بعدما غزا المسلمون مختلف أنحاء الشرق الأوسط، قيد الدين الجديد سطوة المسيحية التي سبقته إلى المنطقة، لكنه سمح للمسيحيين بالعيش في وئام كأقلية تحت الحكم الإسلامي.
لكن ذلك ساء خلال الثلاثين عامًا الماضية، إذ عانى المسيحيون من أسوأ أنواع الاضطهاد العقدي.
أدت حروب الخليج وصعود التطرف الإسلامي لنزوح المسيحيين في العراق وسوريا من ديارهم. وتعرضوا للاعتداء الجسدي أو الخطف أو القتل أو النفي، وأُحرقت الكنائس ودُنست المقابر وألغيت تقاليد الطقوس الدينية التاريخية.
المسيحية عاشت فرقة يهودية 100 عام | لماذا انشقت؟ وكيف تحولت إلى دينٍ مستقل؟ | الحكاية في دقائق
الآن، تتعرض القرى المسيحية المحاصرة في شمال شرق سوريا للهجوم مرة أخرى، ليس من قبل متطرفي داعش، الذين أرهبوا الأقليات الدينية خلال فترة الخلافة القصيرة والدامية، ولكن من الجيش التركي.
تتعرض القرى المدمرة للقصف كجزء من حملة تركيا المستمرة ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية التابعة للانفصاليين الأكراد من حزب العمال الكردستاني داخل تركيا.
لقد انضم المسيحيون إلى الأكراد السوريين في المعركة ضد متطرفي داعش، والآن أصبحوا محاصرين في شمال سوريا التي يريد الرئيس أردوغان إنشاء منطقة عازلة فيها تخضع لدوريات.
في وقت ماضٍ، كانت سوريا الملاذ للمسيحيين، حيث يتمتع البطاركة في دمشق بالاحترام والسلطة، لكن ذلك تغير بسبب أردوغان.
تستضيف تركيا، العضو في الناتو، بطريركية الكنيسة الأرثوذكسية في إسطنبول، وهي التي تنتمي إليها معظم الطوائف المسيحية في الدول الناطقة بالعربية.
يرأس الرئيس التركي دولة ينص دستورها العلماني، الذي وضعه أتاتورك، على الحرية والتسامح لجميع الجماعات الدينية
ومع ذلك، تخلص أردوغان من العلمانية، ودعم نشر الإسلاموية، وروج لتركيا كبطل عثماني جديد للقيم الإسلامية، ولذلك فإن اضطهاده للمسيحيين في سوريا يتناغم بشكل جيد مع الجمهور التركي الذي يخضع بشكل متزايد لتأثير الإسلاموية.
كيف تحولت القسطنطينية مركز الإمبراطورية الرومانية إلى إسطنبول العثمانية؟ | الحكاية في دقائق
الأقلية المسيحية في العراق هي الأكثر معاناة الآن، فالمجتمعات التي كانت مزدهرة ذات يوم، معظمها من الآشوريين، والتي تتحدث- مثل المسيح- الآرامية، تقلصت من حوالي 1.5 مليون في عام 2003 إلى أقل من 200000.
هناك عاملان يؤديان إلى تفاقم الهجرة المسيحية من العراق:
أولاً، حصل العديد من المسيحيين على الأفضلية في طلبات الحصول على تأشيرات دخول إلى الغرب، وخصوصًا: أمريكا وكندا وأستراليا والسويد.
ومع ذلك، فقد أثار هذا الحسد والغضب بين جيرانهم غير المسيحيين، الذين يقولون إن المسيحية هي الآن ميزة تأشيرة أكثر من كونها إيمانًا.
ثانيًا، هناك مفهوم خاطئ متنام، يؤججه داعش والإسلاميون الآخرون، مفاده أن المسيحية هي فرع من الجماعات الدينية الغربية، جلبها المبشرون إلى المنطقة، رغم أن مسيحيي المنطقة تاريخيًا هم من نشروا المسيحية في العالم كله.
من يستطيع الخروج من سوريا والعراق ينضم إلى مسيحيي لبنان، والذين هم نتيجة إفلاس بلدهم يشقون طريقهم أيضًا إلى الغرب بأعداد كبيرة.
تحدث الزعماء الدينيون الغربيون بقوة عن محنتهم وتحسروا على الهجرة الجماعية، لكن لا ينبغي إجبار أحد على البقاء مع تفاقم الأوضاع.
القرى فارغة، والكنائس تتداعى، ولا يوجد قساوسة يؤدون خدمات، وقريبًا قد لا تكون المسيحية أكثر من ذكرى في المنطقة.
فورين فوليسي: لبنان بلا أمل .. عقوبات جماعية على مسؤوليه؟ أم التضحية بالشعب؟ | ترجمة في دقائق