حكم الانتحار | هل حاول النبي الانتحار فعلًا؟ وهل المنتحر كافر مخلد في النار؟ | هاني عمارة

حكم الانتحار | هل حاول النبي الانتحار فعلًا؟ وهل المنتحر كافر مخلد في النار؟ | هاني عمارة

23 Sep 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“عاش خاين ومات كافر”

جملة مشهورة ورد في نهاية فيلم “بئر الخيانة” على لسان ضابط المخابرات المصري “عزت العلايلي” بعدما وجد الجاسوس جابر “نور الشريف” منتحرًا في سجنه بعض القبض عليه..

جملة تعبر عن العقيدة الشعبية تجاه حكم الانتحار شرعًا، إذ ينظر المجتمع إلى المجتمع باعتباره “مات كافرًا” بما يستتبعه ذلك من نظره العار إلى ذويه.

يحتدم الخلاف دائمًا مع كل حالة انتحار حول خكم الصلاة على مرتكب الانتحار حيث يرفض كثيرون السماح بدخول جثمانه للمساجد لإقامة صلاة الجنازة بدعوى كفره وعدم جواز دفنه في مقابل المسلمين، بما يدفع الأهل لإنكار الانتحار عادة، ما بين ادعاء مقتله أو وفاته بشكل طبيعي، تجنبًا للعار المجتمعي نتيجة وصمه بالكفر وما يستتبعه من أحكام.

ربما لهذا السبب، تكررت فتاوى رجال الأزهر للتأكيد على عدم كفر المنتحر.. وأنه تجري عليه الأحكام الدينية للموتى المسلمين من غسل وصلاة وجنازة ودفن؛ كمحاولة لمواساة الأهل، وتجنب الخطاب عن كفر المنتحر أو وعيده بالعذاب الأخروي؛ باعتباره مات فعلًا، وهذا الخطاب لن يقدم أو يؤخر.

لكن مؤخرًا – وبسبب زيادة حالات الانتحار – صدر بيان شديد اللهجة من وزارة الأوقاف المصرية، تكرر في ظهور إعلامي متكرر للوزير محمد مختار جمعة، تضمن وعيدًا للمنتحر بالعذاب الأخروي، مستشهدًا بنصوص من القرآن والسنة، دون التطرق لحكم المنتحر؛ حيث أن ظواهر النصوص قد يفهم منها كفره، كما سنبين.

 

المذاهب الإسلامية مجمعة على تحريم الانتحار. لكنها ذهبت كذلك إلى عدم تكفير المنتحر. مع خلاف في حكم الصلاة عليه وخلوده في النار كما سنوضح.

الانتحار في القرآن والسنة

القرآن لم يتطرق لمسألة حكم الانتحار بشكل مباشر.

لكن عادة ما يستدل رجال الدين بآية “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” باعتبار الانتحار إهلاكًا للنفس. كما يستدلون بآيات تحريم القتل قياسًا؛ باعتبار قتل النفس مثل قتل الغير، باعتبارها نفسا محرمة.

يستدلون كذلك بآية “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا”. لكن جمهور المفسرين على أن معناها “لا يقتل بعضكم بعضًا” وهو المفهوم من السياق؛ حيث افتتحت الآية بـ “لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” فيكون السياق عن الصراع الاجتماعي على المال، وما يفضي إليه من القتل بين الأقربين.

أما في المرويات الواردة في كتب السنة، فالأمر أكثر صراحة في تحريم الانتحار. أشهرها الحديث الوارد في الصحيحين عن النبي. قال: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

لكن المرويات لا تخلو من إشكالات:

1- خلود المنتحر في النار وهو مؤمن:

في عقيدة أهل السنة أن الخلود في النار للكافر. أما المؤمن العاصي غير مخلد في النار، حيث يدخل النار لفترة، ثم يخرج منها، خلافًا للمعتزلة.

الأوقاف المصرية استندت على مرويات حكم الانتخار وخلود المنتحر في النار. منها رواية البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال: “مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا”.

لكن الحافظ ابن حجر ذكر عدة احتمالات لتخريج الرواية:

الأولى، أن الحديث بروايته وردت على سبيل الوعيد لا الحقيقة من أجل الزجر.

والثانية، أن الخلود مقصود به طول المكث لا الابدية.

والثالثة، أن المقصود من يفعله مستحلًا “أي يعتبر أن الانتحار حلال”.

2- كفر المنتحر:

ووردت رواية في غزوة خيبر، أن الرسول قال لرجل في صفوف المسلمين يدعى الإسلام: “هذا من أهل النار”. تعجب الصحابة لأن الرجل يقاتل بشجاعة، حتى وجدوه يقتل نفسه بسهم بعد أن اشتدت جراحه. فقالوا: “صدق رسول الله. انتحر فلان”.

وإشكالية الراوية أنهم اعتبروا انتحاره علامة على كفره. لكن، أورد الزرقاني في حاشيته على الشمائل بأنه يحتمل أنه ارتاب في الإيمان لما أصيب، فقتل نفسه، فمات كافرًا.

3- عدم الصلاة على المنتحر:

ورد في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: أُتِي النبي برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه.

وأجابوا بأن رفض النبي الصلاة عليه غرضها التنفير والزجر من الفعل. ولهذا، وقع خلاف بين المذاهب عن حكم الصلاة على مرتكب الانتحار.

فمذهب الأوزاعي أن بعض السلف لا يجيزون الصلاة عليه.

ومذهب أحمد لا يصلي عليه ولي الأمر ويصلي عليه العوام.

أما الجمهور فيجيزون الصلاة على المنتحر بإطلاق.

4- محاولة النبي الانتحار عند انقطاع الوحي:

ورد في صحيح البخاري أن النبي لما انقطع عنه الوحي أصابه حزن شديد، فلجأ لقمة جبل ليرمي نفسه فظهر له جبريل قائلًا “إنك لرسول الله حقًا”.

لكن الرواية ليست مسندة. بل زيادة يرويها البخاري عن الزهري قائلًا: “في ما بلغنا”. وهي من المعروف اصطلاحًا بـ “بلاغات الزهري” وهي روايات مرسلة يرويها الزهري بلا إسناد. فهي ليست من الصحيح.

غير أن ابن حجر ذكر  لها طرقًا مسندة بنفس المعنى عند الطبري وابن مردويه.

وحتى بافتراض ضعفها، يبقى إشكال آخر. إذا كانت كذلك، فلماذا ترد في معظم كتب السيرة، وعدد ليس بالقليل من كتب التفسير والحديث إذا كان الانتحار جريمة؟!

وقد أجاب القاضي عياض في شرحه على هذه المسألة قائلا: “لم يرد بعدُ شرع عن ذلك فيعترض به” أي أن الواقعة كانت في بدء الوحي قبل التشريع.

أما ابن حجر العسقلاني فذكر للواقعة تفسيرًا نفسيًا بأن سبب الحزن انقطاع الوحي وعدم قدرته على تحمل أعباء الدعوة أمام الناس، مع الشك في أمر نبوته، فاستعجل الخلاص. وهذا معنى ظهور جبريل له قائلًا “إنك لرسول الله حقًا”.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك