مفاجآت يكشفها جوجل.. كيف يقيم المصري والسوداني والإثيوبي أزمة سد النهضة ؟ | هيثم عبد المولى

مفاجآت يكشفها جوجل.. كيف يقيم المصري والسوداني والإثيوبي أزمة سد النهضة ؟ | هيثم عبد المولى

9 Aug 2021
هيثم عبد المولى | دقائق.نت
أثيوبيا مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قد يكذب الناس على بعضهم وعلى زوجاتهم و على أنفسهم، بل و يحاولون حتى الكذب على آلهتهم. لكنهم حتمًا لا يكذبون على جوجل.

معطيات البحث التي يجمعها جوجل كل ثانية بكميات هائلة، تعد كنزًا رهيبًا من المعرفة يساعد على فهم التوجهات العامة للجماهير حول أي موضوع عام.

المتخصصون في التسويق والسياسيون على حد سواء، فطنوا إلى أهمية معطيات جوجل وقدرتها على استشراف الترندات التجارية والسياسية؛ إذ يمكن تحليل هذه المعطيات الضخمة لاكتشاف المنطقة التي يجب التركيز عليها.

يمنحنا جوجل وسيلة مجانية للاطلاع على حصيلة البحث حول موضوع ما منذ 2004، مع التوزيع الجغرافي للبحث، هذه الوسيلة اسمها Google trends المستخدمة بكثافة في عالم التسويق الإلكتروني منذ بضعة سنوات.

لكن الآن، بدأ استخدمها كذلك لفهم الترندات السياسية حول العالم أو في منطقة جغرافية محددة.

وبما أن موضوع سد النهضة هو أحد أكثر التحديات تعقيدًا أمام الدولة المصرية. وبما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أدرج كثيرًا مما قيل ويقال عنه في خانة “الهري”، فدعونا نشاهد معًا كيف يرى العالم أزمة سد النهضة وكيف يراها كل من المصريين والسودانيين والإثيوبيين عبر اعتماد جوجل ترند.

جوجل- سد النهضة حول العالم

تشير معطيات جوجل بوضوح إلى ثلاثة ارتفاعات ضخمة للاهتمام بالبحث عن سد النهضة خلال السنوات الخمس الماضية.

الأولى عند اكتمال الملء الأول في يوليو 2020، الثانية أواخر مارس وأول أسبوع من إبريل 2021 إثر خطاب الرئيس السيسي بعد تحرير السفينة إيفر جيفن من قناة السويس، وعبارته ” اللي عايز يجرب يجرب” والثالث هو ما عشناه مؤخرًا مع الملء الثاني.

الارتفاع الأخير كان الأعلى على الإطلاق.

لكن معطيات جوجل ترند لا تتوقف عند هذا الحد؛ إذ يمكننا أن نشاهد التوزع الجغرافي للاهتمام بين الدول المختلفة. وهنا نلاحظ بعد المفاجآت.

في معطيات الخمس سنوات الماضية، تصدرت أثيوبيا الدول المهتمة بالسد، تليها مصر بفارق ضئيل، ثم السودان بفارق شاسع، وكأن موضوع السد بعيد عنهم.

في المرتبة الرابعة تظهر اليمن! الغريب أن اليمن في حالة حرب مدمرة. لكن يبدو أن الجالية الإثيوبية الضخمة هناك تتابع الموضوع وتبحث فيه. وتأتي الكويت خامسًا نتيجة ثقل الجالية المصرية هناك.

ومن المرتبة السادسة إلى المرتبة التاسعة عشر، تصطف الدول الناطقة بالعربية بدرجات مختلفة من الاهتمام، ابتداءً من ليبيا، وانتهاءا بالمغرب، لتأتي كينيا في المرتبة العشرين، ثم إسرائيل بمعدلات اهتمام تقل عن 1%.

أما عن المواضيع المرتبطة بملف سد النهضة فنجد أن مناقشات مجلس الأمن حظيت بأعلى معدلات البحث بالعربية والإنجليزية، يليها التتبع اليومي لأخبار سد النهضة من جانب المصريين تحديدًا.

ولأن جوجل ترند يستطيع تحليل عمليات البحث على مستوى الدول، فلابد في هذه الحالة من تحليل رؤية الدول الثلاثة المعنية بشكل مباشر بأزمة سد النهضة.

