حتى أوائل أبريل/ نيسان 2019، تجاوز مجموع الإيرادات العالمي لـ 56 فيلمًا مقتبسًا من إصدارات مارفل، أكثر من 32 مليار دولار، بمتوسط يتجاوز نصف مليار دولار للفيلم الواحد. ويتفق الجميع تقريبًا أن فيلم Avengers: Endgame سيصبح أنجح أفلام هذا العام تجاريًا، بمتوسط إيرادات متوقع يتجاوز الملياري دولار.
كل شيء ولا شيء في “أفنجرز انفينيتي وور”
أرقام جنونية يصعب معها تخيل أن هذه الشخصيات والقصص كانت حتى فترة غير بعيدة رخيصة إلى حد كبير. لتوضيح درجة بخس القيمة يكفي أن أقول أن الحقوق السينمائية لشخصية سوبرهيرو بالغة الشهرة مثل سبيدرمان بيعت في أواخر الثمانينيات بأقل من نصف مليون دولار. حدث ذلك في فترة كانت أجور نجوم هوليوود فيها قد بدأت في تخطي الـ 10 ملايين دولار عن الفيلم الواحد!
يصعب استنتاج القيمة السوقية الحالية لحقوق سبيدرمان، لكن إذا قررت شركة سوني التخلي عنها، وبدأ المزاد وسط شركات هوليوود، فلن يقل المقابل النهائي غالبًا بأى حال عن ثلاثة مليارات دولار.
رحلة شخصيات مارفل لاستنساخ النجاح والمبيعات الضخمة من عالم الورق المطبوع إلى عالم شباك التذاكر طويلة إذًا وشاقة. ولنفهمها جيدًا نحتاج إلى تتبع الأصل. نحتاج إلى تتبع ستان لي، الذي شارك في ابتكار أغلب هذه الشخصيات على الورق، وعاش حتى أواخر 2018 ليشهد أمجادها السينمائية.
تعرضنا سابقًا في مقالين لنشأته، وظروف وملابسات ابتكار هذه الشخصيات وأسباب انتشارها. الحديث هنا عن محطة السينما بالأخص، لكن أنصح بقراءة ما سبق أيضًا؛ لفهم أوسع وأكثر شمولية:
ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية
الوجه الآخر لـ ستان لي: هل سرق فعلًا مجهودات زملائه؟
لم تتأخر شخصيات الكومكس في الظهور على الشاشات. البداية كانت في الأربعينيات بفضل نوعية اسمها Serial Film. حلقات مسلسلة قصيرة تعرضها قاعات السينما أسبوعيًا، وتتضمن مغامرات لشخصيات معروفة، كان منها سوبرمان وباتمان؛ الشخصيتان الأنجح والأشهر في عالم الكومكس وقتها.
كابتن أمريكا – وهو شخصية لم يبتكرها ستان لي لكنه ساهم لاحقًا في تأليف مغامرات لها – سبق بقية شخصيات مارفل، وسجل أول ظهور له على الشاشات عام 1944 مع هذه النوعية.
وقتها ولعقود لاحقة، لم تكن فنون الخدع السينمائية تكفي لصياغة نفس ما تفعله هذه الشخصيات في رسوم عالم الكومكس، ولم تنتقل نجاحات الورق إلى الشاشات.
الإنجاز الأول المهم كان من نصيب دي سي كومكس المنافسة لمارفل، عندما سجل باتمان عام 1966 نجاحًا ممتازًا في مسلسل وفيلم كوميدي حمل اسمه، ليصبح أول شخصية كومكس تحقق أمجادا على الشاشات. من الطريف أن باتمان فعل ذلك في العقد الذي تراجعت فيه مبيعاته ومبيعات دي سي كومكس عامة، وبدأت فيه أمجاد ستان لي ومارفل في عالم المطبوعات الورقية!
لدغة مارفل أضعف في Ant-Man and the Wasp
بحلول منتصف السبعينيات بدأت مبيعات الكومكس في التناقص، وتعرضت مارفل لأزمات مادية، قررت معها بيع العديد من الحقوق، في محاولة لجنى أموال من مصادر أخرى. ساهم ذلك في ظهور محاولات تليفزيونية عديدة متوسطة المستوى الإنتاجي وساذجة الطباع، وبدون بصمة حقيقية.
أواخر العقد كان من المفترض أن يتغير ذلك بفضل سلسلة أعمال تليفزيونية مع قنوات CBS تتضمن شخصيات ستان لي الشهيرة، وتُنفذ باستشارته.
عام 1977 تحديدًا كان نقطة انطلاق نسبيًا بفضل الفيلم التليفزيوني الرجل العنكبوت Spider-Man الذي حقق نجاحًا جيدًا، وصُنع بالأساس كتمهيد لمسلسل عن الشخصية. لاحقًا لم يسجل المسلسل النجاح المطلوب، وتوقف رصيده عند 13 حلقة فقط.
سبيدرمان على أي حال كان أسعد حظًا من زميله دكتور سترينج، الذي أخفق فيلمه التليفزيوني الأول في تحقيق نجاح مماثل، لدرجة ألغت معها CBS خطتها لإنتاج مسلسل عنه.
أما الأسعد حظًا فكان بالتأكيد العملاق هالك، الذي حقق فيلمه التليفزيوني الأول The Incredible Hulk النجاح المطلوب عام 1977، وسجل مسلسله لاحقًا نجاحًا أكبر، لدرجة ضمنت استمراره على مدار 5 سنوات بإجمالي 80 حلقة.
شق المسلسل طريقه لشهرة عالمية، تضمنت الشرق الأوسط، وعُرض في المنطقة وقتها بعنوان الرجل الأخضر.
بعد توقف CBS عن إنتاج مواسم جديدة من المسلسل، اشترت الحقوق قنوات NBC وصنعت ثلاثة أفلام تليفزيونية (1988 – 1990) ظهرت فيها شخصيات أخرى من عالم مارفل مثل ثور.
النقطة الأهم بخصوص هذه الأفلام، أن ستان لي ظهر بنفسه في أحدها كضيف شرف، وهو التصرف الذي سيصبح لاحقًا علامة مميزة له في عشرات الأفلام.
في نفس هذه الفترات، وأثناء انشغال مارفل بمحاولة تثبيت أقدامها في عالم التليفزيون، سبقتها دي سي كومكس كالعادة، وحققت نجاحات مبهرة على شاشة السينما مع أعمال مثل سوبرمان (1978) للمخرج ريتشارد دونر، وباتمان (1989) للمخرج تيم بيرتون.
نسخة 1990 السينمائية الرديئة من كابتن أمريكا لم تحقق حتى الحد الأدنى المطلوب من الرضا وسط المنتجين، لتضمن وجودًا في قاعات السينما، وصدرت على أشرطة فيديو مباشرة، لتكمل الصورة الرخيصة المعتادة وقتها عن كل ما يحمل اسم مارفل.
التسعينيات بالنسبة لمارفل وستان لي، كانت مرحلة الأحلام السينمائية الكبيرة والإحباطات الأكبر، وشهدت إلغاء كمية مشاريع سينمائية كانت كفيلة بالتأكيد بتغيير مسار مارفل، ومسار أفلام الكومكس، ومسار هوليوود عامة.
يمكن القول أن هذا هو العقد الذي وصلت فيه فنون الخدع البصرية أخيرًا لمرحلة يمكنها أن تلامس الخيال والسحر الموجود في الكومكس، وأن العديد من أباطرة هوليوود أدركوا وقتها أن وقت الحصاد قد حان.
أهم أفلام 2021 | 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس | حاتم منصور
أبرز مشروعات مارفل الملغاة كانت مع المخرج والمنتج المعروف جيمس كاميرون، الذي قرر بعد نجاح فيلمه الشهير Terminator 2: Judgment Day صناعة فيلم عن سبيدرمان، يوظف فيه من جديد تقنيات مبتكرة في الخدع البصرية.
