خلال اجتماع مسؤولي البلدين في ألاسكا، حذر يانغ جيتشي، Yang Jiechi، كبير مساعدي السياسة الخارجية للرئيس الصيني، واشنطن من تحدي الصين بشأن مهمة بكين المقدسة لإعادة التوحيد مع تايوان،
وقال عن الشركات الأمريكية التي تمارس أعمالها في الصين: “لم يجبرهم أحد على البقاء في الصين”.
قبل يوم واحد من اجتماع ألاسكا، وسعت الولايات المتحدة العقوبات ضد أكثر من عشرين مسؤولا صينيا بسبب قمع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونج كونج، وهو ما اعتبرته الصين استكمالاً لإجراءات عهد ترامب التي توقعوا أن بايدن سيغيرها.
بكين تتخذ نهجًا مختلفًا لنهجها التاريخي مع الولايات المتحدة، ويعيد الرئيس شي جين بينغ تشكيل العلاقة، وهو ما بدا واضحًا في تحركات البلدين بعد اجتماع ألاسكا. في ما وصف من قبل مراقبين على أنه انتقال التحدي الصيني من الخفاء إلى العلن.
إلى مزيد من التفاصيل عبر:
س/ج في دقائق
كيف أعلنت الصين تحديها للولايات المتحدة؟
في أنكوريج بألاسكا، في مارس الماضي، حدث ما توقعه مسؤولو إدارة بايدن في اجتماعهم مع نظرائهم الصينيين، حيث طلب يانغ جيتشي، كبير مساعدي السياسة الخارجية للرئيس الصيني، ووزير الخارجية وانغ يي، من الوفد الأمريكي التراجع عن سياسات عهد ترامب التي تستهدف الصين.
كما ألقى يانغ محاضرة مدتها 16 دقيقة حول المشاكل العرقية في أمريكا وإخفاقات الديمقراطية، وانتقد الولايات المتحدة باعتبارها تعاني من مشاكل “عميقة الجذور” في مجال حقوق الإنسان، وأعلن أن “الولايات المتحدة نفسها لا تمثل الرأي العام الدولي”.
كما حذر يانغ واشنطن من تحدي الصين بشأن مهمة بكين المقدسة لإعادة التوحيد مع تايوان، وقال عن الشركات الأمريكية التي تمارس أعمالها في الصين: “لم يجبرهم أحد على البقاء في الصين”.
كان الهدف، كما يقول المسؤولون الصينيون، هو توضيح أن بكين ترى نفسها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
قبل اجتماع ألاسكا في 18 و 19 مارس، التقى الرئيس بايدن عبر الإنترنت بقادة الهند وأستراليا واليابان، وسافر وزير الخارجية أنتوني بلينكين وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، إلى طوكيو وسيول للتشاور مع النظراء الأمنيين
بينما أصروا لدى الاجتماع مع الصين على أن يسافر الوفد الصيني إلى ألاسكا بدلاً من الاجتماع في آسيا.
قبل يوم واحد من اجتماع أنكوراج، وسعت الولايات المتحدة العقوبات ضد أكثر من عشرين مسؤولا صينيا بسبب قمع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونج كونج، وهو ما اعتبرته الصين استكمالاً لإجراءات عهد ترامب التي توقعوا أن بايدن سيقوم بتغييرها.
في أنكوراج، انتقد بلينكين تصرفات الصين في هونج كونج وشينجيانج والتهديدات ضد تايوان، فرد عليه جيتشي أمام الكاميرات بأن بلاده لن تتبع”ما يسمى بقواعد النظام الدولي وهي التي يتبناها عدد قليل من الدول”، ووضع الصينيون خلال الاجتماع ثلاثة أقسام من القضايا التي طرحت للنقاش:
الفئة الأولى هي ما يمكن التعامل معه بسهولة إلى حد ما.
والثانية: ما يتطلب المزيد من المفاوضات.
الفئة الثالثة: التي تتعلق إلى حد كبير بسيادة الصين، وحظروا مناقشتها.
ومتى حدث هذا التحول الصيني تجاه الولايات المتحدة؟
كان سياسة الصين المعلنة مع الولايات المتحدة هي التعاون، وهي التي تبناها دنغ شياوبنغ بعد وقت قصير من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث قال دينغ لمساعديه في عام 1979: “عندما ننظر إلى الوراء، نجد أن كل تلك الدول التي هي مع الولايات المتحدة قد أصبحت غنية، في حين أن كل أولئك المعارضين للولايات المتحدة ظلوا فقراء. يجب أن نكون مع الولايات المتحدة”.
هذا المبدأ سار عليه خلفاؤه، حيث دفع جيانغ زيمين من خلال مفاوضات بكين مع واشنطن لإدخال الصين في نظام التجارة العالمي في عام 2001، واستمال الرؤساء الأمريكيين وغيرهم لعرض الانفتاح الأكبر الذي تتمتع به البلاد على العالم.
ذهب الزعيم التالي، هو جينتاو، إلى أبعد من ذلك في اتباع القيادة الأمريكية، فخلال الأزمة المالية لعام 2008، وقع على خطة وضعها الرئيس جورج دبليو بوش لتحفيز الاقتصاد الصيني للمساعدة في انتشال العالم من الركود.
