رغم مرور فترة على بدء عرض مسلسل ما وراء الطبيعة الذي أنتجته نتفليكس اقتباسًا من روايات الراحل أحمد خالد توفيق، لا يزال المسلسل في صدارة المشاهدات، ولا يزال موضع جدل بين متفرجين راضين إجمالًا عن التجربة، وآخرين يعتبرونها محبطة.
لكن كل العيوب التي تحدث عنها كثيرون وناقشناها سابقًا بالتفصيل في مراجعة المسلسل، لا تنفي أهميته ومزاياه، وتأثيره الوارد مستقبلًا، بما يمكن تلخيصه في 7 نقاط بالأساس:
دلال النجوم من أكبر آفات صناعة السينما والمسلسلات في مصر؛ ليس فقط لأنهم يستنزفون الجزء الأكبر من الميزانية على حساب العناصر الأخرى، ولكن أيضًا لأن تدخلاتهم لا تحمل عادة أي بُعد فني أو ثقافي، بقدر ما تحمل نرجسية وغرورا. وهى النقطة التي تنتهي بتفاصيل وشروط الغرض منها تلميع النجم/النجمة بمعايير نرجسيته على حساب سرد القصة بشكل مقنع وجيد.
كمثال بسيط: لاحظ طبيعة اختيار الملابس والماكياج في مسلسلاتنا، التي تخالف دومًا أي منطق بخصوص الشخصية وطبقتها الاجتماعية، لكنها تناسب نرجسية النجوم والنجمات واعتبارهم كل مسلسل مجرد عرض أزياء.
The Queen’s Gambit | سبع نقلات منحت مناورة الملكة السيطرة على رقعة نتفلكس| حاتم منصور
وبالطبع لا حاجة لذكر أن الكثير من نجوم المسلسلات لا يملك أية علاقة تُذكر بفن التمثيل أساسًا، وأن عجلة الفرص هنا تدور من منطلق العلاقات والمحسوبية، لدرجة يمكن معها كتابة قوائم مطولة لعديمي الموهبة من نوعية (ممثلات تعملن في التمثيل بسبب أزواجهن ليس إلا – أبناء فنانين – بنات فنانين.. إلخ).
نجح ما وراء الطبيعة رغم اختيار ممثل أبعد ما يكون عن النجومية (أحمد أمين) لدور البطولة، وبطاقم أقل وأقل منه من حيث الشهرة وقت بداية التصوير مثل آية سماحة ورزان جمال. وأثبت المسلسل أن النجاح والانتشار لا يشترط اسمًا معروفًا، بقدر ما يرتبط باختيار الأفضل وبتقديم عمل جيد.
ناقشنا في مقال سابق بالتفصيل طبيعة المنظومة الانتاجية في مسلسلاتنا، التي تعتمد على الإعلانات كممول رئيسي، وكيف انتهى هذا بمنظومة تفضل الكم من حيث عدد ساعات العرض، على حساب الكيف والاختزال كشرط أساسي من شروط التسلية والسرد.. مسلسلات رمضان.
قاعات السينما أم المشاهدة المنزلية؟ 5 فروق رئيسية قد تحدد مستقبل قاعات العرض | حاتم منصور
ما وراء الطبيعة مسلسل من 6 حلقات فقط، يبشر بامكانية نسف هذه المنظومة المملة وتجنب عيوبها؛ لأن نتفليكس – ومنصات العرض المماثلة لها – لا تعتمد على تقديم إعلانات قبل أو أثناء أو بعد انتهاء العرض، ولكن تعتمد على أسس أخرى ملخصها إنتاج أعمال جيدة تستقطب الجمهور لدفع اشتراك شهري للمنصة.
ما وراء الطبيعة هو أول مسلسل مصري تنتجه نتفليكس، وقد يكون أول مسلسل عربي ناجح للمنصة الشهيرة بعد تجارب سابقة باهتة المردود نسبيًا، كان منها المسلسل الأردني “جن”.
بيدوفيليا وازدراء أديان | سبع أعمال أثارت غضب ملايين ضد نتفليكس | حاتم منصور
نجاح مسلسل ما وراء الطبيعة لن يغري فقط نتفليكس بالمزيد من الاستثمارات في مصر والمنطقة العربية، لكن يمكن أن يلفت أنظار شركات عالمية أخرى منافسة، وهذا جيد لأن هذه الشركات تملك خبرات تحتاجها صناعة الفن في المنطقة.
لعقود وعقود، طالب ملايين بتحويل سلاسل روايات ناجحة مثل رجل المستحيل وملف المستقبل وغيرهما إلى أفلام ومسلسلات، وسمعنا أكثر من مرة أخبارًا عن مداولات بخصوص ذلك دون نتيجة.
