التكفير المبطن | بالوقائع والأسماء: هل الأزهر بريء من صناعة التطرف؟ | عبد السميع جميل

التكفير المبطن | بالوقائع والأسماء: هل الأزهر بريء من صناعة التطرف؟ | عبد السميع جميل

9 May 2022
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

للتطرف أشكاله. لكن أكثرها خطرًا تطرف المؤسسات الدينية الرسمية؛ هي لا تمارس تفجيرُا أو قتلًا أو ذبحًا مباشرًا – على الأغلب – لكنها تخلق حاضنة لذلك كله! 

تبدأ بالتشهير والتكفير المبطن. وتمر بالمنع والعزل والمصادرة والحرمان من الرزق. وتصل حتى السجن والتهجير والتفريق بين المرء وزوجه. ثم تسلم استكمال المهمة لـ “العوام” أو الجماعات الإرهابية.

الخارجون على “منهج” الأزهر

منذ اللحظة الأولى لميلاد الدولة المصرية الحديثة، أدرك محمد علي أن الأزهر لا يمكن الاعتماد عليه، ففتح باب الترجمة والبعثات وتأسيس مدارس على النظم الحديثة.

صحيح أنه اعتمد في ذلك على نماذج من الأزهر نفسه، لكنها كانت نماذج محدودة واستثنائية جدًا، وتحمل أصلًا ملاحظات على منظومة الأزهر.

نبدأ بالشيخ حسن العطار، الذي احتك بعلماء الحملة الفرنسية واطّلع على كتبهم وتجاربهم وعلومهم، ثم تولى مشيخة الأزهر في عهد محمد علي 1830، ليقول جملته الأشهر: “إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها”.

لكنه – رغم منصبه – فشل في تغيير الأزهر، وعاني من الطعن واللمز من شيوخ الأزهر أنفسهم، بوصفه داعية للتغريب، هو وتلاميذه الذين يجتمعون معه في منزله، وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوي، الذي عانى بعد وفاة الباشا من الطرد والاستبعاد والنفي إلى السودان.

ثم جاء الشيخ محمد عبده (1849 – 1905)، فشككوا في عقيدته، وطعنوا في نيته إذ حمّل مناهج الأزهر مسؤولية تأخر المسلمين: “إذا كان لي حظ من العلم الصحيح، فإنني لم أحصّله إلا بعد أن مكثتُ عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من وساخة الأزهر. وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة”!

بعدها خرج الشيخ الأزهري علي عبد الرازق بكتابه “الإسلام وأصول الحكم”، 1925، فانحاز الأزهر للدعوات المطالبة بإحياء الخلافة – تمامًا كما تفعل جماعات الإسلام السياسي اليوم – فحاكم صاحب الكتاب، وأصدر شيخ الأزهر محمد أبو الفضل الجيزاوي، حكمًا جرد فيه المؤلف من كل شيء: “حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر، بإجماع أربعة وعشرين عالمًا معنا، من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ علي عبد الرازق، أحد علماء الأزهر، والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية، ومؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم، من زمرة العلماء”.

الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919

نصف تكفير.. وتساهل مع “الظلال”

في العام التالي مباشرة، أصدر طه حسين، كتاب “في الشعر الجاهلي”، ليفاجأ ببلاغ من الجيزاوي نفسه، يتهمه بـ “التعدي على دين الدولة”.

النيابة حفظت التحقيق.

لكن، لاحظ أن الأزهر لم يكفر طه حسين صراحة. فقط اتهمه بـ “التعدي على الدين” ليأتي التكفير الصريح من المتشددين.

الوضع لم يدم كثيرًا، فلجأ الأزهر للتكفير الصريح للشيخ الأزهري عبد المتعال الصعيدي ١٩٣٧، بسبب كتابه “في الحدود الإسلامية” وعقدت له جلسات استتابة بوصفه مرتدًا، حتى قرر شيخ الأزهر مصطفى المراغي نقله وحرمانه من الترقية 5 سنين كتخفيف للحكم.

