إيران وتركيا حليفتان قويتان في العلن. لكن أزمة صغيرة بحجم قصيدة نهر آراس التي ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أذربيجان كانت كافية لإظهار مدى التصدع بين الحالمين بإحياء إمبراطوريتي فارس والعثمانيين.
أزمة القصيدة أظهرت المشاعر الخفية. أنهما ضدان تمامًا لا يمكن اعتبار علاقتهما الحالية حلفًا حقيقيًا. تتعارضان في ثلاثة مجالات: المصالح الاقتصادية – والإرث الإمبراطوري، والمنافسة الإقليمية.
ماذا عن قبلات وأحضان الرئيسين أردوغان وحسن روحاني أمام عدسات الكاميرا إذن؟ ماذا عن تصريحات مواجهة الاستكبار ونصرة المستعضين؟
سببها أن كليهما يرى في الآخر “مجرد معبر” إلى طموحات الإمبراطورية! تركيا ترى في إيران مجالًا للاستفادة الاقتصادية ومنفذًا للتمدد في آسيا، وإيران ترى في تركيا نافذة في وقت انعدمت فيه النوافذ، وأداة للتحايل على العقوبات الغربية.
الماضي والحاضر يخبرانا أن إيران وتركيا بحاجة دومًا لطرف ثالث يربط تحالفهما معًا. في الماضي كان الغرب، وفي الحاضر روسيا والصين، مع محاولاتهما لضم حلفاء إقليميين جدد.
س/ج في دقائق
كيف أخرجت قصيدة أردوغان تصدعات إيران وتركيا للعلن؟
بدأ الخلاف الدبلوماسي بين إيران وتركيا عندما قرأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قصيدة في موكب النصر للاحتفال بانتصار أذربيجان على أرمينيا. القصيدة تضمنت أبياتًا عن “تمزيق الحدود الدولية للأراضي الأذربيجانية حول نهر آراس بالقوة”.
البيت يقول: “لقد فرقوا نهر آراس.. وملؤوه بالرمل..لم أكن أريد فراقك.. ففرقونا قسرًا” في إشارة لترسيم الحدود الدولية أراضي أذربيجان إلى نصفين، أحدهما جنوب نهر آراس الذي تسكنه أغلبية تركية الأصل، انضم إلى أراضي شمال إيران.
ليرد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بطرح رؤية طهران التي تعتقد أن الحدود الدولية فصلت قسريًا مناطق شمال آراس عن الوطن الأم في إيران، في تلميح إلى اعتباره أن أذربيجان الحالية كانت جزءًا من إمبراطورية بلاده سابقًا.
الأزمة بدأت بتبادل استدعاء السفراء، وامتدت بمعارك بين إعلام البلدين – الخاضع لسيطرة النظامين – قبل أن تنتهي دون مقدمات بتصريح تهدئة من مدير الاتصالات التركي فخر الدين ألتون الذي قال إن قصيدة أردوغان لا تتضمن أي إشارة إلى إيران، بل للتجربة العاطفية للشعب الأذربيجاني المظلوم تحت احتلال أرمينيا.
ويرد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه “متأكد من أن أردوغان لم يقصد التشكيك في وحدة أراضي إيران”.
خلال الأزمة، لم تكتف إيران وتركيا بالردود الرسمية. حتى إصلاحيو إيران ومثقفوها، وحتى معارضو النظام في أوروبا وأمريكا الشمالية، هاجموا تركيا ورئيسها.
الصحف الإيرانية – حتى الإصلاحية منها – نشرت رسومًا مهينة لأردوغان تضمنت وصف سياساته “للمرة الأولى تقريبًا بـ “العثمانية الجديدة” معتبرة إياها أكبر تحدٍ للمصالح الإيرانية، ومطالبة بـ “سياسة صفوية” لمواجهتها.
الصحف التركية القريبة من النظام ردت باعتبار تحركات إيران الإقليمية لتشكيل “المحور الشيعي” سلوكًا مارق يمثل التحدي الأكبر لتركيا في الشرق الأوسط، بعدما كانت “العدو الأول للإمبراطورية العثمانية”.
الديلي صباح كانت أوضح. قالت إن “تركيا دشنت قوتها الناعمة في أفريقيا والعالم الإسلامي، وفي كل مكان حاولت إيران الفوز به منذ 1989”.
معهد الشرق الأوسط يعتبر أن الشرق الأوسط الجديد أصغر من أن يستوعب إيران وتركيا معًا. لهذا باتت علاقتهما “في حالة يرثى لها”. المعهد لخص جوانب الخلاف:
1- وراثة الصراع الصفوي العثماني:
يحاول أردوغان إنشاء إمبراطورية عثمانية جديدة بأراضي وصراعات العثمانيين القدامى. هو بذلك لن ينسى الصراع الصفوي العثماني الذي استمر لأكثر من 120 عامًا، والذي شهد جولات صدام بارزة كانت ساحتها الرقعة الواسعة الممتدة من القوقاز وبحر قزوين شمالًا، نزولًا إلى الإقليم الشمالي الغربي من إيران، دخولًا إلى العراق، حتى بغداد وما تلاها من العراق جنوبًا، ومن غربي إيران شرقًا، إلى شرق الأناضول غربًا.
2- المنافسة على التمدد:
في نقطة متصلة، فتح الاضطراب الذي أعقب الربيع العربي باب محاولة استعادة مناطق النفوذ الإمبراطوري من خلال إعادة هيكلة الأجزاء الأكثر زعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط: العراق وسوريا في الشمال. واليمن الذي يحرس المداخل الجنوبية للبحر الأحمر جنوبًا.
بطبيعة الحال، أدى التنافس الإقليمي الجديد على السلطة لتعميق انعدام الثقة، وهو ما أكده الانقسام التاريخي السني الشيعي العميق الذي يضع تركيا التي يهيمن عليها السنة ضد إيران التي يهيمن عليها الشيعة.
هذا بدوره أدى إلى تصادم المصالح في سوريا والعراق واليمن والقرن الأفريقي وحتى حرب كاراباخ، باعتبار كل مكسب لإمبراطورية يعني خسارة للأخرى.
3- المصالح الاقتصادية:
في مارس 2020، حدثت أزمة أظهرت الصراع الاقتصادي. بعد تفجير خط أنابيب الغاز الإيراني التركي، لم تصلح تركيا الخط مباشرة، وانتظرت حتى تساوم إيران على تخفيض أسعار التوريد، وأبلغتها أنها تتعرض لضغوط أمريكية لكي تحل محله الغاز المسال، حتى ترضخ إيران.
الأزمة الثانية نمت بعد حرب أرمينيا، حيث اختارت أذربيجان تركيا بديلا لإيران لتزويد منطقة الحكم الذاتي في نخجوان، التي تقع بين إيران وأرمينيا وتركيا، بالبضائع والغاز.
طلبت تركيا من روسيا أن يتضمن اتفاق إنهاء الحرب منح أذربيجان حق العبور عبر أراضي أرمينيا مباشرة إلى نخجوان، وأعلنت عن خط أنابيب غاز جديد لتزويد نخجوان بالطاقة. هذا يعني خسارة إيران لصالح تركيا.
إذا كان بينهما كل هذه الأزمات.. فلماذا تظهر إيران وتركيا كحليفين؟
التقارب بين إيران وتركيا ليس تحالفًا بل زواج مصلحة اقضته الضرورة، يهدف فقط لتأمين مصالح منفصلة لكل طرف:
– من وجهة نظر إيران:
ترى إيران أن خلافها مع تركيا لا يمكن تجاوزه. لكنها تدرك أنه لا يزال بإمكان تركيا تقديم المساعدة في سياق المواجهة مع الغرب كوسيط مقبول دوليًا في وقت انعدم فيه الأصدقاء، وكأداة مفيدة للالتفاف على العقوبات الغربية.
– من وجهة نظر تركيا:
تساهم تركيا في تخفيف العقوبات على ايران لخدمة مصالحها الذاتية، والاستفادة منها باعتبارها حليفا من ضمن حلفاء أقلاء.
وبعدما دفعت تطلعات إعادة العثمانية الجديدة تركيا إلى العزلة الدولية، تعتقد أن بإمكانها استغلال إيران كمعبر مؤقت لتمديد نفوذها باتجاه آسيا، في الوقت الذي تواجه أنقرة حروبًا في الامتداد العربي لحدودها، وأزمات وعقوبات في الامتداد الأوروبي.
تاريخيًا، عملت إيران وتركيا سويًا ضمن حلف بغداد في الخمسينيات. الحلف كان يهدف لحماية المصالح الغربية، وليس مصالحهما. وحتى عندما شكلت إيران وتركيا وباكستان محورًا منفصلًا عنه في الستينيات، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هما من حددتا التوازن النسبي للقوة الاستراتيجية، وليس الدول الثلاث.
في الحاضر، ستبدأ حكومات تركيا وإيران وباكستان إحياء خدمة السكك الحديدية العابرة للحدود الوطنية التي تربط بين اسطنبول وطهران وإسلام أباد في عام 2021، لتعزيز الربط مع مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال توفير اتصال بالسكك الحديدية بين الصين وتركيا.
هذا يعني أن أي تعاون ناجح بين إيران وتركيا، لابد وأن يكون تحت رعاية طرف ثالث، ضمن تحالف ذي أهداف محددة، وهو ما يفسر لنا عدم صدامهما العلني في سوريا رغم محاربة وكلائهما لبعضهم البعض، لوجود روسيا من خلف الستار تنسق التفاهمات بينهما.
الصين تخطط لغزو الغرب ببضائع إيران
حل اللغز في خط سكة حديد و3 مفاتيح