في تقديري الشخصي، وبعيدًا عن العوائق الإنتاجية الخاصة بإنتاج أعمال من هذا النوع، تحتاج إلى مؤثرات بصرية وخبرات أكشن وخلافه، فالعائق الأكبر كان عدم فهم المنتجين لشعبية هذه السلاسل ووزنها لدى جيل أصغر منهم عمرًا.
أسطورة العراب | هل جاء أحمد خالد توفيق بكتاب مقدس؟ | أمجد جمال
نجاح مسلسل ما وراء الطبيعة يبشر بحراك في هذه النقطة. بالتأكيد يوجد للأمر مخاطر وسلبيات، على رأسها أن التسرع والتهافت على هذه السلاسل إنتاجًيا قد ينتهي بأعمال رديئة وكوارث على الشاشات، لكن يظل الحراك نفسه مطلوبًا.
تصنُع العمق من أكبر آفات صناعة السينما والمسلسلات في مصر. وبسبب هذا العيب تسقط عشرات الأعمال في فخ الملل والسخافة، ويسقط صناعها في فخ (لقد قدمنا رسائل عظيمة للغاية) رغم أن أعمالهم ينقصها أ-ب صناعة سينما ومسلسلات وهي التسلية.
قراءة في قائمة أنجح 10 أفلام من إنتاج نتفليكس | حاتم منصور
إلى حد كبير، أفلت مسلسل ما وراء الطبيعة من هذه المشكلة، وأصبح عماده الأساسي أقرب للأصل الأدبي للروايات (مغامرات مسلية وسريعة تلامس أحيانًا جوانب فلسفية أو فكرية، لكن لا تنسى أن التسلية هي الأساس).
في مراجعتي لمسلسل ما وراء الطبيعة التي يمكن قراءتها على هذا الرابط، كتبت وللمرة الأولى في مقال خاص بعمل مصري عن منهجين مثل:
1- خدمة المعجبين – Fan service
2- بيض عيد الفصح – Easter egg
عشوائية وبدائية صناعة السينما والمسلسلات في منطقتنا، جعلت الوصول لنقاشات ومحطات من هذا النوع مؤجلة حتى 2020 وعندما وصلت أخيرًا حملت بصمة خارجية إنتاجيا (نتفليكس).
عالم الجزر المنعزلة | 3 فقاعات تدفعك إليها منصات المشاهدة الإلكترونية | أمجد جمال
هذه الأساليب والمناهج التسويقية عمرها عقود وعقود في هوليوود، وفهمها وتوظيفها بشكل جيد مهم جدًا؛ لأن التسويق ليس جانبًا هامشيا في صناعة السينما والمسلسلات، كما اعتاد أهل العمق والفشل هنا الادعاء، بل هو جانب ضروري لاستمرارية عجلة الإنتاج وتوالد الفرص.
هذا درس يحتاجه صناع السينما والمسلسلات في منطقتنا بشدة، بدلًا من الشكوى والنحيب واللقاءات التي يكررون فيها مرارًا وتكرارًا النكتة المبتذلة الشهيرة: نريد من الحكومات أن تمول أعمالنا على حساب دافع الضرائب الذي لا يرغب في مشاهدتها!
تصميم وتنفيذ وحش العساس كان سيئًا للغاية – باروكة رزان جمال سخيفة ولا تليق بمسلسل في 2020 – حلقة الجاثوم متسرعة ولم تحتوي على تمهيد كافٍ لفهم الرعب الخاص به – توجد تفاصيل بصرية صغيرة غير دقيقة زمنيًا ولا تناسب عقد الستينيات الذي تدور فيه الأحداث.
ما سبق كان ضمن السلبيات والانتقادات التي وجهها كثيرون لمسلسل ما وراء الطبيعة – وأتفق مع هذه الملاحظات – لكن حتى في هذه السلبيات نفسها يمكن ملاحظة درجة نجاح المسلسل.
نناقش الأن في مسلسل عربي أخيرًا نقاطا وسلبيات مثل المؤثرات البصرية، والماكياج، والدقة التاريخية في أصغر التفاصيل.
الاختيار.. بدأ قويًا ثم تعثر بين المخاطرة والمهادنة | أمجد جمال
للتذكرة، فالنقاشات المعتادة بخصوص مسلسلاتنا تحتوي على فشل في أبجديات صناعة فن من نوعية (هذا ممثل لا علاقة له بالتمثيل نهائيًا – توجد 29 حلقة يمكن تجاهلهم وسط الـ 30 حلقة – يوجد 825 مشهدًا يحتوي على أخطاء فاضحة في الحلقة الأولى – لا يوجد منطق في اختيار الفنانة س التي تجاوزت الستين للعب دور فتاة جامعية.. إلخ).