كيف يرى المصريون أزمة سد النهضة؟

عندما نحول آليات البحث نحو مصر، يبدو لنا أن خطاب السيسي في الإسماعيلية هو من رفع نوعيًا مستوى اهتمام المصريين بموضوع سد النهضة بعد أن كان اهتمامهم بالملء الأول ضعيفًا.

المعطيات تبين أن درجة الإهتمام ارتفعت إلى أرقام قياسية نتيجة خطاب السيسي لدى إعلانه مبادرة حياة كريمة، ثم تزامنا مع إتمام إثيوبيا الملء الثاني.

وتخبئ لنا معطيات جوجل بعض المفاجآت الطريفة. مثلا، سكان محافظة مرسى مطروح هم الأكثر بحثًا حول موضوع سد النهضة، يليهم مباشرة سكان محافظة أسوان.

ولو كان اهتمام سكان أسوان بالموضوع متوقعًا لتأثير سد النهضة المباشر على بحيرة السد العالي، فإن إهتمام سكان مرسى مطروح بالموضوع غريب.

ربما يعود إلى وجود عدد كبير من سكان الوادي الذين يقضون الإجازة في شواطئ الساحل الشمالي، ممن يمتلكون إمكانيات مالية جيدة، ومستوى إطلاع عالٍ على هذا الموضوع.

أما الملاحظة الثانية، فتكمن في قلة اهتمام سكان محافظات الدلتا بهذا الموضوع، باستثناء محافظة البحيرة. ربما بسبب ارتفاع مناسيب المياه في الترع نتيجة تدفقات السد العالي استعدادًا للعروة الصيفية، وخصوصًا مع ري الأرز.

معطيات البحث تخبرنا أن المصريين تابعوا بشكل يومي أخر المستجدات حول سد النهضة. لكن هذه المتابعة حديثة نسبيًا؛ ففي السنة الماضية، مر الملء الأول دون اهتمام بالغ يستطيع جوجل رصده.

ويمكن القول – استنادًا إلى معطيات جوجل – أن اهتمام المصريين بموضوع سد النهضة لم يصبح جديًا إلا إثر خطاب السيسي في الإسماعيلية. حيث رفع الخطاب معدلات بحث المصريين عن الموضوع بأكثر من ستة أضعاف في أسبوع واحد.

وبنظرة موضوعية، يبدو أن خطاب الإسماعيلية هو الذي ساهم في تشكل جبهة داخلية مصرية حول الموضوع، رغم أن الخطاب موجه للخارج الإثيوبي. مما يفتح أبوابًا للتأويلات سيكون الخوض فيها في هذا المقال تجسيدًا حرفيًا لمعنى “الهري”.

أين الإثيوبيون من الموضوع؟ 

تقدم معطيات جوجل صورة غريبة للتعاطي الإثيوبي في الداخل لموضوع سد النهضة.

الاهتمام وصل حده الأقصى عند انتهاء الملء الأول، ولم يعاود الارتفاع بشكل طفيف إلا اثر خطاب السيسي في الإسماعيلية، ومع قرب الانتهاء من الملء الثاني.

هنا، سنستخدم إمكانية أخرى في جوجل ترند ألا وهي مقارنة المواضيع، ومدى انشغال شعب ما بأحد الموضوعات دون سواه.

عند مقارنة موضوع سد النهضة بأزمة التيغراي، فإن معطيات جوجل تقول بكل وضوح أن أزمة التغراي أكبر بكثير لدى المواطن الإثيوبي من سد النهضة.

حيث إن أعلى معدلات البحث عن سد النهضة إثر الملء الأول لا تساوي ثلث ما يبحث عنه الإثيوبيون حول أزمة التيغراي التي تشكل تهديدًا وجديًا حقيقيًا لإثيوبيا، وقد تؤذن بتشرذمها، وتحول القرن الأفريقي إلى بؤرة توتر عالمية تتخللها حروب وصراعات عرقية وطائفية.

وتتواصل مفاجآت جوجل عندما نبحث عن التوزع الجغرافي لبحث الأثيوبيين عن موضوع سد النهضة. إذ تأتي منطقة الشعوب الجنوبية في صدارة الباحثين عن الموضوع رغم بعدهم الجغرافي عن موضع السد، وعدم ارتباطهم أصلًا بحوض النيل الأزرق. ثم يأتي التغراي والأرومو في المركز الثاني.

أما بخصوص التيغراي، فيمكن وضع فرضية أن هذا الاهتمام ناتج عن أن تمويل سد النهضة بسندات الدين حدث بأموال التيغراويين الذين لبوا نداء ميليس زيناوي رئيس أثيوبيا المنحدر من ذات الإقليم، والذي وضع حجر الأساس للسد بعد أقل من شهر من تنحي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.

يبقى اهتمام الأرومو الشعب الأفقر في إثيوبيا والبعيد عن سد النهضة رهين بعض الفرضيات، أهمها أن آبي أحمد يسوق السد كأحد إنجازاته وهو المنحدر من أروميا، مما قد يخلق حالة من التضامن القطيعي.

بسبب الجغرافيا والدين | لماذا إثيوبيا بهذه العدوانية مع جيرانها ومنهم مصر والسودان؟ | الحكاية في دقائق

أما بخصوص مواضيع البحث المرتبطة مع سد النهضة عبر جوجل ترند فنجد أحد المعطيات الغريبة؛ إذ يأتي البحث عن المصريين في المرتبة الثانية إثر البحث عن السدود بشكل عام، ويليه البحث عن الأصول العرقية للمصريين.

ويعكس البحث الثالث حالة وعي معينة لدى أغلبية من الإثيوبيين، قد تكون متأثرة بالمركزية الأفريقية و تسعى إلى درجة الوسواس القهري إلى نسب الإرث المصري القديم إلى أفريقيا جنوب الصحراء.

أما المفاجأة الأخيرة، فتكمن في أن الأثيوبيين يستقون معلوماتهم بشكل كبيرة عبر قناة الجزيرة الإنجليزية، مما يطرح العديد والعديد من التساؤلات.

السودانيون وسد النهضة: بداية الشعور بالموضوع 

لا يبدو السودانيون مهتمين كثيرًا بموضوع سد النهضة في الخمس سنوات الماضية. ويمكن القول إن للسودانيين من المشكلات ما يلهيهم عن أي خطر لسد النهضة. لكن يمكن ملاحظة أن بحث السودانيين عن الموضوع عبر جوجل ارتفع في الملء الأول، وما صاحبه من جفاف صناعي في السودان، ثم ما تلاه من فيضانات عارمة في أغسطس 2020.

ويبدو من معطيات البحث أن خطاب السيسي في الإسماعيلية قد أيقظ السودانيين لوجود خطب ما؛ لترتفع معدلات البحث مع اقتراب الانتهاء من الملء الثاني.

كما تبين معطيات البحث عن المواضيع المتعلقة عن وجود بحث سوداني عالي المستوى عن الرئيس عبد الفتاح السيسي.

أما التوزع الجغرافي للبحث، فيمكن القول إنه يتركز في ثلاث محافظات فقط: الجزيرة، الخرطوم والبحر الأحمر.

وعليه يمكن القول – بمعطيات جوجل – أن السودانيين بعيدون جدًا عن الإحساس بخطورة موضوع سد النهضة عليهم، وأن خطاب السيسي في الإسماعيلية قد حرك الموضوع، خصوصًا وأن الحل العسكري لأزمة السد قد يكون له تبعات على السودان.

بني شنقول | حرب حول سد النهضة.. كيف انقلبت دعاية إثيوبيا العالمية عليها داخليًا؟ | س/ج في دقائق

الخلاصة:

مع مرور الزمن، يرتفع اهتمام المصريين بسد النهضة بشكل مطرد فيما ينخفض اهتمام الإثيوبيين به. فحرب التيغراي تحتل صدارة اهتمامات الشعب الإثيوبي؛ لما تمثله من خطر وجودي على وحدة الأراضي الإثيوبية. وكأن الأثيوبيين انشغلوا بأنفسهم.

أما في مصر فاهتمام المواطنين بالسد قد شهد ارتفاعًا نوعيًا إثر خطاب السيسي في الإسماعيلية؛ فيما يحتاج السودانيون إلى دفع إضافي حتى يتحول موضوع السد إلى شغل شاغل، وموضوع يتم البحث فيه بشكل مكثف لدى عامة الشعب.

أزمة سد النهضة | محاولتان لم تكتملا لمد نفوذ مصر في إفريقيا .. هل هذه المرة مختلفة؟ | س/ج في دقائق


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك