القصة في دقيقة:
في معظم أنحاء العالم، انحسرت سلطة الأنظمة الملكية الفعلية على السياسة، إلا في دول محدودة. لكن الشرق الأوسط ينفرد بكونه المنطقة التي تضم أكبر عدد متجاور منها: 6 أنظمة ملكية في شبه الجزيرة العربية، بخلاف الأردن والمغرب.
علماء السياسة والاقتصاد انشغلوا بخصوصية تلك المنطقة لعقود؛ كانوا يفترضون أن حركة التحديث واتباع النموذج الغربي ستأتي بالضرورة بتحول إلى جمهوريات، كما حدث مع دول مجاورة أخرى بينها مصر بعد 1952.
لكن الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط صمدت أمام التحولات الإقليمية المتتالية، وأثبتت أنها مرنة بدرجة تحفظ البقاء.
ما سر تماسك الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط؟ عدة محاولات بحثية مرموقة بحثت عن الإجابة. نلخص مضمونها عبر:
س/ج في دقائق
كيف فسر الباحثون تماسك الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط؟
عديد من الباحثين حاول الإجابة عن السؤال. فبعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، أعلن علماء الاجتماع تقادم الملكية كنوع نظام قابل للحياة:
أطروحة صموئيل هنتنغتون سخرت من “معضلة الملك”، ومانفريد هالبيرن تخيل “إستراتيجية الثورات المناهضة للملكية”.
لكن مايكل هدسون لاحظ احقًا أن “الممالك العربية أصبحت مفارقة تاريخية في عالم الأمم الحديث”. انتهى إلى أن الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط متماسكة لكونها متناغمة ثقافيًا وفق منطق “الشرعية الثقافية”؛ باعتبارها الأنسب للتراث القبلي السائد في المنطقة، لا سيما في الخليح.
اقترح آخرون أن الأنظمة الملكية أكثر فعالية في السيطرة على المعارضة المحتملة هناك. ولذلك تحقق الاستقرار النسبي.
لكن مثل هذه التفسيرات تجد صعوبة حين التفاعل العملي مع تاريخ المنطقة، فالحديث عن شعور شعوب الشرق الأوسط بالميل الفطري إلى الملكية يقوضه حقيقة أن العديد من الأنظمة الملكية سقطت في القرن الماضي، كما الحال في مصر وتونس والعراق واليمن الشمالي وجنوب الجزيرة وليبيا وإيران.
هنا ظهر تفسير يبدو أكثر إقناعًا نظريًا، لكنه يخص الأنظمة الملكية في الخليج أكثر، حيث يأخذ في الاعتبار تحولها لإنتاج النفط وما تبعه من تأثيرات اجتماعية ساهمت في الاستقرار. وإن لم يفسر هذا سقوط الملكية في العراق، وهو دولة نفطية. وسقوط شاه إيران، وهي دولة نفطية.
التحالف الدفاعي | هل يعوض التحالف الخليجي الإسرائيلي خضوع بايدن لإيران؟ | ترجمة في دقائق
هل النفط هو سبب تماسك الأنظمة الملكية فعلًا؟
حتى هذا التفسير لم يصمد طويلًا أمام التطبيق العملي؛ الثروة وحدها ليست دواءً لجميع الأمراض. يظهر بوضوح في العراق وإيران وفنزويلا، التي تملك ثروات كبيرة، لكنها لم تشهد ثورات فحسب، بل لم تنجح الثروة النفطية أصلًا في ضمان الاستقرار.
لحل الإشكالية، يقترح ديفيد روبرتس أن:
1- ليست الثروة، بل التوزيع الدقيق والفعال للثروة هو ما لعب عاملًا حاسمًا في توليد الاستقرار النسبي في الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط.
2- تحتل جميع الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط مواقع جيوستراتيجية مهمة ومؤثرة في رسم السياسات الخارجية للدول العظمي المتلاحقة، وتتمتع بمرونة كبيرة. هنا، وجدت القوى العظمى أن استخدام نموذج التغييرات المحيطة مع تلك الملكيات لتغيير الأنظمة يعني تعريض مصالحها طويلة الأمد للخطر.
على هذا النحو، انتفت مصلحة المؤثرين الخارجيين في ممارسة “تجاربهم السياسية” لأنها ستضر بمصالحهم ضررا مباشرا. بما في ذلك الولايات المتحدة في حالة الأنظمة الملكية في الخليج والأردن، وفرنسا في حالة المغرب.
3- صحيح أن قادة الأنظمة الملكية غير منتخبين، وأن انتقادهم يبقى خطًا أحمر لا يتخطاه المواطنون، وأنهم على قمة جبل الثورة، لكنهم
أولًا ليسوا “طغاة” ويحكمون في كثير من الأحيان بدعم مجموعة من الدوائر النابعة من الطبيعة المجتمعية ،
وثانيًا، رغم اختلاف الأرقام من بلد لآخر، أشرفوا منذ فترة طويلة على بعض أكثر أنظمة دولة الرفاهية سخاءً في العالم، فضلًا عن معدلات الضرائب المنخفضة، ليتخلق وضع راهن تستفيد منه الأغلبية، وبالتالي، يكون من مصلحة الجميع أن يبقى النظام كما هو.
من القبلية إلى دعم أوباما للربيع العربي.. 6 لحظات حاسمة شكلت عقيدة جيوش الخليج | الحكاية في دقائق
لماذا لم يعد النفط كافيًا لضمان استمرار المعادلة؟
بحسب الباحث، وبعدما نجح نظام توزيع عائدات النفط لعقود، فإنه يتعرض مؤخرًا لضغوط متزايدة؛ لأن المشكلة المركزية التي تواجهها الأنظمة الملكية – بدرجات متفاوتة – هي أن اقتصاداتها تُصنف كاقتصادات ريعية.
هذا يعني أن نسبة صغيرة نسبيًا من السكان كانوا يشاركون في تحقيق غالبية دخل الدولة، والذي يأتي من الصناعات الاستخراجية للنفط والغاز والمعادن، أو الدعم الدولي.
القضية الواضحة هنا أن الموارد محدودة وتخضع لتغير كبير في الطلب والأسعار. تأثير النفط، مثلًا، على الاقتصادات المحلية واسع الانتشار لدرجة أنه يميل إلى منع ظهور اقتصاد مستقل.
بشكل عام، هذا يعني أن الناتج المحلي الإجمالي لأي مملكة يتأرجح وفقًا لعوامل خارجة عن سيطرة الدولة، والتي لطالما ألحقت الضرر بالحكومات التي تسعى جاهدة لوضع ميزانية مستدامة وواضحة وطويلة الأجل.
وهنا يلاحظ أن الدول المستقرة المشار إليها التفتت فعلا إلى هذه المشكلة وعمدت إلى تغيير، أو توسيع، أنماطها الإنتاجية.
كيف تتغير السعودية بسبب تصاعد الهوية الوطنية؟ وكيف يتأثر عقدها الاجتماعي؟ | الحكاية في دقائق
ماذا فعلت الأنظمة الملكية لحل مشكلة الاقتصاد النفطي؟
تنويع اقتصادات الدول التي تديرها الأنظمة الملكية بعيدًا عن الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي كان هدفًا لأجيال.
النتائج كانت تشير إلى أن الدول تفشل في تنويع الاقتصاد ما لم تضطر إلى ذلك، أو بتعبير مبسط “عندما تجف الآبار عمليًا”. وحتى إن حدث، فإنها تتحول إلى الاعتماد على دول الجوار الأكثر ثراء للحصول على الدعم المالي.
لكن بعض الأنظمة الملكية في الخليج لم تنتظر حتى حدوث هذا. بل بدأت فعلًا منذ سنوات خططًا واضعة لتنويع الاقتصاد، خصوصًا الإمارات ثم السعودية، التي وضعت خطة طموحة للخروج إلى اقتصاد ما بعد النفط، حتى قبل نفاده، وفق رؤية 2030.
وهو ما يبرهن على تراكم خبرة الحكم في هذه الأنظمة من جيل إلى جيل. .
الهيدروجين الأخضر | السعودية تهيمن على طاقة ما بعد النفط | س/ج في دقائق
هل هناك مصادر أخرى لزيادة المعرفة؟