The Queen’s Gambit | سبع نقلات منحت مناورة الملكة السيطرة على رقعة نتفلكس| حاتم منصور

The Queen’s Gambit | سبع نقلات منحت مناورة الملكة السيطرة على رقعة نتفلكس| حاتم منصور

15 Nov 2020
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من الغريب نسبيًا أن الشطرنج رغم شهرته كرياضة الأذكياء، وتصنيفه كمدرسة لتعليم التخطيط والمناورات العسكرية، لم يحظ نهائيًا باهتمام صناع السينما مقارنة بغيره من الألعاب والرياضات.

لكن عمليًا، يسهل تفهم الأسباب.

في الشطرنج لا يوجد تفاعل حركي وفيزيائي للاعبين يعادل الألعاب البدنية، ويسمح لصناع السينما باستخدام أدوات الصوت والصورة لخلق دراما بخصوص الصراع. والأهم أنها لعبة يصعب على المتفرج فهم المتقدم والمتأخر فيها، مقارنة بألعاب صالت وجالت فيها السينما، مثل الملاكمة والسلة وكرة القدم وسباقات السيارات.. إلخ.

Ford v Ferrari.. كريستان بيل ومات ديمون يتسابقان إلى الأوسكار | ريفيو | حاتم منصور

صناع مسلسل مناورة الملكة The Queen’s Gambit المقتبس من رواية بنفس الاسم صدرت في الثمانينيات للأديب والتر تيفيس لم يقطعوا فقط شوطًا جيدًا جدًا لتحويل الشطرنج للعبة سينمائية مثيرة على مدار 7 حلقات، لكنهم قدموا إجمالًا 7 نقلات ذكية تجعل المسلسل ضمن أفضل انتاجات نتفلكس:

إعلان مسلسل The Queen’s Gambit

النقلة الأولى – شخصيات مهمة

طوال الوقت يركز مسلسل مناورة الملكة The Queen’s Gambit على شخصية رئيسية واحدة وهي بيث هارمون، ورحلتها للانضمام لأباطرة الشطرنج عالميًا. وهي الرحلة التي يوازيها صراعاتها الداخلية وشكوكها في نفسها بخصوص إمكانية تحقيق ذلك، ويوازيها أيضا اضطرابات نفسية وعُقد متوارثة من الطفولة.

الشطرنج هنا ليس مجرد لعبة تمارسها البطلة، بل العدسة المكبرة التي نراها فيها أكثر وأكثر، والمربع الوحيد الذي تشعر فيه بالانتماء لشيء ما في هذا العالم.

قراءة في قائمة أنجح 10 أفلام من إنتاج نتفليكس | حاتم منصور

رغم هذا التركيز لا ينسى ثنائي السيناريو (آلان سكوت – سكوت فرانك) بقية الشخصيات. تمنحنا الأحداث بذكاء عبر لمحات خاطفة ومكثفة ما نحتاج معرفته عنهم. هؤلاء ليسوا مجرد عساكر هامشية بجوار الملكة البطلة على رقعة الأحداث، بل شخصيات من لحم ودم تتشابك وتتصارع معها سواء في الشطرنج، أو في الحياة عامة.

النقلة الثانية – خلق لغة سينما للشطرنج 

يبتكر مسلسل مناورة الملكة The Queen’s Gambit سريعًا لغة صوت وصورة مثيرة وسهلة الفهم للشطرنج، أحيانًا باستخدام جزئيات تخص عالم الاحترافيين في اللعبة مثل صوت ساعة الشطرنج، أو البروتوكول المستخدم للاستسلام (إسقاط الملك على الرقعة). وأحيانًا بخيالات وشطحات بصرية، نري فيها البطلة وهي تحلل الرقعة والاحتمالات قبل اتخاذ قرارها بخصوص النقلة التالية.

قبل نهاية الحلقة الثانية، سنصبح كمتفرجين قادرين على فهم هذه اللغة، وهذا في حد ذاته إنجاز جيد لصناع المسلسل، لكن ما يستحق الإشادة أكثر، هو طريقة توظيف هذه اللغة دراميًا لاحقًا.

تشرنوبل.. الانفجار السينمائي القادم من مفاعلات التليفزيون | حاتم منصور

كمثال: في مشهد المباراة الأولى المهمة للبطلة أمام نجم شطرنج في نهاية الحلقة الثانية، نرى صراعًا دراميًا استخدم هذه اللغة ضمن أدوات أخرى، وتسلسلًا فعالًا لمباراة بدأت باستهتار من هذا النجم الذي اعتبر منافسته مجرد فتاة تافهة سيسحقها سريعًا.

في هذا المشهد – الذي أصنفه من الآن بالمناسبة ضمن أفضل مشاهد 2020 – يدمج المخرج سكوت فرانك وفريق المونتاج لغة الشطرنج التي تحدثنا عنها سابقًا، مع تفاصيل بسيطة وسريعة جدًا مثل التثاؤب، أو تنهيدة الارتياح، أو سرعة رد من الخصم في تحديد اللعبة التالية، ليمنحنا فكرة جيدة عن أحاسيس البطلة أثناء المباراة.