بدأ شي عهده في مسار مماثل. شعاره “حلم الصين” أوحى بإعجابه بشعار الحلم الأمريكي، وفي أواخر عام 2017، استضاف الرئيس دونالد ترامب في عشاء خاص، على الرغم من تهديدات ترامب بمعاقبة الصين، وكان يقول بانتظام لأتباعه الصينيين والزوار الأجانب، “لدينا ألف سبب لتصحيح العلاقات الصينية الأمريكية، وليس هناك سبب واحد لإفسادها”.
لكن مع اعتماد إدارة ترامب حرب الرسوم الجمركية على الواردات الصينية وإدراج الشركات الصينية الكبرى في القائمة السوداء، اعتبر شي أن الولايات المتحدة شريكًا غير موثوق به، وعمل على جعل الصين أقل اعتمادًا على أمريكا، وإن لم يصل إلى حد التنافس معها، فكان ملتزما بعدم تحدي الولايات المتحدة كقائد عالمي.
الآن يبدو أن بكين تتخذ نهجًا مختلفًا، ويقوم الرئيس شي جين بينغ بإعادة تشكيل العلاقة، ففي أوائل مارس صرح أمام الجلسات التشريعية السنوية في بكين بأنه يمكن للصين بالفعل أن تنظر إلى العالم على قدم المساواة، وما ما فسرته الصحافة الصينية بأنه إعلان تحد للولايات المتحدة.
وهل الصين جادة في هذا التحدي أم مجرد تصريحات في الهواء؟
تحذير يانغ جيتشي في ألاسكا بشأن إعادة توحيد تايوان، والذي جعله بطلاً قوميًا في بلاده، مثال على الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها العلاقة التنافسية بين القوى العالمية إلى الصراع.
تلتزم الولايات المتحدة بمساعدة تايوان في الحفاظ على استقلاليتها بموجب التعهدات، بما في ذلك قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، ويعلن فريق بايدن عن خططه لتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية مع تايبيه، لكن شي يريد إعادة التوحيد مع تايوان، التي تعتبرها بكين مقاطعة انفصالية، كجزء من “حلم الصين” الخاص بالانتعاش الوطني.
قالت وزارة الخارجية الصينية عن تحذير يانغ في أنكوراج: “أشار الجانب الصيني إلى أن قضية تايوان مرتبطة بسيادة الصين ووحدة أراضيها ومصالحها الجوهرية، وأنه لا مجال للتسوية فيها”.
بعد وقت قصير من اجتماعات ألاسكا، تفقد شي مقاطعة فوجيان الواقعة على مضيق تايوان، كثفت الطائرات الصينية في الأسابيع الأخيرة توغلاتها في منطقة الدفاع الجوي التايوانية.
بعد أيام من لقاء ألاسكا، قال منسق البيت الأبيض في الصين، كورت كامبل، في مؤتمر خاص استضافته جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إن صبر بكين نفد وأنها ستسرع وتيرة إعادة التوحيد، وحذر الأدميرال فيل ديفيدسون، الذي يرأس القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ من أن الصين قد تحاول السيطرة على تايوان بحلول نهاية العقد، ربما في أقل من ست سنوات.
منذ اجتماع ألاسكا، بدأت المنافسة في استقطاب الحلفاء، ففي غضون أسبوع، نظم بلينكين إدانة مشتركة لسياسة شينجيانج الصينية مع كندا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والتي تضمنت أول عقوبات حقوق الإنسان منذ تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الصين منذ حملة 1989 على متظاهري ميدان تيانانمين.
وردت الصين على عقوبات الاتحاد الأوروبي من خلال إدراج المشرعين الأوروبيين ومراكز الأبحاث في القائمة السوداء، على الرغم من أن ذلك قد يجعل تصديق البرلمان الأوروبي على معاهدة الاستثمار المعلقة مع الصين أكثر صعوبة.
حتى اليابان، التي عادة ما تكون قلقة من إغضاب الصين، أكبر شريك تجاري لها، انضمت لموقف الولايات المتحدة قبل زيارة رئيس الوزراء يوشيهيدي سوجا إلى واشنطن لحضور قمة في 16 أبريل مع بايدن، حيث دعا وزير خارجيته بكين إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان للأويجور ووقف حملة القمع في هونج كونج.
التقى وزير الخارجية الصيني بنظيره الروسي في أواخر مارس الماضي، مما دفع صحيفة “جلوبال تايمز” القومية الصينية إلى توصيف الحدث بأن “الصين وروسيا يكسران قبضة الولايات المتحدة على النظام العالمي، ثم سافر الوزير الصيني إلى الشرق الأوسط ووقع اتفاقية اقتصادية وأمنية واسعة النطاق مع إيران.
تحاول دول مثل الهند تجنب الوقوع بين الجانبين، لكن خطة بايدن لعقد قمة من أجل الديمقراطية سوف تزيد من حدة الانقسام.
يقول دانيال راسل، مسؤول سابق في إدارة أوباما، ونائب رئيس معهد سياسة المجتمع الآسيوي: “إن ما يحدث مقامرة عالية المخاطر بالنسبة للصينيين، لكن ليس من المؤكد أنهم سيخسرونها”.