الطموح البصري للفيلم كان مهولًا، واستلزم بالطبع ميزانية مهولة مماثلة، وهي صفة غالبة في كل أفلام كاميرون بلا استثناء. كتب كاميرون سيناريو كاملًا، وأكمل مرحلة التصورات الأولى، لكنه لم يجد التمويل الإنتاجي المنتظر من شركة سوني، فألغى المشروع. لاحقًا حاول أيضًا إنتاج فيلم مقتبس من X-Men دون جدوى. بعد إخفاق محاولاته في هذا المجال، انتقل لمشروعات أخرى تضمنت فيلمه الشهير تيتانك.
التسعينيات شهدت أيضًا أولى مداولات إنتاج فيلم عن Iron Man، وانتقلت حقوق الشخصية والمشروع بين شركات كبرى مثل يونيفرسال وفوكس ونيولاين. نال الدور أيضًا اهتمام نجوم ثقيلة وقتها، كان من بينها توم كروز ونيكولاس كيج، لكن لم تنتقل الأمور لحيز التنفيذ أبدًا، لتعود الحقوق في النهاية إلى مارفل.
العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود
إجمالًا، كانت التسعينيات فترة مضطربة لأفلام الكومكس. العقد الذي بدأ بنجاحات قوية مثل Batman Returns انتهى بسقطات وكوارث مثل Batman & Robin – Steel.
عام 1998، سجلت مارفل أخيرًا أول أهدافها في شباك التذاكر، بفضل نجاح فيلم Blade أما ستان لي فاحتاج عامين إضافيين بعده، ليشهد أخيرًا نجاح فيلم يخص شخصيات من ابتكاره مع X-Men الذي أنتجته شركة فوكس، وحقق إيرادات فاقت كل التوقعات في صيف عام 2000.
نجاح X-Men لم يثر فقط حماس المنتجين لصناعة المزيد، لكنه كان نقطة تحول في قواعد اللعبة، وبداية اقتناع هوليوود أن شخصيات الكومكس تعتبر نجومًا في حد ذاتها، وأنه يمكن صناعة هذه الأفلام وتسويقها دون الحاجة لنجوم شباك.
عام 2002 شهد أقوى إثبات على صحة هذا المنهج، وضربة قاضية في شباك التذاكر، عندما حقق Spider-Man أكثر من 800 مليون دولار في شباك التذاكر عالميًا، وأصبح ضمن أنجح 10 أفلام في التاريخ.
باتمان 2021 وخمس أفلام وألغاز سينمائية مرتقبة من “دي سي كومكس” | حاتم منصور
من وقتها بدأ الركض خلف الحقوق السينمائية لشخصيات الكومكس، وارتفعت الميزانيات المسموحة لهذا النوع. ومن حسن حظ مارفل أن هذا حدث في وقت كانت فيه قد استعادت حقوق الكثير من شخصياتها، بسبب تردد شركات الإنتاج في تنفيذ أفلام عنها.
باعت مارفل خلال عقود سابقة حقوق شخصيات مثل X Men – Spider Man – The Fantastic Four، لكن عندما بدأت عاصفة الكومكس في هوليوود، كان معها ما يكفي من الشخصيات لصناعة عالمها الخاص.
هذا العالم الذي دشن Iron Man أول نجاحاته في صيف 2008 أصبح الآن أنجح سلسلة سينمائية في التاريخ من حيث الايرادات، وعلى الأغلب سيحافظ على هذا اللقب لفترة لا بأس بها.
وتمامًا مثلما كان ستان لي حجر أساس في ذكريات أطفال ومراهقي الستينييات بفضل الإصدارات الورقية، أصبح الآن حجر أساس أيضًا في ذكريات أجيال جديدة، ستصبح أفلام مارفل الحالية لهم مستقبلًا مصدر نوستالجيا وذكريات لا تنتهي.
أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور
الأهم أن ستان لي لم يكتف بوضع اسمه على تترات هذه الأفلام والمسلسلات، لكنه صمم حتى أواخر أيامه أن يسجل أيضًا حضوره الشرفي في عشرات المشاهد فيها، لنظل قادرين على مشاهدته حيًا للأبد وسط الشخصيات التي ابتكرها.
إذا لم تكن كل هذه الأرقام الخارقة والإنجازات الجبارة كفيلة بتصنيفه كسوبر هيرو، فمن هو السوبر هيرو إذًا؟!