ما تريد بطلتنا بيث هارمون انتزاعه منذ بدء المباراة، هو اعتراف من هذا الخصم بوجودها، وبأهليتها للعب معه.

وما تراه منه رغم اجتهادها في اللعب، يدفعها أحيانًا للتساؤل والشك: هل أنا قادرة على منافسته فعلًا، أم أنني مجرد تافهة متواضعة المستوى كما يراني؟

المشهد إجمالًا سينمائي الأسلوب جدًا، ويذكرنا بحقيقة يعتبرها البعض مبهجة ويراها آخرون محزنة، وهي أن المسلسلات المعاصرة لم تعد مجرد قصص بائسة مملة تعكس فقرًا في الإبداع على المستوى البصري، وأساسها الحوار بين الشخصيات ليس إلا، بل أصبحت ببساطة أفلام سينما ممتازة طويلة نشاهدها في المنازل وتهدد استمرارية قاعات السينما.

النقلة الثالثة – ديكورات وملابس في خدمة القصة

الأحداث في أواخر الستينيات، والمسلسل يقدم كرنفالًا بصريًا بخصوص هذا العقد على صعيد الديكورات والملابس، وهو أمر معتاد نسبيًا مؤخرا من نتفلكس. لكن من جديد، ما يجعل مناورة الملكة The Queen’s Gambit مميزًا جدًا في هذه الجزئية، هو طريقة توظيفها دراميًا.

ملابس البطلة تعكس في أوقات كثيرة طبيعة رقعة الشطرنج (مربعات بيضاء/سوداء). والتسلسل في هذه الملابس والتصميمات وصولًا لمشهد النهاية الدافئ، الذي تغلق فيه سترتها لتحجب أغلب اللون الأسود، وتصبح أخيرًا في هيئة بصرية تماثل تماما قطعة الملكة البيضاء في الشطرنج من الرأس للقدمين، يجعل لهذه الملابس معنى ودلالة أكبر من مجرد كونها أنيقة.

نفس الشيء يمكن قوله عن الديكورات والأدوات المستخدمة لنقل إحساس ما للمتفرج. في الأجزاء الأخيرة التي تخص روسيا مثلًا، ستلاحظ أن ساعة الشطرنج وأغلب الديكورات ستميل للأسود ودرجات الغامق والرمادي، وأن هذا ينطبق على اللاعب الروسي الخصم أيضًا (بذلة سوداء – شعر أسود.. إلخ).

عندما تضع هذه الملاحظة مع التمهيدات بخصوص بطلتنا التي تمثل الأبيض، يتشكل أمامك كمتفرج إحساس أن البطلة في روسيا محاصرة لدرجة الاختناق وفي ورطة حقيقية، وأن تحدياتها هناك تفوق في صعوبتها كل ما شاهدناه.

إجمالًا، يمنحنا مناورة الملكة The Queen’s Gambit فكرة جيدة عما يمكن أن تضيفه قطعة ملابس أو قطعة ديكور للأحداث. لا توجد هنا بهرجة بصرية بغرض الإبهار على حساب المنطق والقصة والشخصيات، على طريقة بؤس المسلسلات والأفلام العربية، التي نشاهد فيها شخصيات من الطبقة المتوسطة والفقيرة وهم يرتدون أفخم البراندات، لأن النجم/ النجمة يعتبر المسلسل مجرد عرض أزياء لسموه! بل يوجد توظيف لهذه الجزئيات لخدمة القصة.

النقلة الرابعة – فيمنست بدون ضجيج

في قصة من هذا النوع (بطلة تشق طريقها في لعبة يهيمن عليها الذكور)، وقياسًا على الزمن الحالي وأجنداته النسوية في هوليوود والميديا العالمية، كان من السهل أن يسقط المسلسل في فخ الفجاجة والخطابة والابتذال التي نراها في غيره. ومن وقت لآخر وفي مواقف درامية متعددة قلت لنفسي: ها هي لحظة الخطابة والرخص النسوي المملة السخيفة المفتعلة قادمة لا محالة!

كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور

المذهل أن المسلسل حطم توقعاتي في كل مرة، ولم يسقط في هذا الفخ نهائيًا. مناورة الملكة The Queen’s Gambit يتركك لتتفهم هذه الجزئية بدلًا من أن يلقنك ويصدعك بها مرارًا وتكرارًا. والأهم وأهم أنه لا يحول بطلته لنموذج ذكوري السلوكيات والطباع ليقنعنا أنها بطلة، بل يحافظ على طباع الأنثى فيها طوال الأحداث، ويفسح مجال لجزئيات مثل احتياجاتها العاطفية والجنسية.

هذا درس يحتاجه الألاف من صناع السينما حاليًا، وبالأخص الفئة التي تزعم أنها فيمنست وتقدم سينما عن المرأة وقضاياها، بينما كل ما تقدمه لنا فعلًا على المستوى الفني هو خطابة وفجاجة باسم قضية المرأة.

النقلة الخامسة – الموسيقى التصويرية

يسجل الموسيقار كارلوس رافاييل ريفيرا هنا في ثالث تجاربه، أوراق اعتماده كاسم قادم مهم في المجال، بفضل تيمات موسيقية بسيطة لكن فعالة، تعتمد على البيانو والوتريات بالأساس لتناسب من ناحية الطبيعة الناعمة للبطلة، وتناسب أيضًا روح الستينيات وموسيقاها.

إينيو موريكوني.. بتهوفن السينما أم موسيقار الفرص الضائعة؟ | حاتم منصور

نال ريفيرا سابقًا جوائز مهمة عن Godless – A Walk Among the Tombstones لكن لم يحقق أي منهما انتشارًا يذكر مقارنة بمسلسل مناورة الملكة لذا يمكن القول أن المسلسل شهادة ميلاده الحقيقية.

النقلة السادسة – التمثيل

طاقم التمثيل هنا يستحق كله الإشادة من أصغر لأكبر دور.

لكن تظل الجميلة أنيا تايلور جوى جوهرة المسلسل الحقيقية، بفضل أداء فعال ساهم في بلورته حقيقة أنها تملك تقريبًا أوسع عينين في هوليوود حاليًا (نعم وجدنا أخيرًا منافسة شرسة لايما ستون في هذا المجال!).

البعض يفضلونها نسوية في The Favourite | حاتم منصور | دقائق.نت

مهارات أنيا تايلور تمتد أيضًا للأداء البدني، وهي نقطة اعتمد عليها المخرج سكوت فرانك بشدة في شخصية لا تميل لإعلان مشاعرها أو للتواصل مع الآخرين، ومسلسل لا يمنح بطلته الكثير من الجمل للإلقاء، بقدر ما يحتاج منها لتفاصيل بسيطة وخاطفة تلتقطها الكاميرا. غالبًا سيكفل لهما الدور عدة جوائز قادمة.

7- احشد أقوى أسلحتك للجولة الأخيرة – كش ملك

إذا افترضنا جدلًا أن مسلسل مناورة الملكة The Queen’s Gambit فيلم أكشن تدور معاركه على رقعة الشطرنج، يسهل توقع غياب المنحنى التصاعدي. بمعنى أن يخسر مقطع الذروة والصراع النهائي الزخم المطلوب، ويصبح مماثلًا لما شاهدناه سابقًا، وهي مشكلة تعاني منها كثير من أفلام الأكشن مؤخرًا.

5 أسباب جعلت “جون ويك” علامة في تاريخ الأكشن | حاتم منصور

العكس تحقق هنا بفضل قرارات سكوت فرانك كمخرج. عبر مباريات المسلسل يستخدم العديد من الأدوات والأسلحة السينمائية وبشكل متنوع كما شرحنا سلفًا،

لكنه يترك للمباراة الأخيرة الحق الحصري في استخدام (كل الأسلحة) وبالأخص الموسيقى، وهو ما يجعل لهذه المباراة هيبتها من حيث المحتوى البصري والصوتي.

بقى أن أذكر نقلتين مهمتين خارج نطاق المسلسل في انتظار الممثلة أنيا تايلور.

النقلة الأولى في فيلم الرعب الليلة الأخيرة في سوهو Last Night in Soho للمخرج إدجار رايت. وهو واحد من الأفلام التي أنتظرها في 2021 بحماس، لمعرفة ما يمكن أن يضيفه لعالم الرعب بعد أن أمتعنا سابقًا بأفلام مرحة مثل Baby Driver – The World’s End – Hot Fuzz.

I’m Thinking of Ending Things | تشارلي كوفمان ينقذ العام السينمائي بأول تحفة فنية | أمجد جمال

أما النقلة الأكبر والأهم فهي أن المخرج جورج ميللر مبدع سلسلة ماد ماكس اختارها مؤخرًا للقيام بدور فيريوسا في فيلم قادم خاص بالشخصية، ستدور أحداثه زمنيًا قبل أحداث فيلم Mad Max: Fury Road وسنشاهد فيه فيريوسا وهي أكثر شبابًا.

من اليمين: آنيا تايلور – شارليز ثيرون في دور فيريوسا

رغم إعجابي بأنيا تايلور منذ بدايتها بفضل فيلم الرعب الساحرة The Witch اعتبرت الخبر والقرار تحديا شاقا لها، على ضوء ما قدمته شارليز ثيرون في دور فيريوسا.

الآن، وبالنظر لمهارات أنيا تايلور هنا في مناورة الملكة The Queen’s Gambit يمكن القول أن المخرج جورج ميللر لعب هذه المناورة بذكاء، وأن في انتظارنا غالبًا ملحمة أكشن مهيبة أخرى، تتصدرها ممثلة ماهرة في الأداء البدني بنفس قدر إجادتها في التعبير بالملامح.

10 اختيارات تمثيلية رفضها الجمهور ثم أثبتت صحتها | حاتم منصور

تمامًا مثل شخصية بيث هارمون في المسلسل، يمكن القول أن الموهوبة أنيا تايلور ملكة قادمة على رقعة هوليوود، وأن مناورة الملكة The Queen’s Gambit غالبًا مجرد افتتاحية لمسيرة واعدة للغاية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك