها معه في عملية إصلاح هؤلاء ومن ثم يعرضها لخطر لا يحتمله بشر عاديون لا يتمتعون بقوى خارقة مثله، فهذا قرار غبي. 

لماذا نجح في No Way Home؟

سيحق للبعض اعتبار الأمر وسيلة استسهال لدى كُتاب الفيلم، بتلفيق صراعات درامية كان يسهل تجنبها من أجل بناء قصة ورحلة ومغامرة. هذا الأسلوب وبرغم عواره في سياقات أخرى، نجح في No Way Home على عدة أصعدة:

أولًا: أنه يذكرنا بسبب حبنا لشخصية سبايدرمان، ولماذا هي الشخصية الأكثر شعبية في عالم مارفل؟ نعم، لأنه صبي، ناعم، طائش، طالب نيرد في المدرسة الثانوية يعاني من الانطواء ومشاكل ثقة بالنفس. هو بطل خارق أصوله شديدة الهشاشة، من ثم شديدة القرب من الناس. 

حتى التكنيك الذي يستخدمه في قواه الخارقة تكنيك متقشف بعض الشيء، لا يملك مركبات فائقة التطور، أو دروعًا حديدية، ولا يطير في السماء بحرية حسبما أراد، بل يتقافز بنشر خيوطه هنا وهناك، يصعد ويهبط، ويهبط ويصعد، جسده ليس بعيدا كليًا عن جاذبية الأرض. حتى وهو ينقذ العالم، يخلف دائمًا خسائر، ليس خارقًا جدًا. 

ثانيًا: أننا بصدد قصة عن مفهوم التطهر. فالأشرار الخارقون لم يأتوا لهذا الفيلم لصنع استعراض مجرد أو تهديد تقليدي، بل كانوا في أنفسهم يبحثون عن الخلاص والتطهر من شرهم. وهي نقطة لصالح سيناريو الفيلم، فلا توجد فيه شخصيات زائدة، دون إرادة واحتياج. 

ضيوف شرف آخرون يظهرون في النصف الثاني من الفيلم. جاؤوا ليساعدوا سبايدرمان.. سنعود لهم بالتفصيل لاحقًا، لكن المهم أنهم لم يعودوا كوسيلة “مدد غيبي” Deus Exa Machina لحل صراع درامي من اللاشيء. بل هم أنفسهم لديهم جروح نفسية ورغبة في التطهر وإصلاح بعض ثغرات ماضيهم. 

إذن، سمة القرارات الخاطئة التي تقوم عليها الدراما هنا مبررة، إن كان المورال بالأساس عن التطهر. وتصحيح خطايا الماضي بالمعنى الأشمل.

سوني لديها النوستالجيا! 

من عالم مارفل، لا تملك شركة سوني المنتجة للفيلم حقوقَا أدبية إلا لشخصية واحدة هي سبايدرمان. لا يقدرون على صناعة Avengers آخر أسوة بديزني ولا Justice League أسوة بوارنر براذرز، أي خطوات إنتاجية كرنفالية تجمع كل الشخصيات بعمل واحد مضمون النجاح وتشبع أحلام مهاويس الكوميكس.

لكن سوني (كولومبيا سابقًا) تملك شيئًا أقوى من كرنفالات الأبطال الخارقين العادية، سوني لديها النوستالجيا!

تنويه

هنا حرق للأحداث .. اضغط للقراءة إن كنت لا تمانع أو واصل قراءة المقال دون الاطلاع على هذه الفقرة

لذلك فمن غير المعقول أن تكون الفكرة من وراء كتابة No Way Home منفصلة عن الفكرة الإنتاجية: تجميع كل أبطال أفلام سبايدرمان أنفسهم في الألفية، توبي ماجواير، أندرو جارفيلد، مع توم هولاند. باعتبار أن كل تأسيس سابق يمثل كونًا موازيًا بحسب فرضيات الفيزياء، ليواجهوا أعداء أفلام الماضي أنفسهم من جديد وبنفس طاقم الممثلين، جيمي فوكس، ويليم دافو، ألفريد مولينا… إلخ

يحدث ذلك دون إشعارنا بوجود ليّ أو تحايل على منطق الفيلم والتأسيس السينمائي. وهذا التوظيف الجيد للنوستالجيا وأصول الشركة الأدبية كان اللاعب الأساسي في النجاح المذهل الذي يحققه الفيلم في السينما الآن.

المشاهد التي جمعت الثلاثي سبايدر، أثارت كثيرًا من البهجة على الشاشة، جعلتنا متسامحين معهم حتى وهم يدخلون في حوارات ثرثرة طويلة بلا فائدة، وكل الجمل التي ينتقدون بها أفلامهم السابقة بشكل فكاهي أصابت على عدة مستويات، فخففت من روع المأساة التي يعيشها البطل الرئيسي، وأسست للاحتياجات الدرامية للأبطال الوافدين. ومهدت لمشاهد سينمائية بالغة الأثر في جمعها بين أفلام الحاضر والماضي على رأسها المشهد الذي تُنقذ فيه البطلة زيندايا على يد أندرو جارفيلد.

ونجح هذا التوظيف في مد الاهتمام الجماهيري بالفيلم ليتسع من أجيال المراهقين الحاليين إلى مراهقين التسعينيات والألفية، وبذلك يوسع الفيلم الشريحة الجماهيرية المستهدفة ويكافئ الجميع على حدة.

 

أجواء المطاردات

أجاد المخرج جون واتس في إخراج عدد من مشاهد المطاردات ، أبرزها مطاردة سبايدرمان ضد دكتور سترينج في الثلث الأول من الفيلم، والتي تمتعت بتميز بصري. وإن كانت معارك المواجهة الأخيرة من الفيلم عانت من بعض الفقر البصري والتعجل، لولا كاريزما الممثلين والكتابة الجيدة التي أنقذت الموقف.

كذلك تشابهت تلك المعارك مع أجواء معارك الجزأين الأخيرين من أفنجرز في أسلوب الإضاءة والتصوير، وهذه مشكلة عامة في التأسيس السينمائي لسبايدرمان الذي يخرجه واتس، حيث يفتقد لهوية بصرية واضحة، وإن كان هو الأقوى في الإمساك بالنبرة المزاجية للسلسلة، أيّ توليفة الكوميديا والدراما وحس المراهقة، وإن كان الفيلم الأحدث أعلى في جرعة السوداوية.

إنقاذ صناعة السينما

ختامًا، هل يمكن القول إن No Way Home أنقذ صناعة السينما في وقت حرج؟

نعم فعلها، أنعش الصناعة وشجع مزيدا من المشاريع المرتقبة، وأسعد العاملين بدائرة المنظومة من أكبر ممول وحتى عامل السينما البسيط الذي يساعدك على الجلوس في مقعدك، وهذا أمر مدهش وسيحسب تاريخيًا. 

لكنه بيان جديد على أن الدراما المسلسلة لا تزال كاتمة على نفس صناعة الترفيه، جزء منها نسميه مسلسلات تلفزيونية، والجزء الآخر نسميه سلاسل أفلام.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك