تسلسل ثابت يغزو عالم السوشال ميديا من وقت لآخر بانتظام بخصوص الطب في مصر:
1- خبر عن وفاة شخص ما.
2- اتهام أطباء أو مستشفى ما بالتقصير في علاجه وانقاذه.
3- هجوم على الأطباء، وتأكيد على وجود اهمال طبي سائد في مصر عامة.
4- اتهام الحكومة بالفشل، ورفض أى بيانات تنفى هذا التقصير من أى جهات طبية متخصصة، باعتبارها تقارير مزيفة.
يشارك في هذا التريند كل مرة ملايين لم تدرس ولم تمارس الطب، ولا تعرف شيئًا عن طبيعة الأزمة الصحية للمتوفى أو تاريخه المرضي. تستقي قناعتها المطلقة عن التقصير الطبي بخصوصه، من عالم السوشال ميديا ليس إلا، بحيث نصبح أمام دائرة مفرغة، الكل فيها متأكد تمامًا، ويؤكد لآخرين بدوره أيضًا، وجود تقصير غير مؤكد بالمرة في قصة ما!
التمييز ضد الأغنياء | عزيزي المواطن احذر.. أنت في مجتمع العنطزة والنفسنة | محمد زكي الشيمي
الأغرب أن نفس المشاركين عادة في تحويل القصة إلى قضية عامة، وتريند على السوشال ميديا، هم أنفسهم الذين يستنكرون لاحقًا صدور تقرير طبي معلن من نفس الجهات التي هاجموها، بحجة أن هذا انتهاك لخصوصية المريض! وهي نقطة كوميدية تثبت أن الأمور تتحرك بدوافع سياسية، قبل أى شيء.
إذا اعتبرنا أن أغلى ما يملكه أي إنسان منا هو صحته، سيسهل فهم أهمية المزايدات والاتهامات السياسية في ملف الطب الحساس، وتحويلها المستديم لملاعب السوشال ميديا وساحات النقاش العام، بدلًا من المتخصصين طبيًا. يمكنك دومًا أن تتخيل نفسك أو أحد المقربين منك ضحية تالية، ومع هذا القلق يصبح لديك حافز ودافع فوري للمشاركة في الحملة والقصة الجديدة وتأكيدها.
كلنا أولاد تسعة | اللمبي زعيما لليسار والإنسان كيوم ولدته أمه | خالد البري
كلنا كبشر نأمل في العلاج والنجاة، لكن في النهاية لا ينقذ الطب كل المرضى. حقيقة ثابتة في أي مكان في العالم، وبالتالي الترويج لمعادلة بائسة مضمونها أن (كل وفاة = إهمال طبي بالضرورة) هو نوع من العبث والتخلف الفكري والمعرفي ليس إلا.
باختصارـ نعم يمكن أن يحصل مريض على أفضل علاج طبي عرفته البشرية حتى الآن لحالته. ومع ذلك لا تتحقق النجاة، وهي مسألة تشمل كل الأعمار ابتداء من الأجنة والمواليد الرضع.
5 حالات ينظر فيها الطب من وجهة نظر الرجال فتتضرر صحة النساء | قوائم في دقائق
* المعطيات: لدى تجربة سابقة تحمل شبهة تقصير من طبيب أو مستشفى، أو قصص سابقة سمعتها بنفس المضمون.
* الاستنتاج: إذًا، بالتأكيد القصة الجديدة التي لا أعرف عنها شيئًا، هي قصة صحيحة بنسبة 100% ويجب أن أشارك في ترويجها وتأكيدها، لفضح هؤلاء الأطباء الأوغاد!
الكل طبيب والكل يؤخذ برأيه، ما عدا الأطباء الذين تولوا فحص الحالة فعلًا، وتقديم بيانات بخصوصها!
مع منهج التشكيك المستمر والسائد حاليًا ضد الأطباء المصريين، سواء من حيث مستواهم العلمي أو الأخلاقي، ومع قناعة ملايين أن الطبيب المثالي والأكثر إنسانية وعطاء، هو شخص متقشف زاهد ماديًا، وهو ما يمكنك ملاحظته في حملات الاعجاب بالراحل محمد مشالي الملقب بـ “طبيب الغلابة”، ومع مجتمع يتزايد سكانيًا بمعدلاتنا، يسهل استنتاج الوضع المستقبلي لمستوى الخدمات الطبية في مصر.
طبيب الغلابة محمد مشالي | ٣ آراء | عمرو عبد الرازق – حاتم منصور – خالد البري | مناظرة في دقائق
صنعنا ولا نزال نصنع بمنتهى الحماقة، مناخًا عدائيًا غريبًا ضد الأطباء، ووضعًا جحيميًا ومزعجًا، لم يعد فيه الطبيب المصري يملك ما يدفعه للاستمرارية هنا. ومع حقيقة توفر فرص أخرى للعمل خارج مصر بمغريات مادية أفضل، ينتظرنا بالتأكيد طوفان هجرة للأطباء، يفوق كل أرقام الهجرة الحالية التي تُعتبر أصلًا في حد ذاتها مقلقة.
لذا تذكر مستقبلًا في المرة التي ستعاني فيها من صعوبة الحصول على خدمة طبية لائقة، أن السبب الرئيسي قد لا يكون تقصيرًا حكوميًا، أو ضعف مستوى تعليمي في كليات الطب المصري، أو جشع طبيب قررت أنت وصمه بتهمة الجشع، لا لشيء الا لأنه يرغب في الحصول على حياة كريمة لنفسه ولأبنائه مثلي ومثلك.