تكرر الأمر مع الشيخ الأزهري محمد عبد اللطيف الخطيب بسبب كتابه “الفرقان” الذي نادى فيه بوجوب ترجمة القرآن، ليثور الأزهر ضده، ويتهمه بالهرطقة والطعن في القرآن، ويتشكل لجنة أوجبت مصادرته عام 1948.

وحين أصدر الأزهري خالد محمد خالد، كتابه “من هنا نبدأ” 1950، قدم رئيس لجنة الفتاوي بالأزهر تقريرًا للنيابة، متهمًا المؤلف بـ “التعدي على الدين الإسلامي” ليصادر الكتاب.

بعدها بخمس سنوات، شن الأزهر هجومًا مماثلًا ضد الشيخ الأزهري عبد الحميد بخيت بسبب مقال نشره في “الأخبار” 1955، أباح فيه إفطار رمضان لمن يشعر بأي مشقة، فأحاله الأزهر للتحقيق، أجبره على الاعتذار علنًا، ثم منعه من التدريس.

وفي 1959، هاجم الأزهر رواية “أولاد حارتنا” للأديب العالمي نجيب محفوظ، وطالب بمصادرتها بدعوى “الإساءة للإسلام”. هنا كانت المقارنة واضحة؛ لأن الأزهر نفسه تجاهل في نفس العام كتاب “معالم في الطريق” للإخواني سيد قطب. وكانت النتيجة تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال 1995. ولم تنشر روايته – مرة ثانية – في مصر إلا عام 2006.

وعندما أصدرت الطبيبة المصرية نوال السعداوي كتابها “المرأة والجنس” 1969، واجهت حملة أزهرية شرسة، أدت لفصلها من مستشفى القصر العيني 1972، وصودرت مجلة الصحة التي أسستها بدعوى الردة والإلحاد.

بعضها أدى لإزهاق أرواح

لكن أكثر المواقف الأزهرية إثارة للعجب، كانت رسالة مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، إلى وكيل وزارة الأوقاف بالسودان 1972، يخبره أن لجنة الفتوى بالأزهر أفتت بأن كتابات المفكر السوداني محمود محمد طه “كفر صراح لا يصح السكوت عليه، فالرجاء التكرم باتخاذ ما ترونه من مصادرة لهذا الفكر الملحد والعمل على إيقاف هذا النشاط الهدّام”.

وكانت النتيجة قيام الرئيس السوداني جعفر نميري بإعدام محمود محمد طه شنقًا.

ثم اعترض الأزهر على فيلم “الرسالة” 1977، بدعوى أنه يجسد الصحابة، ما أدى لاغتيال المخرج مصطفى العقاد للحجة نفسها عام 2005.

ولم تتوقف مصادرات الأزهر للكتاب والمبدعين، فعندما أصدر الدكتور لويس عوض كتاب “مقدمة فى فقه اللغة العربية” 1981، أرسل مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، مذكرة إلى مباحث أمن الدولة، يطالب فيها بالتحفظ على الكتاب ومصادرته بدعوى الإساءة للإسلام.

وفي 1987، فصل الأزهر بفصل زعيم القرآنيين أحمد صبحي منصور من الأزهر، وأحاله لمجلس تأديب، حتى تم اعتقاله.

وصادر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1992 خمسة كتب للمستشار “محمد سعيد العشماوي” بالإضافة لكتاب “قنابل ومصاحف” لعادل حمودة، و”خلف الحجاب” لسناء المصري، و”العراة” لإبراهيم عيسى.

وبعد شهور من تكفير الدكتور فرج فودة بفتوى لجبهة علماء الأزهر، ورئيس قسم العقائد بكلية أصول الدين بالأزهر، محمود مزروعة، والشيخ محمد الغزالي، تم اغتياله في 8 يونيو 1992.

ثم جاء الحكم بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس، في العام التالي مباشرة 1993، بدعوى أنه نشر أفكار تخرجه من الإسلام، وتمنعه من الزواج بمسلمة، وفقًا لبيان رسمي صدر من الأزهر.

سيف المصادرة

حتى عبد الصبور شاهين الذي قاد حملة تكفير نصر حامد أبو زيد، لم يسلم من التكفير بسبب كتابه “أبي آدم” الصادر عام 1998، بعدما أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قرارا بمنع الكتاب بدعوى أنه “ينال من الثوابت الدينية والقرآنية”! وهو الأمر الذي تكرر من الأزهر مع كتاب “الشفاعة” للدكتور مصطفى محمود عام 1999.

وبعد مرور أكثر من ربع قرن على نشر رواية “وليمة لأعشاب البحر” للسوري حيدر حيدر الصادرة في العام 1983، خرج شيوخ الأزهر عام 2000 في مظاهرات بالقاهرة مطالبين بمنعها وإنزال القصاص بكاتبها متهمين إياه بالزندقة والإلحاد.

وعندما صدر كتاب “فترة التكوين في حياة الصادق الأمين” للشيخ خليل عبد الكريم عام 2001، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قرارًا بمصادرة الكتاب، وقال إنه “يمثل عملا عدوانيا على عقيدة الأمة الإسلامية ينكر مبدأ الرسالات السماوية إنكارًا قاطعا”، وقال الأمين العام لجبهة علماء الأزهر يحيى إسماعيل، إن الكلام الوارد في الكتاب “لا يحتمل حكمًا آخر غير الكفر”.

ومن غرائب مصادرات الأزهر، منعه إعادة طبع “ألف ليلة وليلة” عام 2010، بدعوى خدش الحياء وازدراء الأديان.

أضف لذلك قائمة طويلة من الأعمال الفنية التي منعها الأزهر بنفس الدعوى، مثل مسرحية الحسين ثائرًا 1970، وفيلم “القادسية” 1981، والمهاجر 1994، وماتركس 2003، وآلام المسيح 2004، ونوح 2014، والخروج 2014، وابن الإله 2014، ومن قبل ذلك كله فيلم “محمد رسول الله” الذي رشح له الفنان المصري يوسف وهبي لتجسيد شخصية النبي محمد 1925.

ولا يخفى على أحد تصريحات رئيس جامعة الأزهر، أحمد حسني على قناة القاهرة والناس، ضد إسلام البحيري حين قال إنه “مرتد عن الإسلام” ما دفع الأزهر إلى إقالته، في نفس الوقت الذي كان شيخ الأزهر يقاضي البحيري بتهمة ازدراء الأديان ويطالب بمنعه من الظهور في وسائل الإعلام وإزالة برنامجه من يوتيوب، وهو الأمر الذي قضت المحكمة برفضه، رغم حبس البحيري 2015.

التفكر في المعتقد | كلام السيسي منقول من كتب يدرسها الأزهر.. لكن أين الإشكال؟ | هاني عمارة

ما السر؟!

الأزهر أشعري العقيدة. هذا يعني أنه لا يكفر مرتكب الكبيرة. وهذا يشمل القتل وسفك الدماء. لكنه يكفر أصحاب الأفكار والعقائد المختلفة؛ لأن التكفير عند الأشاعرة قلبي وعقلي لا سلوكي.

هذا تحديدًا ما أكده شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في برنامجه “الإمام الطيب”، بقوله: “إن مرتكب الكبيرة لا يُحكم عليه بالكفر، لأن الإيمان شيء، والعمل سواء كان صالحًا أو غير صالح شيء آخر”.

هذا “يترتب عليه أحكام” وفقا لقول شيخ الأزهر في الحلقة نفسها: “فلو ثبت أنه كافر لا يغسّل ولا يكفّن ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يتوارث”.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك